23 ديسمبر، 2024 5:38 ص

التيار الديمقراطي العراقي وضرورة البحث عن المنطق الفاعل في الانتخابات النيابية ..

التيار الديمقراطي العراقي وضرورة البحث عن المنطق الفاعل في الانتخابات النيابية ..

خلال أكثر من عامين كشفت ملابسات تدخل الكتل النيابية الكبرى في البرلمان العراقي في التركيز على مشروع قانون الانتخابات البرلمانية بالشكل الذي يؤمن لها ارتباطها الصميمي بنظام المحاصصة وفق منظومة انتخابية لا تغيـّر (العقل التشريعي) ولا (العقل التنفيذي) القديمين اللذين اثبتا فشلهما خلال الفترة من عام 2005 حتى اليوم. فقد توالت المحاولات بإبقاء مخاطر المشكل الانتخابي على حالهِ،  من دون تغيير جذري حقيقي.
في نظرة سريعة على رؤى وأفكار وتصورات المشهد المتعلق بالقانون الانتخابي الجديد تؤكد لنا أن  (قوى المحاصصة) قد أصدرت  قانونها الانتخابي المسمى (سانت ليغو المعدل) بتركيبة بنيوية ذات أهداف معروفة التكوين والملامح والأهداف  بعد أن تركت كل خلافاتها المتنوعة، مؤقتاً، وراء ظهرها وبعد أن أكملت (طواف العمرة) حول البيت الأبيض ودهاليز طهران وغيرها من مراكز القوى التي تتحكم في الوضع العراقي.
إن إصدار القانون المشار إليه هو مسعى جديد لخلق نظام محاصصة متراص يستهدف بالدرجة الاساسية الحفاظ على توزيع مواقع القوى والنفوذ أو إعادة اصطفافه، متنكرة بسعيها هذا لأي ثوابت وطنية ولأي مسعى جاد لتفكيك سرطان المحاصصة الذي يدفع العراقيون ضرائبه بالدم المسال في الشوارع والساحات العام . لم يكن غريبا أن يقر مجلس النواب النظام الانتخابي الجديد في الشهور الأخيرة لدورته الخائبة، متناسياً وبدعم دولي وإقليمي مآسي العراقيين ومواصلة إذلالهم ونهب ثرواتهم واستباحة دمهم واعرضهم. ليس من المستغرب أن يقر هذا القانون في وقت ينشغل العراقيون اليوم بأنواع التطبير واللطم  وتشكيل المسيرات المليونية، في وقت كانت تخشى السلطات السابقة في فترات كهذه من اتخاذ أي إجراءات أو قرارات تمس حياة العراقيين بشكل مباشر، لما تشكل تجمعات كهذه، مصدر قلق للسلطات وبيئة خصبة للتحريض ضدها وكسر هيبتها. فيا عجبي لجماهير تنتخي الحسين  أبا الثوار وتستمري إذلالها وسرقة أيامها وأموالها وأحلامها.  
لم يكن هذا السلوك خارج المتوقع في جبهة القوى المتنفذة ولكن ما يثير الحيرة هو موقف ((التيار الديمقراطي)) وقوى (اليسار العراقي). لقد أعلن ((التيار الديمقراطي)) وقبل فترة قصيرة عن مشاركته القادمة في الانتخابات حتى لو لم يقر البرلمان نظام سانت ليغو. بسلوكه المرتبك هذا أوصل برقية للقوى المتنفذة بتنازله طوعا عن الحد الأدنى لضمان انتخابات عادلة ونزيهة تمثل الشارع العراقي. هذا الأمر لم يكن جديدا فمع كل انتخابات يتراجع أو يفشل فيها التيار او قوى اليسار حتى يعلنوا قبل أن يجف حبر  التصديق على نتائج الانتخابات، رغم كل الاتهامات بعدم عدالة ونزاهة الانتخابات ( وهي صادقة في معظمها )، أنهم سيشاركون بالانتخابات القادمة.  عموما أن المتابع للوضع لا يستطيع أن يتغاضى عن بعض الأسئلة، منها:

  *  القانون الجديد  – كما يرى (التيار الديمقراطي) –  سوف يعيد إنتاج نظام المحاصصة ويضمن سيطرة القوى المتنفذة على مجلس النواب والحكومة القادمة، وهو يستهدف إضعاف وإبعاد أي مشاركة حقيقة للقوى الديمقراطية أو القوى المعارضة لنظام المحاصصة وهو معارض للدستور، فلماذا لا يتم نقضه..؟ خاصة أن القوى المتنفذة ضمنت مصالحها باتفاقها على إصدار هذا القانون غير مبالية بآي مصلحة وطنية، بل على العكس اعتبر بعض نواب هذه الكتل أن من ينقض القانون سيضع نفسه ضد العملية السياسية وضد مصالح الشعب العراقي، ولا  نعرف هل ستشمله المادة 4 إرهاب ام لا.. ؟. لا نعرف هل أن (التيار الديمقراطي) سيدافع عن مصالحه ومصالح الناس التي يمثلها أم يبحث أو ينتظر من سيدافع عن حقوقه. رغم كل هذا النقد والإدانة للقانون، إلا أنة يجري في النهاية المشاركة وبلع مرارة الخسارة، فمن يضمن لاحقا أن يكون هذا التيار مركز المعارضة الحقيقة لنظام المحاصصة الفاسد للدفاع عن مصالح الناس. 

