إن طبيعة الأحداث السياسية المتسارعة في العراق قد تنبيء بإنبثاق مفاجئات عديدة على مستوى الصعد السياسية والاقتصادية والجغرافية والعقائدية والعسكرية في المستقبل القريب-البعيد، ولاينأى عن نتائج تلك المفاجئات أي عراقي شرب من ماء دجلة والفرات، ولا شبر من تراب العراق قد إرتوى من دماء الشهداء ودموع الثكالى واليتامى والإرامل إلا وماد بإهله بسبب تجذر الفساد فيه بانواعه السياسي والأمني والمالي والاداري ووصوله لاقصى مديات معدلاته.
هذا التطور ربما يكون كبيرا بنتائجه فهو وإن كان لايعدو عن كونه أزمة راهنة حاضرا ومزمنة مستقبلا، فهو مصدر قلق لجميع المكونات السياسية والمجتمعية ومنهم المكون الشيعي، قد صنع بايد إعرابية ووضع حجرها الأساس بعض سياسيي الصدفة والقدر والقرصنة السياسية، الذين أسعفهم الحظ وساعدتهم الظروف لاعتلاء منصة صنع القرار في الدولة، فإلتقفوا الفرصة التي سنحت لهم باللعب بمصير الوطن وشعبه المظلوم بسابقة خطيرة غير معهودة في تاريخ العراق المعاصر، والتي خطط لنتائجها من التداعيات المتوقعة في أن تصب لصالح أجندة الأعراب من عبيد الكيان الصهيوني والأجلاف من خدام الغرب الاستكباري.
وأصبح لزاما على شيعة العراق أن يؤسسوا من الآن فصاعدا وقبل فوات الأوان على انتهاج مبدأ العمل بنظام “ولاية الفقيه” بمستوى “اقليم شيعة العراق الكبير” الذي يضم من بين ثناياه منطقتي وسط وجنوب العراق، لأسباب قد تكون منطقية وتحوطية تكفل حاضرهم وتضمن مستقبلهم، وتحافظ على أصالتهم ووعيهم وثقافتهم وتراثهم وأمنهم ووسطيتهم.
والتأسيس لإنشاء هذا الاقليم السالف الذكر دستوريا في هذه المرحلة، أو في مرحلة لاحقة، قد يكتب له النجاح الأكيد إذا تكاتفت الجهود وصفت السرائر وتوحدت الكلمة، وإذا تزامنت هذه المعطيات مع إعلان إنبثاق نظام بقية الاقاليم نحو التطبيق الفعلي على أرض الواقع، والتأسيس كذلك لدولة شيعية عراقية تستأرث آثار وتراث العراق في حال إعلان انفصال تلك الاقاليم عن الوطن الأم على شاكلة الدويلات المستقلة.
كما ويستحسن في تلك المرحلة أن يشكل جيش مهني وقوي ومتطور خاص بالإقليم لدرءه من الاخطار الخارجية، تعاضده في ذلك قوات الأمن الداخلي من الشرطة للحفاظ على الأمن الداخلي للإقليم، ويتعاضد الاثنان لمؤازرة الجيش الفيدرالي والشرطة الفيدرالية عند تعرض البلد لعدوان خارجي أو داخلي.
على أن يتبوأ شرف ولاية الفقيه”رجل فقيه وإمام عادل متقي عالم بأمور زمانه، وقائد شجاع وكفء في الادارة والتدبير، يطور الحياة ويبني الإنسان، وينظم المعاملات، ويرسم الخطوط العريضة لتعيين العلاقات العامة لنظام الإقليم الداخلية والخارجية، والاشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام، ويتولى بنفسه تنصيب وعزل رئيس الإقليم”.
فضلا عن كونه”رجل عراقي شريف الحسب والنسب، وطيب المولد والنسل، وذو تاريخ عريق مشهود له بالعفة والنزاهة والتضحية والإيثار، ومولود من رحم هذه الأمة من خلال امتداد جذوره إلى نسب آل بيت رسول الله (ص) فيسعد لسعادة الطائفة ويشقى لشقائها، وينشر العدل والمساواة ويحمي الثروة ويكافح الفساد، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقوم بإجراء الإصلاحات ويوفر الأمن ويحمي الاقليات ويمنحهم حقوقهم الانسانية والمواطنية ويحترم حقوقهم الإعتقادية، ولاتأخذه في الحق لومة لائم، ولاتهزه في المعروف هزة مارق وناصب”.
