17 نوفمبر، 2024 6:41 م
Search
Close this search box.

الثابت والمتحول في خطاب داعش الاعلامي

الثابت والمتحول في خطاب داعش الاعلامي

يعرف أدونيس الثابت في إطار الثقافة العربية بأنه “الفكر الذي ينهض على النص، ويتخذ من ثبات النص حجة لثبات الفكر، فهما وتقويما، واستنادا لهذه المرجعية الفكرية، فانه يفرض نفسه بوصفه سلطة معرفية تمتلك الحقيقة”. بينما يكون المتحول في نظر ادونيس، هو “الفكر الذي لا يرى في النص اي مرجعية، او يجعل تأويل النص قابلا للتكيف مع الواقع وتجدده، وهو هنا يعتمد العقل اساسا للمعرفة وليس النقل”.
داعش كتنظيم سلفي فان الثبات لديهم ينطلق من افتراض الكمال في المعرفة بالنص والنقل، وهو امتداد لنمط من التفكير لدى مجموعة كبيرة من المسلمين، فالشافعي على سبيل المثال:
كان يتعامل مع كل تفكير لا يكون اتباعا للسنة النبوية على أنه “هذيان” واعتبار كل بحث عقلي على أنه “تردي”.
كان يمقت ممارسة علم الكلام، بدعوى أنها دليل على التجرد من الدين.
كان ينظر إلى الإنسان على أنه شخص مكلف، وما وجوده في الدنيا الا اختبار له، لذا يجب أن يكون مطيعا على الدوام، الأمر الذي يعني أن الحرية بمثابة عصيان وانفلات.
كان يعتبر العقل محدود واستخدامه مشروط بالقرآن والشرع، وأن الفكر هو استخدام العقل للوصول إلى المعرفة، لكن هذه المعرفة تكون مذمومة إذا تعارضت مع الشرع، ودور العقل لدى الغزالي هو أن يهدي إلى صدق النبي وفهم سنته، وما عدا ذلك يجب تنحيته جانبا ولزوم الاتباع، لأن العقل قاصر.
خطورة هذه الآراء إنها أصبحت “نصا ثانيا حل محل النص الأول ـ ونقصد به “نص الوحي”، بحيث يتعذر اليوم أن نتجاوزه، لكي تكون لنا قراءتنا الخاصة، ونكتب نصنا الحديث، بدءا من النص الأول”. هذا السياق من التفكير والتحليل نجده حاضرا في الاساس الفكري والعقائدي لتنظيم داعش، ويصعب ان نجد حدا فاصلا بين النص المقدس والسنة النبوية في خطابات التنظيم الاعلامية والفكرية او في طريقة محاكمتهم للتاريخ والحاضر، وسبق وبينا في كتابات سابقة ان العالم معقد لكن الميل الى تبسيطه يبدو طاغيا في الخطاب الاعلامي لداعش من خلال التركيز على المقاربة الثنائية في التفكير والتقسيم الافقي الى “مع” و “ضد”، بين فسطاطين، الايمان والكفر، دار الاسلام ودار الحرب، وهكذا. فما يحتاجه المجتمع في نظر داعش هو جعل الماضي حاضرا باستمرار، ولا حاجة لاي فكر آخر، مهما كان. ولا معنى للحداثة امام نص معرفي متكامل (القران، والسنة)، واي اعتراف بالحداثة هو القبول بلانهائية المعرفة، ومن ثم فتح المجال للبحث عن التكامل والسعي من أجله. وهذا كله خروج عن الدين وتعاليمه.
لذلك ظل الخطاب الداعشي ثابتا، رغم مرور التنظيم بتحولات دراماتيكية، كان اشدها انهيار التميكن وضياع دولة الخلافة بفعل عمليات عسكرية ساحقة، ففي الوقت الذي كنا نتوقع ان نرى او نلمس تغيرا في الخطاب الاعلامي لداعش بعد الهزيمة وحجم الوعود بالنصر قبل العمليات، وجدنا العكس تماما من انكار واقع الهزيمة، واعتبار ما جرى هو ابتلاء رباني لتمحيص معسكر الايمان. فما زال الخطاب الداعشي يرى أن الأمة الإسلامية، مركز العالم كونها تحمل خاتمة الرسالات، وأكملها، ومن ثم فهم يرفضون الآخر المختلف ويتم تكفيرهم ومقاتلتهم مستندين الى نص الآية، “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ”. ورغم أن الثبات عاليا فيما يتعلق بالعبادات، والجوانب الفقهية والعقائدية لدى التنظيم، الا اننا وجدنا دائما تحولا في المواقف في ما يتصل بالسياسة أو الامور الاخرى، فبقدر تمسك داعش بالنص وهو تمسك صارم لاحظنا قدرا كبيرا من التلاعب والتضليل والخداع في ما يتعلق بالعمليات الارهابية، خاصة وان نسبة الكذب في الاخبار التعبوية تجاوزت70% في حصاد الاجناد لبعض الاسابيع، ولم يخلو اي عدد من صحيفة النبأ الاسبوعية من الاخبار الكاذبة والمضللة منذ تحرير الموصل.
ثبات الخطاب الاعلامي في الجانب العقائدي لداعش يجعله اكثر تأثيرا، وافتتاحية النبأ في العدد (238) جاءت في هذا السياق بعنوان (كذبة تأجيل الطوائف الممتنعة إقامة الدين) لتعكس دفوعات داعش عن مواقف التنظيم باعتبار كل ما اقدم عليه التنظيم صحيحا ومطابقا لضوابط الالتزام بتطبيق الشريعة، من هنا نعتقد بأن الجزء الاعظم لتأثير الخطاب الداعشي يكمن في النتاج الثقافي القديم الذي يحتاج الى اعادة النظر والتقويم، مثلما نحتاج الى إعادة تقويم المفاهيم والنظريات التي تولدت عن هذا الارث الثقافي، للبدأ بطرح صورة جديدة للثقافة العربية الحديثة المقبلة. وبدون ذلك يبقى الارهاب مستمرا والخراب في ازدياد.

أحدث المقالات