إن تسليط الضوء على بعض المصطلحات الأساسية في الفلسفة والكلام والمنطق والفقه واﻷصول وسائر العلوم الاخرى لا يخلو من فوائد كثيرة لطلاب العلم والمثقفين على حد سواء. إن اللغة العلمية الاصطلاحية تبتعد كثيرا عن اللغة اﻹعتيادية فلو كان المعنى اللغوي لوحده كافيا، لما تطلب اﻷمر تجشم العناء ﻷجل بيان وشرح المصطلحات العلمية، فالمصطلحات العلمية تعتمد على الدقة والعمق في الفهم خلافا للغة الاعتيادية التي تعتمد على الفهم العرفي الساذج. وهنا أود فتح باب الحديث عن مصطلحين في الفلسفة هما :(الثبوت واﻹثبات).
ما هو الثبوت؟ وما هو الإثبات؟
الثبوت ” هو عالم الواقع الخارجي. من قبيل أن زيدا إنسان ، أو النجف في العراق، أو الشيخ الطوسي توفى سنة كذا، أي شئ من هذه العلل والمعلولات الخارجية”[ المصدر:شرح الكفاية للسيد محمد الصدر/الدرس الثاني].
الإثبات ” عبارة عن التعرف، إنه شئ يخطر في الذهن أن زيدا جاء من السفر، وعرفت أنه جاء من السفر، فمجيئه الواقعي ثبوت، والتعرف عليه إثبات.”[ نفس المصدر السابق]. وعلى هذا المنوال يمكن أن نضرب مثالا آخرا كي يتضح معنى الثبوت واﻹثبات، فمثلا عندما يتزوج صديقك، فإن لهذا الزواج واقعا خارجيا، بإعتباره حدثا حصل في زمن ما ومكان ما وهذا يمثل جانب الثبوت (زواج صديقك ثبوتا).
إن علمك بزواج صديقك يمثل جانب الإثبات(زواح صديقك إثباتا)، وقد تختلف طرق علمك بهذا الزواج، فقد يكون علمك عن طريق حضورك حفل الزواج بنفسك، وقد يكون علمك بزواج صديقك عن طريق الخبر المتواتر أو أي طريق آخر من طرق المعرفة، فإن تعرفك على زواج صديقك يمثل جانب الإثبات. ومن خلال ما تقدم نعرف أن الاصل هو الثبوت، فلا إثبات بدون ثبوت ولذلك قالوا:
( أن العلم بالشئ فرع الشئ المعلوم ).
فالعلم بالشئ هو اﻹثبات وهو الفرع.
والشئ المعلوم هو الثبوت وهو اﻷصل.
فالثبوت ( الواقع الخارجي) يمثل موضوع المعرفة ويسمى أيضا متعلق المعرفة.
فعلمك بوجود الجبال في شمال العراق، هذا العلم – أي الصورة التي خطرت في ذهنك- موضوعه الواقع الخارجي (اي الجبال في شمال العراق)، فالواقع الخارحي( الثبوت) هو موضوع المعرفة ومتعلقها، وعلى هذا اﻷساس يمكن أن نفهم معنى التوالد الموضوعي للمعرفة، فقد تتولد المعرفة بسبب العلاقات القائمة بين اﻷشياء في الواقع والتي يعبر عنها بعلاقة اللزوم الواقعي.كاللزوم الواقعي بين النار والحرارة.
وبعد أن تم الفراغ من بيان معنى الثبوت واﻹثبات ينبغي فتح باب الحديث عن مصطلحين آخرين لهما علاقة بالثبوت والإثبات وهما:1- واسطة الثبوت.
2- واسطة الإثبات.
ما هي الواسطة؟
الواسطة إصطلاحا تعني السبب.
ما هي واسطة الثبوت؟
واسطة الثبوت هي كل العلل والمعلولات التكوينية.
وتتضح الفكرة من خلال هذين المثالين:
المثال اﻷول: النار فإنها واسطة اﻹحراق، ﻷن النار سبب (مقتضي) للإحراق.
المثال الثاني: إن زيدا له واقع خارجي(زيد ثبوتا) وواسطة زيد الواقعي هي كل العلل والمعلولات التكوينية،ﻷن زيدا جاء للدنيا بواسطة والديه وهما بالنسبة الى زيد جزء علة، وهما معلولان بالنسبة الى والديهم، فهذه السلسلة من اﻵباء واﻷمهات تمثل عللا ومعلولات تكوينية لزيد الواقعي اي واسطة ثبوت لزيد مع إنضمام علل ومعلولات أخرى كالعلل الغائية والمادية والفاعلية والصورية وغيرها…
ما هي واسطة اﻹثبات؟
واسطة الإثبات هي واسطة التعرف والمعرفة بعد الجهل، أوضح مصاديقها مقدمات البرهان.
فالمقدمة الكبرى والمقدمة الصغرى هما سبب للمعرفة ( النتيجة).
مثال ذلك: هذا القياس البرهاني.
كل متحرك حادث.[ المقدمة الكبرى]..
والكون متحرك.[ المقدمة الصغرى].
إذن الكون حادث.[ النتيجة ].
فقد حصلت لنا معرفة(إثبات) بأن الكون حادث بواسطة مقدمات البرهان الكبرى والصغرى (واسطة الإثبات)…فالمقدمة الكبرى في هذا القياس البرهاني هي:
(( كل متحرك حادث ))
والمقدمة الصغرى في هذا القياس البرهاني هي:
(( الكون متحرك ))
وبعد إنضمام المقدمة الصغرى الى المقدمة الكبرى تحصل النتيجة وهي:
(( الكون حادث ))
وهذه النتيجة هي الإثبات، ومقدمات البرهان ( الكبرى والصغرى) هي واسطة الإثبات. وخلاصة هذا المقال هي:
– الثبوت هو الواقع الخارجي.
-الإثبات هو التعرف على الواقع الخارجي.
– واسطة الثبوت هي كلل العلل والمعلولات التكوينية.
– واسطة الإثبات هي واسطة التعرف والمعرفة بعد الجهل وأوضح مصاديقها مقدمات البرهان.