في مثل هذا اليوم من عام 1988 توقفت الحرب العراقية الايرانية بعد ثمان سنين من القتال المتواصل الذي كان حطبه المسلمين من الطرفين ولا احد يعرف حقيقة لماذا توقفت! هل لأن اهدافها الخارجية تحققت بأضعاف كلا الجانبين اقتصادياً وعسكرياً ولأمد بعيد؟ ام ان الطرفين قد تعبا واصابهما الملل بعد ان طال الامد ولم يتحقق شيء! ام ان الاوامر الخارجية قد صدرت لصدام بأن يوقف العمليات العسكرية الهجومية ويسمح للطرف المقابل بإعلان وقف اطلاق النار؟ لا احد يعلم الحقيقة الا القليلين من المقربين من نظام صدام والذين لم يعلنوا عنها ابداً بل بدأوا مسلسل الدعاية والاعلام لوهم اسمه (النصر والسلام!) ولا اعرف اي نصر هذا الذي لم يغير حدود البلدين بعد ثمان سنين من الكر والفر واي سلام هذا الذي لم تتوقف قبله ولا بعده لغة التهجم والعنف بين البلدين عبر الحدود والاعلام وعلى مر التاريخ!
وتمر الايام
وتمر الايام وينتفض الشعب عام 1991 بعد النكبة الكبرى في تاريخ العراق الحديث بغزو الكويت والانسحاب منها هرباً وجرياً على الاقدام وتعرض الجيش العراقي الى اكبر هزيمة له في القرن العشرين وثارت العشائر والحركات المسلحة ضد المتبقي من النظام ولكن القوى الكبرى سمحت للنظام بأن يبيد المنتفضين لأن نجاحهم في ذلك الوقت لم يكن يخدم امريكا وحلفائها في المنطقة. وقتلت الانتفاضة وسحق المنتفضون الا القليل ممن هربوا الى ايران او السعودية او الاردن او غيرها من دول العالم الا ان الكم الاكبر من هؤلاء احتضنتهم الجمهورية الاسلامية في ايران من منطلق ان عدو عدوي صديقي وفعلاً كان هؤلاء اصدقاء لأيران (لوحدة العدو لمشترك بينهما) واعداء لنظام صدام حتى سقط الصنم عام 2003.
وتدور الايام
ويعود الهاربون والمهجرون قسراً وسياسياً الى ارض الوطن وتبدأ رحلة جديدة من النضال السياسي والعسكري قاد هؤلاء خلالها اغلب الاحزاب والتنظيمات الدينية في العراق ونجحوا في الانتخابات ووصلوا الى الحكم واجتهدوا حتى اخراج المحتل واعلان السيادة الكاملة بتاريخ 15/12/2011 وتتحقق العديد من المكاسب والمآسي معها بالتوازي لشعب العراق ولكن الثامن من اب لم يمحى من الاذهان وانما ما زال خالداً في ضمير العراقيين وله مؤثراته على احكامهم دائماً فكيف هذا؟ دعونا نرى:
انصار واعداء
لم يتوقف الشعب العراقي يوماً واحداً عن تذكر ايام القاسية السوداء والعدد الكبير من الشهداء العراقيين الذين سقطوا ضحية طيش وحمق صدام وجنون العظمة لديه ورغم ان الشعب يعلم ان ابنائنا لم يكونوا ذاهبين الى الجبهة بملء ارادتهم بل انهم كانوا مرغمين على قتال الجارة المسلمة وان من يتخلف عن القتال ويهرب يكون مصيره الاعدام ولكن هذا لم يمنع الناس من ان يحملوا في داخلهم مشاعر البغض والكره لمن قتل ابنائهم واقصد هنا الجارة المسلمة ايران ولحد الان هناك من يشن حملة اعلامية ضخمة ضد كل ما هو ايراني من اكل وشرب وملابس واعلام ومسلسلات وافلام وكل ما فيه رائحة ايران والسبب في ذلك انهم لا زالوا يذكرون ان ابوهم او اخوهم او عمهم او خالهم او احد اقاربهم قتل في الحرب مع ايران وانا بصراحة لا استطيع الحكم على هؤلاء واقول انهم من حقهم ذلك او ليس من حقهم فالحب والبغض والكره امور نفسية لا تحكمها العقول في اغلب الاحيان ولكني اطلب منهم ان يتمتعوا بالإنصاف في القول بأن هذا صحيح وجميل وهذا قبيح ورديء ونسيان تلك السنين العجاف وان يتذكروا ان من قتل ابنائهم هو من ارسلهم الى الجبهة رغماً عنهم في حرب ظالمة لا ناقة لنا فيها ولا جمل وانا شخصياً لي عم هو اخو ابي الشقيق قتل في الحرب مع ايران ولكن هذا لا يمنعني من احترامها كدولة جارة مسلمة مبدئية لها سياستها الخاصة ومصالحها الخاصة التي يجب ان نحترمها ونكون لنا في المقابل مصالح خاصة ايضاً ولا نبقى نعلق اسباب فشلنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي على شماعة التدخل الايراني وغيرها من هذه الامور التي ذكرنا انها جرب اعلامية منظمة ضد الجارة المسلمة.