 * في ضوء عدم وجود قانون للأحزاب وعدم وجود تعداد سكاني واعتماد البطاقة التموينية وما يثار بعدم دقتها ووجود في حدود المليونين من أسماء  إضافية أو لمتوفين وغيرها ( الحكومة اعترفت رسميا في حدود 800 ألف اسم) وفي ظل تنظيم وقيادة وإدارة مفوضية انتخابات أسست على أساس طائفي ومحاصصة،  وفي ظل رقابة جهاز قضاء اقل ما يقال عنه مشبوه في عدالته وخضوعه للسلطة التنفيذية، وأخيرا صدور قانون انتخابي غير عادل ويتعارض مع الدستور وعدم وجود ضمانات حقيقية لانتخابات نزيهة.
هذه وغيرها من الامورتعيد طرح سؤال طالما طرحته من سنوات عديدة وهو ما هو شروط الحد الأدنى التي يضعها الشيوعيون والآن قوى (التيار الديمقراطي) لاستمرار سياستهم بالصيغة الحالية، خاصة أن نقض القانون الحالي وتأجيل الانتخابات أو إجرائها في وقتها  واعتمادا على ما يطرحه ((التيار الديمقراطي)) لن يغير كثيرا في اللوحة والتشكيلة السياسية القادمة. بمعنى آخر هل (التيار الديمقراطي) ملزم باتفاقات القوى المنفذة التي تضمن أساسا مصالحها؟  
 
* أمام ( صخام الوجه) هذا كما يقال في العراقي جاءتنا كتابات وتصريحات السيد جاسم الحلفي لتؤكد تحويل التحدي إلى واقع وركز فيها على فكرتين:  الاولى ضم القوى المتضررة من القانون للتيار الديمقراطي أو التحالف  معها..! والفكرة الثانية حول تحليل مشاركة وفوز التيار في بعض المحافظات وما يمكن استنتاجه لاحتمال حصول التيار على 3 مقاعد. مع كل احترامي لما يطرحه السيد الحلفي باعتباره قيادي بارز في الحزب الشيوعي العراقي وفي (التيار الديمقراطي)، فلا تعدو هذه الكتابات والتصريحات من وجهة نظري سوى عملية صناعة الوهم وتسويقه. تلك السياسة التي لها جذور في محطات مختلفة من تاريخنا  والتي لم نجنِ منها ومنذ انهيار النظام الساقط 2003 ولحد الآن ما يمكن أن يعتز به ، خاصة في مجال  إصلاح ( العملية السياسية ) من داخلها.
القوى المتضررة من القانون هي ليست قوى عددية كي يجري تجميعها برغبات معينة، وهي قوى وشخصيات واسعة ومتباينة حتى التعارض أحيانا ولها مصالح متباينة من الشخصي إلى السياسي. الذي لم يستطع أن يجمعها خلال القترة السابقة، ربما سيجد صعوبة جادة في تجميعها في الفترة القادمة. لا ننسى تجربة الانتخابات السابقة حين تحرك احد قادة التحالف الوطني وهو شخصية ليبرالية على العديد من القوى لإبعادها عن التحالف مع الشيوعيين، بل من اجل محاصرة الشيوعيين والضغط عليهم للدخول في القوائم الطائفية. بمعنى اخر هناك لاعبين اخرين في التحرك على هذه القوى وبالذات من القوى المتنفذة، ولا ننسى ان  بعض الوجوه المحسوبة على (التيار الديمقراطي) لم تخجل من التواجد في القوائم المتنفذة، تلك الوجوه التي لم يكن لها أي فعالية أو حضور يذكر في الدورة البرلمانية الحالية سوى الامتيازات التي جنتها.

* سبق أن جرى الحديث عن مليون صوت في الانتخابات السابقة ضاعت أو تشتت بسب طبيعة القانون السابق الجائرة، لكن نظرة على انتخابات المحافظات الأخيرة لا تعكس أن (التيار الديمقراطي) صوت له هذا العدد من الناخبين وبعيدا عن التوقف عند أسباب ذلك ، فأن هناك متغيرات عديدة أبرزها خيبة الناس بالكتل المتنفذة  وسياستها ومقاطعتها للانتخابات وعمليات التزوير والتصعيد الطائفي وغيرها من العوامل  التي ستحدد مدى تطابق حصاد الحقل مع حساب البيدر.
المشكلة الأساسية لا تكمن في العدد الذي يستطيع (التيار الديمقراطي) من إيصاله للبرلمان أو حتى عدم إيصاله للبرلمان ، لكن المشكلة تكمن بصياغة سياسية معارضة صادقة ومتحدية لنظام المحاصصة والفساد المرتبط  به تستطيع ان تكسب ثقة العراقي المنكوب، وحتى هذه المقاطعة المتوقعة للانتخابات القادمة والتي ستجري بصياغات لا تختلف عن ما سبقها،  يمكن أن تكون قوى ساندة فيما لو جرى تطويرها واتخاذها قاعدة من اجل إقرار قانون انتخابي عادل وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. لماذا لا يكون (التيار الديمقراطي) على رأس هذه المقاطعة حين لا تكون هناك انتخابات نزيهة وعادلة؟.
يبقى فقط أن نلتفت قليلا حولنا لنرى إلى ماذا قادت سياسة الحزب الشيوعي الكردستاني وما هي النتائج التي وصل إليها ولا أريد أن أقول لنتوقف عند تجربة التغيـير ( كوران) وكيفية تحول قوى فعالة وأساسية  في كردستان العراق  في سنوات معدودة، حتى لا ينشغل البعض بإعداد قوائم التبريرات. المفترض في كل التجارب الانتخابية أن تمر بمرحلتين: مرحة (التحليل) ومرحلة(التفكيك) لتتبعها (مرحلة تركيبية) في خوض أية انتخابات قادمة فلا يمكن لأية قوة سياسية أن تحقق أي فصل من فصول النجاح من دون المرور بهاتين المرحلتين، فهل قام التيار الديمقراطي بمسلك نقدي وتفكيكي لتجاربه الانتخابية السابقة..؟