يتمثل الإسلام اليوم بصورة عامة بأربعة تيارات عقائدية تمثل المحور في توجيه الفرد المسلم وتُعتبر هي الأساس في كيان الأمة الإسلامية, وذلك لان الفرد المسلم اليوم لا يخلو انتمائه الديني من واحداً من هذه التيارات العقائدية التي يتكون منها الإسلام بصورة عامة, كما ان لهذه التيارات والمذاهب القول الفصل في بلورة أفكار وتوجهات الأشخاص المنضوين تحتها ومن خلال تلك التيارات ندرك خطورة البعض منها فيما لو أتيحت لها الفرصة في ان تتولى زمام الأمور في بلد أو راض معينة, لأنها سوف تذيق الآخر الذين يختلف معها في الفكر أو المعتقد أو الدين أنواع الظلم والاضطهاد وتجبره على ارتكاب أصعب الخيارات بحقه.
ولهذه التيارات أفكار وأساس دينية تعتمد عليها نعرضها بصورة مقتضبة:
أولاً: التيار العقادي السني: وهم الذين يعتقدون بان الخلافة بعد النبي هي منصب سياسي وأنها شورى بين المسلمين وان ما جاء عن النبي(ص) بحق علي عليه السلام لا يشير إلى أحقيته بالخلافة وإنما إلى أفضليته في العلم والمعرفة والشجاعة والدين, ويحبون أهل البيت والصحابة جميعاً.
ثانياً: التيار العقائدي الشيعي: وهم الذين يعتبرون الإمامة منصب ديني وسياسي وان تعيينها حكراً على الحق سبحانه وهي مثل النبوة وإنها لعلي (ع) بعد النبي(ص).
ثالثاً: التيار العقائدي ألناصبي (السلفي المنبثق من المذهب السني): وهم الذين يعتبرون إن أهل البيت ومن تابعهم مخالفون للإسلام ومنحرفون عن الجماعة وإنهم انشقوا عن الحق وعن إجماع المسلمين الذي لا يحق لأحد مخالفته والخروج عليه.
رابعاً: التيار العقائدي المغالي(المنبثق من المذهب الشيعي): وهم الذين غالوا في علي وأهل بيته إلى عدة درجات فمنهم من نسب الإلوهية لعلي أو لأحدٍ من أولاده ومنهم من قال بان شؤون الخلق قد أوكلها الله تعالى إلى أهل البيت(ع) فهم بيدهم كل شي بيدهم الممات وبيدهم الرزق على نحو التفويض.
وهذه التيارات المنبثقة من المذاهب السنية أو المذهب الشيعي جاءت نتيجة لبعض من تخلى عن دور العقل في فهم وفهرست الدين واعتمد على النصوص الدينية والمجاميع الحديثية فقط فوقع في هذه المخاطر والمزالق التي ينهى عنها الدين والعقل السليم, ومع ذلك فان الغالبية العظمة في داخل الإسلام هي للتيار السني والتيار الشيعي وأما التيار ألناصبي والتيار المغالي فهم يمثلان التيارات الشاذة والمنحرفة في داخل الإسلام ولا يؤمن بها الكثير من المسلمين.
وما نجده اليوم في البلاد الإسلامية التي تتعايش فيها جميع المذاهب الإسلامية فهو راجع إلى تحكيم دور العقل والتركيز على نقاط الاشتراك والتسامح وقبول الآخر واعتماد المذاهب التي لا تكفر أو تلغي الخصوصية الدينية عن الآخرين والتي تحتويها المذاهب السنوية والمذهب الشيعي وتعمل على إنجاحها.
وأما لو عَمدَ أهل السنةِ إلى العمل بما يتبناه التيار السلفي التكفيري فانه سوف ينتج لهم جواز قتل أتباع المذهب الشيعي وسبي نسائم والاستحواذ على أموالهم وفي المقابل أيضاً لو عمل المذهب الشيعي بما يتبناه التيار المغالي فانه سوف ينتج نفس النتيجة من تكفير أصحاب المذاهب الأخرى وجواز قتلهم وسبيهم واخذ أموالهم, وهذا ما يحصل اليوم في العراق وسوريا, وان سبب تردي الأوضاع الأمنية في هذه البلاد راجع إلى تحكيم تلك التيارات المتطرفة.
وان الواجب علينا هو العمل على نقاط الاشتراط التي تجمع كلمة الأمة على التعايش والعمل المشترك واحترام وجهات النظر وعدم السماح إلى التيارات المتطرفة من السنة والشيعة بان تطفو وتكون هي صاحبة القرار والمبادرة, لأنها لا تملك الأغلبية في داخل الإسلام وليس من حقها ان تكون هي صاحبة القرار في تحديد مصير غالبية المسلمين المسالمين.
فان التيار التكفيري السلفي المنبثق من المدرسة السنية لا يمثل الغالبية ولا يمثل وجهة نظر المذهب السني
كما أن التيار المتطرف والمغالي الشيعي لا يمثل وجهة نظر المذهب الشيعي, وان المذهب الشيعي يحترم وجهات النظر التي يتقوم عليها المذهب السني بصورة عامة كما ان المذهب السني يضمن حق العيش لإتباع المذهب الشيعي.
وان الصراعات السياسية هي التي ولدت تلك التيارات التكفيرية المتطرفة اليوم وهي التي جعلتها تحرك بعض النصوص التي تحتاج إلى تأويل والى ومراجعة وتحقيق في تطبيقها وجعلتها هي الأساس في معرفة الاعتقاد والدين وان من ينكرها أو يجحد بها فهو كافر ومشرك, مما ولدت لهم الشرعية وأعطت لهم الفرصة والذريعة في تكفير أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى ومن لا يتفق معهم.
وان الحل يكمن في سيادة الصوت المعتدل للتيار الإسلامي المتمثل في المذهب السني والمذهب الشيعي وعدم السماح لتلك التيارات المتطرفة من ان تكون هي الناطق الرسمي وهي المدافع عن حق أهل السنة أو مظلومية أهل البيت عليهم السلام.
وان ما أنتجته تلك القنوات المأجورة المتطرفة التي ساهمت مساهمة كبيرة في تشويه سمعة الإسلام والمسلمين من الداخل والخارج وبث روح الكراهية والحقد على الآخرين, وساهمت أيضاً في إنجاح المخطط الأمريكي في تنفيذ مساعيه في الشرق الأوسط الجديد, خير دليل على خطورة وفشل تلك التيارات المتطرفة.
وان الواجب علينا هو إن نعرف ما هي العقائد الواجبة التي يتوجب علينا معرفتها والتي من أمن بها دخل الإسلام وما هي المسائل العقائدية الأخرى والدينية التي لا يضر الجهل بها او عدم الاعتقاد أو الإيمان بها
وهذا الأمر سوف يساعدنا في عملية التقريب بين المذاهب الإسلامية وبين التعايش السلمي فيما بين أبناء الإسلام والدين الواحد.
فإذا فهمنا عقيدتنا بشكل صحيح وما هي النقاط التي تجمعُ وحدة المسلمين فحري بنا أن نعمل على تقريب وجهات النظر وان نؤسس للتعايش السلمي وهذه هي المصالحة الوطنية الحقيقة التي تقوم على نقاط الاشتراك لأن الحل لا يكمن بالسلاح فقط بل نحتاج إلى مصالحة حقيقة وشاملة والى مساهمة دبلوماسية واتفاق سياسي إضافة إلى الحل الأمني والعسكري لان الخراب السياسي هو السبب الرئيسي وراء تمادي وتنامي تلك التيارات المتطرفة.