4 نوفمبر، 2024 9:31 م
Search
Close this search box.

الثغرة في أدلة كل من الإلهيين والماديين 1/2

الثغرة في أدلة كل من الإلهيين والماديين 1/2

بالرغم من أن أدلة واجب الوجود من المتانة، على حد تقديري، وكثيرون لا يرون ما أرى ولهم أدلتهم المحترمة، لكن بالنسبة لي ولم يرى رؤيتي، إنه لمن الصعوبة، ولا أقول أنه يمتنع ذلك، أن تدحض بأدلة ناقضة لها، يمكن إثارة الإشكالات المهمة عليها، كما تثار الإشكالات على نظرية وجاب الوجود. ومع قناعتي بمتانة أدلة واجب الوجود، أي وجوب وجود المصمم الأول العاقل المريد المخطط، الكائن بذاته منذ الأزل، وبالتالي غير المعلول، تبقى هناك أكثر من ثغرة إما في نفس النظرية، وإما في الإدراك الإنساني. فدليل واجب الوجود، بعدما يورد دليل العلية، ودليل استحالة التسلسل، لينتهي بجواب ألّا بد من علة أولى مستغنية عن العلة، كونها واجبة الوجود، لأن الحاجة إلى العلة مقتصر على الوجودات الممكنة وحسب، مع هذا يستعصي على الإدراك الإنساني تصور اللابداية (الأزلية) بعكس إمكان تصور اللانهاية (الأبدية)، الذي يسهل على الإنسان تصورها نسبيا. لأننا يمكن أن نتصور شيئا ينبعث في لحظة تقع على خط الزمن فيكون حادثا، ولكن يحمل معه شروط البقاء الأبدي، أو بتعبير آخر لا يحمل أسباب الفناء. ولكن أن يكون وجود أو كيان ما منوجدا أو كائنا منذ الأزل ومن غير علة، فهو ما يعجز الإنسان عن تصوره، ومن هنا نسمع دائما سؤال الأطفال البريء والبسيط، لكن المنطقي والفلسفي العميق، ألا هو «والله؟ من الذي خلقه؟»، ولطالما وقف آباء وأمهات أو مربون مؤمنون حائرين أمام هذا السؤال، لا يعرفون كيف يجيبون عليه، ليس فقط لأنه من الصعوبة إيصال الجواب إلى الأطفال بشكل مفهوم لعقولهم، بل لأنهم فعلا لا يعرفون كيف يجيبون. ولعلي أقول إن سبب كون تصور الإنسان للّانهاية (الأبدية) مع صعوبته أسهل عليه من تصوره للّابداية (الأزلية)، بسبب أنه وكل ما حوله من وجودات، إنما هي وجودات حادثة في نقطة على خط الزمن، مما يجعله عاجرا عن تصور وجود غير حادث في لحظة انبعاث من العدم إلى الوجود، بل أزلي ليس ذا بداية. أما كونه أقدر على تصور اللانهاية، فأولا لأن أي شيء عندما ينوجد ويمتد وجوده في خط الزمن، فيمتد وجود بعض الوجودات طويلا نسبيا، من هنا يمكن تصور الامتداد الزمني المابعدي، أي إلى الأمام امتدادا لامحدودا، رغم عدم إمكان تصور الامتداد الزمني الماقبلي، أي إلى الخلف امتدادا لامحدودا. وهناك عامل آخر يجعل الإنسان أقدر على تصور اللّانهاية (الأبدية) أكثر من تصور اللّابداية (الأزلية)، ألا هو غريزة حب البقاء التي تجعله يتطلع إلى لانهائية الوجود، وجوده الذاتي هو، وتمنيه ألا تكون هناك ثمة نقطة على خط زمنه تمثل النهاية لذلك الخط، هذه الغريزة التي لا تغير من حقيقتها الحالات الاستثنائية لتمني الموت انتحارا، أو تخلصا من مرض وشيخوخة مرهقة، أو تضحية من أجل بقاء ما هو أثمن عنده من وجوده، أو تطلعا إلى وجود أكمل وأجمل وأسعد وأبقى، ألا هو الوجود الأخروي في نعيم وخلود.

أحدث المقالات