23 ديسمبر، 2024 2:05 م

الدول المتقدمة في المدنية وحقوق الانسان هي مثال جدير بالاحترام في الطريقة الحديثة في ادارة شؤون البلاد وان الدستور والقانون هما المظلة التي يستظل بها كل مواطن، لو اخذنا الدنمارك البلد الاسكندنافي مثالا ,مملكة الدنمارك طبقت الدستور الديمقراطي عام 1848، تعداد وزارة الداخلية من وزير الداخلية الى المستخدم هم عشرة الاف، اما الجيش فعدده اقل بكثير واجبهم المساعدة عند حدوث كارثة وباء, فيضان …..الخ ,لانهم يفكرون بدل ان تنفق ميزانية الدولة على مؤسسة لها اول وليس لها اخر يعطوها للشعب والانفاق على البنى التحتية وبذلك يتحاشون الجرائم التي يضطر المواطن لارتكابها وفعلا هنا اي مواطن دنماركي يرى مخالفة قانونية يتصل بالشرطة مباشرة.هنا لا اريد ان اقارن بين بلد عهده بعيد بالنظام الديمقراطي وبين بلدان العالم الثالث (لكي لا اتهم بالطوباوية ), بل المفروض من قادة دول العالم الثالث وبلدنا من ضمنها التفكير وعلى المدى البعيد ولا اقول على المدى القريب ان يحذو حذو البلدان الاوروبية , المؤسسات الأمنية هي مؤسسات وطنية واجبها توفير الامن والامان للشعب(في ألانظمة الديمقراطية) وليس اداة قمع بيد السلطة لتصبح بذلك عبأ نتيجة استهلاكها اغلب ميزانية الدولة يتقاضونها كرواتب وشراء اجهزة ومعدات ومباني . يبدو جليا انه من اهم المقدمات لحل هذه المشكلة هو وضع الدولة عموما والحكومة خصوصا هذا الموضوع في اولويات اهتماماتها واهدافها التي تحاول انجاحها بشتى الوسائل وجعلها مرتكزا مهما لبناء دولة المؤسسات, ووضع استراتيجية تمتد لفترة طويلة تساهم في نزع النفس العسكري من المجتمع وابداله بالحالة المدنية، وفسح المجال لجميع المنظمات المدنية والفكرية لاخذ دورها الريادي في ترسيخ ذلك لإزالةحالة الخوف والرعب التي زرعها الجيش في عهد النظام السابق في العراق مثلا في نفوس العامة. الحديث عن الجيش والاجهزة الامنية ليس الغاية منه التهجم على المنظومة العسكرية بمعناها المهني ووظيفتها المقدسة بالدفاع عن ارواح الابرياء وسلامتهم فهي مؤسسات وطنية في انشائها وتكوينها الا ان اغلبها انحرف عن مهمته الاصلية ليكون اداة بيد الدكتاتورية لقمع الشعوب ووأد الحريات، فبدلا من أن تكون في خدمة المجتمع وحمايته أصبحت عبئا عليه. فالولاء لا يأت بالخوف، بل بالأمن والأمان وبخلق حالة الطمأنينة للمواطن والاستقرار . تعيش اغلب شعوب العالم الثالث مفهوم العسكرة بثقافتها وسلوكياتها واساليب تفكيرها منذ مئات السنين، والعسكرة بمفهومها الدقيق إستراتيجية تعبوية وتدابير احترازية لاغبار عليها قد تلجأ لها الدول في حالة الطوارئ او لمواجهة عدوان خارجي او اختلال في الوضع الامني الداخلي، الا انها تبقى حالة طارئة تنتج بوجود المؤثر وتنتهي بزواله وزوال الظروف التي شكلت تواجده في دولة واوجدته في وضع معين. المجتمعات لا تحكم بالترويع والخوف، وإنما تحكم بالقانون الذي يخضع له الجميع بدون استثناء. لن يكون في مقدور المجتمع أن يتطور إذا كانت المؤسسة الأمنية تحد من حريته ، ومن غير المعقول أن يكون عضو المؤسسة الامنية أكثر وطنية وحرصا من بقية المواطنين. لا نقصد بالعسكرة هو ان يكون الجميع في حالة خضوع للالة العسكرية ومنظومتها الاستخبارية بل ان العسكرة قد تنتج بشيء تتابعي ناتج من خضوع الدولة بسائر مؤسساتها لقرار المنظومة العسكرية تخطيطا وتنفيذا، وهذا ما يحدث في عموم دول العالم الثالث تقريبا حيث يعيش حالة من التسلط المقيت للاجهزة الامنية وتدخلها السافر في جميع نواحي الحياة، بحيث ان المواطن البسيط لايمكن تعيينه او توظيفه في دائرة ما الا بموافقة اجهزة الامن والاستخبارت وكذا الحال في الترشح لمنصب معين او حتى التنافس على مقعد دراسي وغير ذلك، بل ويصبح الفرد في مثل تلك الدول لايخاف من اي جهاز قضائي ورقابي بقدر خوفه من الاجهزة الامنية والاستخبارية بعنوانها القمعي لا القانوني. ان الاجهزة الامنية في الانظمة العربية تعتبر صاحبة القرار النهائي الذي تبنى عليه الحكومات سياساتها.