من جانب اخر لا ننكر ان الضيوف الكرام الذين استضافتهم ايران لعقود من رجال دين وسياسة واقتصاد واجتماع عادوا الينا وفي عيونهم بريق لماع وفي قلوبهم حب كبير للدولة التي احتضنتهم ومن حقهم هذا على ان لا يكون ذلك على حساب وطنيتهم وولائهم للوطن وتقديم مصالحه العليا على كل مصلحة اخرى شخصية كانت او فئوية او حزبية او ولائية لدول اخرى وانا هنا لا اتهم احداً منهم بقلة الوطنية او تقديم الولاء الاخر على الولاء للوطن واستغفر الله من هكذا اتهام فهم ابناء العراق وقد شربوا مائه وعاشوا على ترابه واكلوا من خيراته ولا يمكن بحال من الاحوال ان ينتج ذلك الا كل حب واحترام وتضحية وفداء للوطن الغالي وقد كان هؤلاء وما زالوا كذلك للوطن محبين ولمصلحته مراعين ولأهدافه مقدمين وبالغالي والنفيس مضحين لرفعة البلد العزيز.
اين المشكلة اذاً؟
المشكلة هنا تكمن في ان المشاعر تتحدث بصوت اعلى من العقل احياناً وينشب الصراع دوماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً واعلامياً حتى بين من في قلوبهم غيض وحقد على قتلة ابنائهم وبين من اكلوا وشربوا من خيرات تلك البلاد ونادراً ما يتصف نقاش هؤلاء واحترابهم بالإنصاف والعقل بل يكون دوماً مبنياً على اساس اتهام كل منهما للأخر بأنه صدامي او انه عميل ولا تصل النقاشات في هذا المضمار الى حل غالباً لأن الكل متشبث برأيه ومخون للأخر وغير مقتنع به تماماً!
واين الحل؟
لا احد يدعي انه يستطيع حل مشكلة عويصة كهذه ولو بعد قرون ولكن يمكن ان نحلحل الموضوع بتثبيت نقاط اساسية يفترض ان يستند اليها كل من يتعاطى مع المسائل الايرانية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والاعلام:
1- ان ذوي شهداء القادسية محزونون بفقد ابنائهم وذويهم وهذا من حقهم ولكن يجب ان يتصفوا بالإنصاف حين التعامل مع الاخر والتذكر دوماً اننا نحن من فرض الحرب عليهم وقد كانوا يدافعون عن انفسهم وان صدام هو من اقتاد ابنائنا الى الجبهات قسراً.
2- ان من عاشوا في كنف الجمهورية الجارة المسلمة يكنون لها كل حب واحترام وتقدير وهذا من حقهم ولكن يجب ان يقدموا مصالح بلدهم على مصالح الجارة العزيزة في كل مسألة تتطلب تقديم الاهم ثم المهم فلا اهم من الوطن شيء ابداً.
3- على المتصيدين في الماء العكر ممن يتراقصون على جراح اليتامى والارامل ويداعلون مشاعرهم بسب وشتم وطعن الجمهورية واتهامها بشتى صنوف التهم الباطلة ان يتقوا الله ويتوقفوا عن ذلك وان لا يثيروا اي شيء من شأنه ايقاع الخلاف والشقوة الا بدليل ونادراً ما يفعلون ذلك بل انهم لا يفعلونه ابداً!
4- على المراهنين على وطنية العراقيين اقول لهم اتقوا الله في ما انتم فاعلون فالعراقي الاصيل لا يبيع وطنه ولو بكنوز الدنيا ولا تتخذوا من الولاء العاطفي والديني للجارة المسلمة وسيلة رخيصة للتجارة في افكار الناس وحرفهم عن الهدف الاسمى للبلد الان الا وهو التخلص من الارهاب والفساد والنهضة من جديد الى مصاف الدول المتقدمة ونحن اهل لذلك وجديرون به بعد سنين عجاف ثقال طوال والله المستعان.
5- على الواقفين على الحياد ممن لا يحب ولا يكره ان يشخص دائماً كل ما يقال ولا يحكم قبل التثبت والدليل من ان ما يقال صحيح والا وقعنا ضحية للتشويه الاعلامي او المزايدات السياسية المتصاعدة منذ سنين.