بهذا الوصف “المدني” شارك هذا في الانتخابات السابقة. كانت الانتخابات لحظة ولادته سياسيًّا بعد شيء قليل من مظاهرات، ثم كانت مخرجاته البرلمانية شيوعية في الأعم، أو لنقل “شيوعيون تاركون” قرروا الاستقلال لدواعٍ ذاتية، والجذور والفكر شيوعي خالص.
ولقد حصل انفصام مبكرٌ جدًّا، بين الأصلاء في اللفظة “التيار المدني” ومن طرأ عليها بعد حين فأخذها وروَّجها، برسم الاستعداد الكبير لموسم انتخابي مقبل. وبالانتخابات، ثم بمخرجاتها من برلمانيين، يمكن قياس “مصداقية تيار ما”، فعندما يطل تيارٌ برأسه على الانتخابات وينتقل من وصفه تيارًا سياسيًّا، إلى مشارك يريد السلطة، نحكم عليه بمخرجاته، من هم ناخبوه؟
ثم ماذا فعل برلمانيوه،؟وأصوات ناخبيه كانت غريبة عليه!! وتلك مقاعده الثلاثة، فارجع – رعاك الله – لأصواتهم في مفوضية الانتخابات، وانظر مناطق أصواتهم.
كان مُهمًّا أن تعرف أنهم أخذوا “صفرًا كبيرًا” في كل مناطق الجنوب العراقي “لا مقعد مطلقًا” إلا من أصوات عائمة لم تعطيهم مقعدا، وتقريبًا لم تنتخبهم الرصافة ببغداد إلا لَمَما، قلة وحسب، باستثناء الأعظمية وشيء من مدينة الصدر قليل، وجمعت أصواتهم من الكرخ، يرموكها ومنصورها ودورتها، ثم انفصل البرلمانيون الثلاثة عن هذا الاسم تمامًا، وسجلوا أن “التيار المدني” قد فشل،
فشل في أعلى منافسة في البلاد، وهي الانتخابات والبرلمان بوصفهم “التيار المدني” بل وعوقبوا بها وطُردوا، وإلا: من منكم سمع بنائبة اسمها شروق؟
يا لها من مساحة كانت تقال: يوم شغلت شروق بوصفها المدني الصفحات، وسوَّقَ لها منهم كل مسوق، ثم إذا بها “ملحٌ وذاب”! أو من سمع عن “مثال”؟ لم نسمع به لا بوصفه مدنيًّا، بل ولا نائبًا!! وهل قال “فائق” إنه من التيار المدني وعبَّر عن هذا المكنون سياسيًّا، أم صار مستقلًّا وشيخًا في الإعلام يلقي في كل ملعب كرة؟
التيار المدني يبدو أنه لفظة لديها رءوس كثيرة، فلقد عاد وظهر بوصفه “تيار مظاهرات” بلا روح سياسية، وثمة تشتت وحرق مراحل ومنصات منفصلة عن جمهورها، بل وكتَّابها!!
أو بالأحرى، هو تيار بدون رأس، تيار من الأرجل فقط!! يحاول التيار المدني الانفلات هذه المرة من فشل التجربة الانتخابية السابقة، أو ربما يُسوّق على أن شروق ومثال وفائق، ما هم منه ولا هو منهم، مثل تشابه الأسماء لفتاتين من أبوين مختلفين!
تيار المظاهرات الجديد، لم يظهر بغير هذا الوصف تقريبًا، تيار مدني برسم التظاهر في كل حين!! فلم يراعِ حق لفظة المدنية، فلا هو قد بنى مدنية، ولا إعلامًا، ولا طابوقة، ولا قدم نموذجه في حي سكني، ولا زقاق شارع ببغداد، بل حتى في الأفكار، فإنه لم يُشِعْ جانب المدنية في معروضات الكتب بشارع المتنبي، حيث معقله ورواده، فلقد ظلت عناوين الشارع والمعروض لا تكترث بفكرة تيار مدني! بين كتب الإسلامويات، وشيء من التاريخ، وبضعة كتب للمتعة، فقدت متعتها بدخول النت ومواقعه الزرقاء فما عاد من يشتريها.
حتى بمظاهراته، وهي أعلى أوصافه، لم يكن حقيقيًّا!! لأنه ليس وحده، إنه يتعكز ويستند في كل ما ظهر على “التيار الصدري” أو “جماهير غاضبة” لا إلى التيار الأول “الصدري” ولا الثاني “المدني”، إنما المتظاهرون الجدد قتلهم الحرُّ وسلب الوظائف واحتكار الأحزاب للمال.
والتيار الصدري تيار حقيقي، وكأن التيار المدني أصفار سياسية أمامه. لقد دخل المتظاهرون إلى الخضراء وجاسوا خلال البرلمان والأمانة العامة”، وهذا أعلى منتج للتيار المدني منذ ٢٠٠٣. لكنهم دخلوا بالتيار الصدري وانسحبوا بأمر الصدر، قيل لاحقًا إنها لجنة مظاهرات، وما هو بصحيح، وما يخفى ذلك على مراقب حاذق، ولقد أتاح الصدريون مساحة الإعلام للتيار المدني ليعبر عن زاويتهم ومساحتهم، لم تكن هي الواقع.
عندما تأتي الانتخابات، وهي كعكة وأموال وحمايات، سيرى هذا التيار أن حصته ستكون خفيفة، مثل سمين طرأ عليه التخسيس فصار رشيقًا جدًّا، وسيدخل الشيوعيون في لحظة الانتخابات، فهذا أكبر همِّهم: لحظة المنصب والانقضاض عليه! لعلهم سيخطفون التيار مجددًا، ثم يتركهم ثلاثة برلمانيين جدد، لن يقولوا: “نحن تيار مدني” ثم يطردون من ساحة التحرير أو مسرح الرشيد من التيار نفسه.
في المعنى العام، أو في معنى اللفظة ” تيار مدني”، فإنه تيار محبوب، لكنه ليس حقيقيًّا، وليس سياسيًّا، ولا هو حزب منظم، هو إذن “حكاية تقال”، أو روح تعبِّر عن مكنون يتطلع له ملايين الشباب في العراق، لكنه ليس حقيقيًّا، ولن يمثل تغييرًا، ولا حتى هامشًا من تغيير!!
نقلا عن صفحته الشخصية ـ فيس بوك