وإن من اولى حسنات تطبيق نظام “ولاية الفقيه في إقليم شيعة العراق الكبير” توحيد الخطاب السياسي والعقدي الشيعي بين مختلف مكونات الشيعة السياسية والمجتمعية وعلى المستوى المحلي والاقليمي والخارجي أولا، وترجمة رؤى المرجعية الرشيدة إلى فعل وواقع واجب التطبيق ثانيا، ورسم خارطة الطريق باعتماد الآليات الناجعة لضمان نجاح العملية السياسية والادارية والقانونية في العراق الديموقراطي ثالثا، والتنسيق مع حكومة المركز وإسنادها من ناحية تقييم الاداء وتقديم المشورة والخدمات رابعا، واعتماد لغة الحوار ونبذ الكراهية والتكفير، ونشر المحبة والتسامح والتعايش والتعارف والتعاون في ربوع الوطن خامسا، وضمان اطلاق الحريات والتظاهر السلمي واحترام الدستور سادسا، ودحر إفترائات المخالفين والمتأزمين والنواصب بوصف الشيعة على انهم فرس مجوس كذبا وزورا، بطريقة أكثر ماتكون شبيهة بإجترار الحيوانات، وإبطال فرية تبعية شيعة العراق لإيران سابعا.
لقد إبتلينا كعراقيين ببعض من سياسيي المرحلة الفجرة المكرة، الذين اوصلوا العراق والعراقيين إلى مرحلة سياسية بائسة وأمنية متدهورة لايحسدا عليها، وليت فجورهم ومكرهم يوظف لمقارعة أعداء الأمة، -“رغم تحفظنا على معاملة حالة الفجور حتى مع الاعداء”-، فكيف بهم الحال إذا عملوها مع أبناء جلدتهم ومواطنيهم الذين أوكلوا اليهم زمام امورهم وأمور بلدهم لادارة شؤونهم، وإئتمنوهم على احترام خطوطهم الحمراء وانجاز خطوطهم الخضراء، والوصول بهم وبوطنهم العزيز إلى بر الأمان.
إن ازدواج الشخصيات في شخص السياسي الواحد وتعدد وجوهه، والأساليب المراوغة والكاذبة الذي يعتمدها البعض منهم في التعامل مع الأزمات والناس، أصبح بمثابة ظاهرة ينتهجها السياسي في مواسم الانتخابات، وعند تسنم المنصب في ممارسة الوظيفة، وفي مناسبات أخرى ذات الطابع الإعلامي، لتحقيق ذاته، واشباع أنانيته، الأمر الذي أثار حفيظة الناس في العزوف عن محبة الوطن والولاء له وفق معايير الوطنية التي عهدها العراقيون في ماضيهم القريب، فضلا عن عدم ثقتهم بالمستقبل الغامض المجهول الذي يلجأهم للتفكير بالبدائل الدستورية التي توفر لهم العيش الرغيد في وطن آمن.
وبطبيعة الحال فإن اصابع هذه الظاهرة إمتدت لتطال المواقف والممارسات الظلامية التي تتخذ في السر والخفاء كوجه ثان لذلك السياسي، وبالتالي يفهم من ذلك أن أغلب مصادر الأزمات، لا بل جلها في البلد هي تلك الظاهرة التي ركب موجتها البعض من السياسيين، ليكونوا وبالا على العراق واهله، فواحدهم كالثعلب يجيد المكر والمراوغة والخداع وتقمص الأدوار، ومن الطريف في هذا المقام، أن معلما ما سأل تلاميذه: “هل أن الثعلب، يلد أم يبيض؟!! فاجابه أحدهم وكان حاذقا: الثعلب ماكر، فهو إن شاء يبيض وإن شاء يلد”، فهؤلاء ماهم إلا كمثل هذا الثعلب الماكر المخادع.
والمهماز الذي دلنا لركوب هذه الموجة-أي ولاية الفقيه- جاء نتيجة لامتلاء جعبة المخاوف والهواجس السياسية المتخبطة التي أفرزتها المرحلة كإشارات توحي بالتصعيد والتأزيم وصناعة الأحداث التي تثبت أن ثمة أشياء خطيرة من شأنها أن تجيء بتلك المفاجآت التي تعصف بالبلد عند قادم الأيام، وكان من إماراتها قرار السيد الصدر لإعتزال السياسة وإغلاق جميع المكاتب المرتبطة بالتيار وسحب الثقة من وكلائه، وهاجس آخر كإمارة مزمنة، هو عرقلة إنبثاق القوانين وتعطيلها من قبل مجلس النواب، وتأخير التصويت على الموازنة وتمريرها، والامارة الأخطر الدفاع بشكل مبطن عن داعش والقاعدة ووصفهم بالعراقيين الذين تقاتلهم الحكومة واستعمال القوة العسكرية لتصفيتهم بحسب تصريحات السيد علاوي والسيد النجيفي غير مجدي، كما وأن لأداء مجلس النواب المتعثر دور كبير في اضاعة الوقت المتبقي لعمر دورته الحالية، مثلما أضاعها من قبل، بتكرار عدم حضور الأعضاء وكثرة الانقسامات والانسحابات التي أثرت على عدم اكتمال النصاب، مما يزيد في تفاقم الأزمات وتعثر إنبثاق القرارات وتقزم القوانين وعرقلة الحكومة في اداء واجباتها وجعلها عنوة في أن تأخذ كرها دور المنحسر الشبيه إلى حد ما بحكومة تصريف أعمال أما الهاجس الكبير المؤثر على اللعبة السياسية في العراق، هو مشاكل إقليم الكورد المصطنعة مع حكومة المركز، كمشاكل الحدود والنفط والميزانية، والتي يتخذ منها السيد مسعود البارزاني مبررا لتحقيق نزعته الانفصالية من البلد الأم، وتحقيق طموحه كقائد ضرورة وأوحد في الاقليم لإعلان دولة رأس الكبش الكوردية البارازانية.
