جاء في كتاب افواه الزمن للكاتب ادواردو غاليانو: انه لم يكن يبكي وهو يستذكر طفولته البائسة، ولم يكن يقبّل الاطفال، ولايوقع اتوغرافات، ولاتلتقط له صور الى جانب المقعدين، لم يكن يعد بشيء، ولم يفرض على الناخبين سماع خطب لاتنتهي، لم يكن ذا افكار يسارية، ولايمينية، ولا افكار وسط كذلك، كان غير قابل للرشوة، يزدري المال، وان كان يتلمظ امام باقات الازهار. في انتخابات 1996، كان يتصدر استطلاعات الرأي، كان المرشح المفضل لمنصب عمدة قرية بيلار، وكانت شهرته تتزايد في منطقة شمال شرقي البرازيل باسرها، فالناس الذين ملوا السياسيين الذين يكذبون عندما يقولون الحقيقة، يثقون بهذا الشاب ثنائي الاصابع، الذي يسميه العامة (التيس) ذي اللون الابيض واللحية البيضاء، وفي تجمعاته الانتخابية، كان فيدريكو يرقص منتصبا على قائمتين، ويقوم بحركات وقفزات تيسية مقنعة على انغام الجوقة التي ترافقه في الاحياء، عشية انتصاره، طلع عليه الصباح ميتا، كانت لحيته حمراء بدم متيبس، لقد جرى تسميمه. هذا مرشح مستقل ولم يكن ضمن قائمة معينة كما يجري لدينا الآن، اعتمد فقط على حب الناس فاقصي ولو بعد حين، يعني ياشعب (مش بوزك) من مرشحين امثال فيدريكو، ستأتيك القوائم تتعكز على الدين والحجاب او ربما السفور، او اليمين واليسار، وانت كالاطرش في الزفة، ستتناول البطاقة بتذمر كامل وستجني على تاريخك وتاريخ الاجيال معك وتضع القلم بغضب واضح وتؤشر مالاتريد.
هذه الممارسة لايمكن لها ان تكون لدى الشعوب المتخلفة، وان شاء القدر ان تكون فستكون وبالا على هذه الشعوب، قبل يومين في مدينة الثورة جمعوا صور المرشحين واحرقوها، مرشحي قائمة معينة، ومن احرقها ينادي ليلا ونهارا، انه مع الشعب والى الشعب، ويلهج بالديمقراطية، ولكنه يمزق صور ودعايات المرشحين الآخرين، وفي الثورة ايضا امتلأت الازقة قبل اربعة اعوام بصور مرشحي الحزب الشيوعي العراقي بعد ان مزقت، وقبلها كانت صورة اياد علاوي ملطخة بفضلات آدمية ، هكذا نفهم الديمقراطية ويفهمون، اما المرشح المثالي فانا اقول له من هذه اللحظة : لامكان لك في وسط هذا الهرج والمرج، لصوص ورجال عصابات لايمكن للنزاهة ان تنمو وسط جو مريض ملبد بغيوم آسنة، عشائر وموالاة للدين والعشيرة والمذهب والكتلة والفصيل والمرجع، لايمكن لممارسة ديمقراطية حقيقية ان تجد طريقها وسط شعب او مجتمع لايفكر سوى بزيادة المرتبات، والاكل والنوم والسيارات الفارهة، مانمر به يشبه الى حد كبير تخلص العباسيين من ابي مسلم الخراساني، حيث اطل ابو جعفر المنصور من اعلى القصر فشاهد جيش ابي مسلم ، وابو مسلم جالس معه في قصره، فامر الخدم ان يلقوا بالدنانير الذهبية عبر السياج، فكانت الدفعة الاولى من الدنانير والثانية، فانشغل الجند، اما الدفعة الثالثة فقد كانت جثة الخراساني، وهذا ما ارادت اميركا، سرقت وبذرت واعطت مرتبات خيالية للسياسيين،وفتحت المخازن للحواسم، فصار المال سيد الخواتم، وبدأت الهرولة خلفه، من جميع الاجناس ، رجال الدين والمثقفون والجهلة والناس العاديين، وصار المرشح يعطي البطانيات ويعد بالاموال بعد فوزه، اما من يدخل الانتخابات على شاكلة فيدريكو، فنهايته معلومة لدى القاصي والداني، لنحرم والى الابد من صوت حقيقي، ومن مرشح مثالي ربما يعبر بالوطن الى حدود آمنة بلا داعش او القاعدة او المليشيات التي حتى الان نخشى ان نصرح باسم اي منها حرصا منا على حياتنا، لقد ولى زمن المرشح المثالي الى غير رجعة، ونحن الان امام مرشحين قد وعدوا اقاربهم واصدقاءهم بالتعيين والثراء، وهذا اول الغيث، فما بالك في آخره.