ان عسكرة المجتمع العراقي في زمن النظام السابق قد قامت على ظروف وملا بسات تلك المرحلة الداخلية والخارجية التي كان النظام يعتمد عليها أو يتأثر بها وهذا يذهب بنا الى ضرورة دراسة الجذور الحقيقية لخلق هذه الظاهرة والآليات التي تم اعتمادها لتعزيزها وتثبيتها في المجتمع العراقي كما في النماذج الفاشية والنازية ,فالنظام المقبور أذل المؤسسة العسكرية لانه فصلها هو على قياسه و ادخل الجيش في معارك ظالمة وفي جميع هذه المعارك انهزم الجيش ,حرب ثماني سنوات مع ايران ذهب ضحيتها اكثر من مليوني انسان بريء وتريولانات من الدولارات ,جيش استباح كردستان في عملية الانفال سيئة الصيت عام1988 ,استباح الكويت في عام 1991، واخيرا خيمة صفوان المذلة، وفي انتفاضة اذار استباح الوسط والجنوب والمقابر الجماعية ,والى يومنا هذا الغالبية العظمى من الشعب العراقي لاتثق بالجيش . ان الموجه العام لخلق هذا الواقع في العراق يبدأ من عدة دوافع كان اكثرها شيوعا هو اعلان حالة الخطرالمستمر والتحديات التي تواجه سياسة السلطة الحاكمة (والتخلص من نظرية المؤامرة)، والتي ستؤثر على مصالح وأهداف الدولة والشعب، واخذ كل صانع قرار يجسد هذا المفهوم ويسعى لتطبيق مضامين ووسائل كيفما أمكن وعلى أمل الحصول على فرصة البقاء والولاء في إدارة الدولة ومرافقها، فالحكومات التي توالت لحكم العراق كانت في الغالب غير مستندة الى واقع جماهيري-عدا حكومة ثورة 14تموز عام 1958- حقيقي يضم شرعية السلطة القانونية والواقعية، أضف إلى ذلك الموروث من الحروب ونتائجها الذي أدى إلى تأقلم المواطن البسيط مع هذه المظاهر واعتبارها جزءاً من الحياة اليومية .
كانت هذه الأنظمة تعيب على أنظمة الحزب الواحد كأنظمة شمولية، فهي تمارس الشمولية بأسلوب الجهاز الأمني – المخابرات- العسكرة التي اتبعها النظام المقبور تقوم على تغليب الايديولوجية العسكرية في انساق الدولة وأنماط الحياة العادية وهناك نماذج عديدة لهذا السلوك يرجع بعضها إلى ما قبل الميلاد كدولة إسبارطة العسكرية في بلاد اليونان. الامثلة على السير في سلوك الجانب العسكري المشدد وتغييب الواقع المدني، الا انها بقيت في حالة بعيدة عن الاضواء في كثير من الدول النامية غير المهتمة بجانب التعددية والحرية، الا في العراق حيث اخذت طابعا مميزا جعلت اسمه بحد ذاته مرتبطا ارتباطا وثيقا بحالة العسكر حكما ونظاما. هذا النوع من الممارسات الأمنية يشمل موافقة الجهاز الأمني على تعيين الوزير والمخبر والمستخدم، والتدخل في الانتخابات لهذا المرشح أوذاك.
والعسكرة رغم اهميتها في بعض الاحيان الا انها تبقى عبأ على المجتمع المتمدين يرغب برحيلها باسرع وقت. ان الفكرة والطريقة المستخدمة بشتى الاعذار من قبل الانظمة المتعاقبة في العراق جعلت منها ثقافة ملازمة لمفهوم الحكومة وغيبت وابعدت سيادة القانون المدني والتعايش الحضاري وابدلته بثقافة الخوف من شخوص العسكر ودوائر الامن ايا كان نوعها، وهذا بدوره ولّد خوفا مستشريا حتى في قمة الهرم لدى الحكومات من الانقلابات العسكرية.
والعلاج هو بناء جيش مهني يلتزم بواجباته وهي حماية الوطن من اي اعتداء خارجي والحفاظ على الامن داخل الوطن والوقوف دائما مع مطالب الجماهير العادلة والبدء بالتركيز على المناهج الدراسية والاعلام عموما في التحدث بلسان العقلنة والتشريع القانوني والابتعاد عن كل ما من شأنه التذكير بالحروب والتاريخ المليء بذلك والتوجه نحو المادة العلمية والانسانية البحتة، كمقدمة لإفشاء ثقافة التسامح واللاعنف، وتطوير مؤسسات المجتمع المدنـي، وتحريرهـا مـن بيروقراطيـة السلطة.
نتمنى من كل الانظمة التي تعتمد على قوة العسكر في ممارسة قتل الحياة في الناس الكف عن ذلك ، وليكن الوطن ودستوره وقوانينه هي الحكم بينكم وبين الجماهير، لأن المجتمع المسلوب الإرادة مجتمع غير قابل للإبداع والإنتاج، رغم كل ابواق الإعلام التي تتكلم ليلا نهارا حول التنمية والتقدم .