من تِرِلْ , وهي كلمة تركية تعني المضطرب والمتقلب ومنها أُشتقت كلمة ترللي.والمقصود هنا أن يتحول البرلمان إلى مؤسسة لا تخدم مصالح الناس , وكل مَن فيه يغني على ليلاه , وينشغل بكسب المال والإمتيازات , ولا يعنيه عناء أبناء الشعب الذين (يمثلهم) أو الذين (إنتخبوه).
فأعضاء الترلمان لا يمثلون إلا أنفسهم , ومصالحهم الشخصية ومنافعهم العائلية , وما تدره يد المتسلطين عليهم والممسكين بمصيرهم من أرزاق يحسبونها نعمة من بارئهم , فيسبحون له بكرة وأصيلا وهو ليس بغافل عما يفعلون.
والتِرلمانيون في إضطراب وتقلّب على أبناء شعبهم وخاضعين لأسيادهم , ولا يمكنهم أن يفعلوا شيئا من دون موافقتهم وتوجيهاتهم التي تحقق مصالحهم , وتتجاهل مصالح الشعب الذي من المفروض أن يكونوا ممثلين أوفياء له.
وهم لا يتحسسون آلام الناس ويخافون الإقتراب منهم , ولا يعينونهم على قضاء حاجاتهم والتقليل من معاناتهم اليومية , فتلك مهمة شاقة لا يعرفها عضو الترلمان , لأنه لا زال بعيدا عن معاني ومبادئ وقيم وأخلاق البرلمانية وعضوية الجمعية , التي تعمل ما بوسعها لتجسيد طموحات الناخبين الصادقين , الذين توسّموا القوة والقدرة والثقة والمسؤولية والأمانة في الذين إنتخبوهم , لتحقيق المصالح الوطنية والحاجات اليومية , والقيام بمشاريع ذات قيمة إقتصادية وإجتماعية مهمة.
وإنجازات أي ترلمان تتلخص بالطائفية والفئوية والمحسوبية والصراعات الداخلية وإنتشار الفساد , وزيادة الثراء الشخصي والعائلي لأعضائه وغيرها من الرغبات , على حساب أبناء الشعب المنهوكين بالعناءات المتعددة , الهادفة إلى ترويعهم وسلب مقومات حياتهم ومصادرة مستقبلهم ومصيرهم.
فهو لا يحقق شيئا للناس المقهورين بالفقر والخوف , والفاقة والعوز والتشرد والحرمان ,
ولا يوفر لهم الماء الصالح للشرب والكهرباء والوقود , والخدمات الصحية والنقل والسكن والعمل , ولا يتمكن من محاربة البطالة وتشريع برامج الرعاية الإجتماعية والتأهيلية والخدمية , وفرض الأمن وتحقيق الحياة الحرة الكريمة لهم.
ولا يفعل شيئا للملايين الحائرة بأيامها وأطفالها ومعيشتها , وهي تتجمع في طوابير أمام أبواب الدنيا تتوسل إليها أن تقبلها لاجئة أو مهاجرة , من أجل الخلاص من ضيم ومأساة الحياة في مجتمع قدره المآسي والويلات.
ويكون الترلمان في غاية السعادة والإمتنان عندما يشيع الإضطراب وتعم الفوضى , التي تجعل الناس بعيدين عن نشاطات ورغبات أعضائه الفردية.
ولكن عندما يكون هناك برلمان يصبح للناس منفذ للمطالبة بحقوقهم , لأن لديهم ممثلين شرعيين قادرين على الدفاع عن مصالحهم ومستقبلهم.
فالبرلمان هو إجتماع لممثلي الشعب يناقشون فيه مصالح الأمة.
أي أنه مؤسسة تشريعية غايتها الحفاظ على سلامة الوطن والشعب , والعمل الجاد على تحقيق المصلحة العامة بنكران ذات ووطنية خالصة.
وله السلطة لإصدار التشريعات والقوانين , والإلغاء والتصديق على الإتفاقات الدولية الخارجية التي يمثلها ممثلوا السلطة التنفيذية.
والبرلمان هو الوسيلة التي أدركتها البشرية لتحقيق حكم الشعب , بعيدا عن الفردية وسلطة الإستبداد التي أذاقت الشعوب الويلات المتعاقبة.
أي أنه إبتكار تشريعي توصلت إليه المجتمعات عبر تجاربها المريرة القاسية , ولهذا صار في الدول الدستورية بنايات بارزة ومتميزة للبرلمان , كرمز لسلطة الشعب وإرادته في تقرير المصير.
وبما أن البرلمان سلطة تشريعية فأنه يقرر ويرسم خارطة الحياة للشعب في الدولة التي يكون فيها.
وممثلوا البرلمان أعضاء منتخبون وعلى إتصال وتفاعل مع أبناء وطنهم , لتحقيق حاجاتهم وحل مشاكلهم وتذليل الصعوبات القائمة في مسيرة أيامهم.
وجميع ممثلي البرلمان يمتلكون روحية التضحية والإيثار وخدمة الآخرين , الذين إستودعوهم ثقتهم وحملوهم رسالة العمل الجاد من أجل مصالحهم ومستقبل أبنائهم.
والممثل في البرلمان يعمل بنزاهة وتفاني لكسب ثقة ناخبيه ومواصلة تأييدهم ومساندتهم له , لكي يفوز في دورات إنتخابية أخرى.
أما أن يكون الممثل نكرة والإنتخابات تجري على أسس غريبة وغير مطروقة , فأن الذي يتم تعينه يصبح عضوا فعالا في مؤسسة أخرى لا يمكنها أن تكون برلمانا.
وبين البرلمان والترلمان فروقات كبيرة وطويلة , ويتأكد دور الترلمان في الدول المتأخرة التي تتوهم الديمقراطية , فالبرلمان مؤسسة دستورية وتشريعية لها دورها وقوتها في الدول الديمقراطية المتقدمة , وتبقى المسافة بينهما كالمسافة بين التقدم والتأخر.
ولن يكون أمرهم شورى بينهم ما داموا لا يشاورون إلا رغباتهم ومصالحهم الأنانية المقيتة.
فهل عندنا برلمان أم ترلمان؟!!