فكرة جيدة، لكنه يسميها فكرة مجنونة، سمعتها من صديق لي، يدعى حليم كاظم، وهو من المهندسين اللامعين في وزارة النفط.
يقول الدكتور حليم: لقد بات من المؤكد أن دول الخليج بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أغرقت الأسواق بالنفط ليختل بذلك ميزان العرض والطلب، مما أدرى إلى انخفاض أسعار النفط بهذا الشكل المريع.
إذا هذه العملية أشبه بالمؤامرة، أو الحرب التي تستهدف عدة دول، وهي من حيث الأساس روسيا وإيران والعراق وفنزويلا كما شخصها المراقبون.
ويتسائل: ماذا لو توقفت هذه الدول المتضررة معا وفي آن واحد عن بيع النفط لمدة محدودة، حتى لو كانت الفترة معلنة؟
إن معدل إنتاج هذه الدول هو18 مليون برميل يوميا، فلو تم حجبها عن الأسواق لفترة محدودة، سيكون لها أكبر الأثر في السوق، ولوجدنا أن الأسعار سترتفع بقوة في الأسواق العالمية خلال فترة وجيزة، وحال وصولها إلى مستوى معقول، كأن يكون85 دولار للبرميل تعود هذه الدول للإنتاج والبيع بعد إعادة جدولة الشحنات التي تبيعها للزبائن، حتى لو تم ضخ كميات من المخزون الأمريكي للأسواق لتعويض النقص، فإن الأسعار ستبقى ترتفع دون توقف وسيتم تعويض الخسائر بأسرع وقت ممكن، أي بوقت أقل من فترة التوقف، وكلما زادت فترة التوقف، كلما ازدادت الأسعار صعودا أكثر مما يعوض الخسائر بفترة أقصر.
أما لو خفضت هذه الدول من إنتاجها إلى حد النصف دون الإعلان عن حجم التخفيض، فإن الأمر سيكون مسليا، لأن كميات التخفيض من الصعب أيضا تعويضها ولكن سيكون أثرها أيضا سريعا لكون كميات التخفيض غير معلة، لكن الأثر سيكون أقل سرعة مقارنة بالسيناريو السابق، وفي جميع الحالات سنصل إلى نفس النتيجة تقريبا، وهي تعويض النقص، والخروج من هذه الأزمة التي سببها الجنون الخليجي-الأمريكي.
ألا يقولون حدث كل قوم بلغتهم؟ فهذه هي اللغة التي يستطيعون التفاهم بها على ما يبدو، هكذا ينهي الصديق فكرته المجنونة.
لكن هل توجد هناك قوانين دولية تعاقب من يفعل ذلك؟ حسب علمي المتواضع، لا توجد، كل ما في الأمر هو أنهم يتوقعون ردا من نوع آخر يأتي من الغرب الأكثر إمكانيات من دول الخليج بالتأكيد، فقد يكون نوعا من العقوبات التي لا نعرفها، لكن مهما كانت العقوبات سيئة الأثر على هذه الدول، فإنها ليست بهذا السوء جراء تخفيض اسعار النفط لهذا الحد، وربما قبل أن يتخذوا إجرء ضد هذه الدول، سيعود الإنتاج وبيع النفط، كلا أو جزءا، منه للأسواق العالمية مرة أخرى، فما المبرر لفرض عقوبات باتت لا تخيف أحدا.
لم لا تجرب الدول الأكثر تضررا هذه الطريقة للرد على هذه الحرب المعلنة وهم من أكبر المنتجين للنفط في العالم والبادي أظلم؟
لنعود ونذكر بأحداث سبقت تاسيس الأوبك، عندما كانت الشركات العالمية تمتص دماء الشعوب دون أن تكترث للويلات التي كانت تعاني منها هذه الشعوب، مما دفعها في نهاية الأمر من تأسيس منظمة الأوبك، فهذه المنظمة التي استطاعت أن تستعيد بعضا من حقوق الشعوب المنهوبة وتتحكم بالأسعار بما يضمن شراكة حقيقية بين المنتج والمستهلك مناسبة للطرفين، ولطالما صححت الأوبك أسعار النفط من خلال اجتماعاتها الدورية بشكل يرضي الطرفين ودون تهور منها بأي إتجاه كان.
هذه المنظمة باتت اليوم بقيادة بعيدة تمام البعد عن النبل بالتعامل مع الشركاء، وخصوصا الشركاء المنتجين للنفط، فإن هبوط الأسعار بهذه السرعة وبشكل مريع على يدي بعض الشركاء المنضوين في المنظمة، عرض استقرار دول الأوبك والمنتجين الأحرار لأبلغ الأضرار الاقتصادية والاجتماعية ودون سابق إنذار منهم، خصوصا الدول الريعية التي تعتمد على عائدات النفط كالعراق وفنزويلا، أما الآخرون فقد كان الضرر كبيرا أيضا على اقتصادهم وإن كان اقتصادهم متنوعا كروسيا وإيران.
وهنا يتسائل المرء ما الفائدة من الاستمرار بعضوية هذه المنظمة المضرة لأعضائها وليست حافظة لحقوقهم ومصالحهم؟
أو لم لا يتم طرد السعودية ودول الخليج التي تعمل بإمرة السعودية من هذه المنظمة، أو تاسيس منظمة بديلة من الأعضاء الأكثر إتزانا من بين جميع المنتجين؟ فدول الخليج أثبتت أنها غير جديرة بعضوية منظمة كالأوبك، فما بالك بقيادة المنظمة؟