كما أن الوزر الأكبر الذي يتحمله كما اسلفنا في مقالات سابقة السيد النجيفي رئيس مجلس النواب الحالي، والذي له الدور الخطير والسلبي في صناعة الأزمات التي أدت إلي هذه التداعيات من خلال دعمه الخطابي الظلامي لداعش والقاعدة، واستغلال منصبه في عرقلة اداء الحكومة وعرقلة القوانين، وتخاذله في الاشادة في دور الجيش العراقي الباسل الذي انتصر على داعش والقاعدة في المعارك التي يخوضها في قاطعي الفلوجة والرمادي، وحلمه الانفصالي في إنبثاق امارة أو دولة الموصل والحاقها بتركيا هو الابرز من بين طموحاته المتعددة اللائي أثرن على سوء ادائه في البرلمان وفي الحياة السياسية العامة بشكل سلبي واضح من خلال امتعاضه الدائم عن الأداء الحكومي، وزياراته المتعاقبة للدول التي ترعى الارهاب في العراق.
وماأثار حفيظة الناس وهواجسهم أيضا كثرة التفجيرات والمفخخات التي صادرت حياة الآلاف من العراقيين وخلفت أفواجا متعددة من الثكالى والأرامل واليتامى، وقد يمتد الأمر إلى زعزعة الأمن إلى مدن الوسط والجنوب مستقبلا إذا ظل الحال على ماهو عليه الآن، وقد يصل الأمر بها إلى مالاتحمد عقباه بسبب قرب بعض المدن الآمنة والحساسة من دوائر الصراع العسكري، كما هو الحال الآن في مدينة المسيب التي وردت عنها أنباء متضاربة حول وقوعها بأيدي عصابات الارهاب مرة، ومرة أخرى بسقوطها عسكريا من خلال تعرضها لقصف مدفعي وصاروخي مما روجته وسائل الاعلام بخبر عاري عن الصحة.
فدعونا نرتب حالنا الآن وليس غدا، وقد لاتتكرر هذه الفرصة مرة أخرى، وربما تمر مر الكرام، ولاتسمح لنا الظروف حينذاك في اتخاذ تلكم الخطوة، أو يداهمنا الزمن على حين غرة، فلا ندري ماذا تخبئ بين طياتها لنا الأيام! ولا ندري ماذا يخبئ لنا القدر! وما ندري ماهو حجم المفاجآت والمؤامرات التي تحاك ضدنا! لأن مبدأ الاقوى في شريعة الغاب، هي اللغة التي يستسيغها الاعراب لينجزوها في العراق عن طريق عملائهم العبيد من سياسي المرحلة، فهناك مليارات الدولارات مخبأة في خزائن دول الاعراب الواهبة تنتظر من يستثمرها لتأسيس مايسموه بالجيش الحر في العراق ظهيرا أو رديفا لداعش والقاعدة فيه على غرار مايسمى بجيش الحر في سوريا، ومصر اليوم التي تم اتخاذ هذه الخطوة فيها،أي تشكيل جيش حر، على غرار الجيش الحر في سوريا هي الهدف السيتراتيجي الآخر الذي يسيل له لعاب الاعراب.
ولاتقوم لنا قائمة طالما أن الأغلبية هي السائدة للشيعة في العراق، والحاكم على رأس الهرم هو من الشيعة أيضا، فهذه هي المشكلة الحقيقية التي من أجلها تصنع الأزمات، وتعتمد المواجهات، وترتكب الجرائم، وتعرقل القوانين، وينتشر الفساد بانواعه ، وماالتهميش وما دعاوى الحقوق الضائعة المقتراة التي تطفو على السطح كفقاعات عائمة بين الفينة والاخرى ماهي إلا ادعائات باطلة تبدو على انها حق ولكن يراد بها باطل، وبالتالي فلا يصح إلا الصحيح، ولاتسود إلا المواقف السيتراتيجية التي يتطلع لها الشعب العراقي الحر، والتي ستشكل بكل تأكيد جزءا من تاريخه المشرف، ولايجني ممن كان صدره مليئا بالعقد والازمات إلا العار والشنار وسواد الوجه وسوء الخاتمة.
“فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون”.