19 ديسمبر، 2024 3:30 ص

التوغل التركي .. مخاوف ومؤشرات

التوغل التركي .. مخاوف ومؤشرات

تمركز القوات التركية في قضاء بعشيقة التابع لمحافظة نينوى لم يعد سرا بعد الآن، عملية التوغل بطبيعة الحال لم تكن في يوم وليلة، الف ومئتا جندي وكتيبة دبابات ليست رقما هينا، اذا يثير انتقالها برا ضجة وقلقا لاي مكان تدخله، فكيف ان كان ذلك في كسر للحدود الدولية ولو احتملنا وصول بعض جحافلها جوا فالتساؤل سيكون اكبر.
توتر مفاجئ في وضع تركيا الداخلي و دخول مدهش في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، بالاضافة الى السماح لطيران التحالف الدولي باستخدام قاعدة انجرليك في عملياته ضد داعش، واسقاط لقاذفة روسية، احداث متسارعة اتخذتها انقرة والمنطقة ترقص على صفيح ساخن، بسبب سيطرة تنظيم داعش على مدن تابعة للعراق وسوريا، وتنافس قوى عظمى على حصد ما يمكنها في مكاسب بات الوقت مناسبا للحصول عليها.
من المعروف ان العراق وتركيا يعيشان ومنذ سنوات اشبه بالحرب الباردة، فالطاولة الدبلوماسية لم تخل من المغازلة والتسهيلات في مجالات منح تأشيرات الدخول، فضلا عن فتح السوق العراقية للشركات التركية لطرح بضاعتها دون قيد او شرط، اما الوجه الثاني فكان ما تعمدت الحكومة العراقية التزام الصمت حياله، من ضمنها ما تنقله بعض التقارير الصحفية عن ضلوع انقرة بتدريب وايواء مقاتلي التنظيمات المسلحة، التي عملت في سوريا ومن ثم العراق، بالاضافة الى مواقف حكومتها الداعمة لبعض الاطراف العراقية دون اخرى، مع تجنيد نفسها لتكون ملاذا لبعض المطلوبين للقضاء العراقي، وما يثير التساؤل اكثر عدم علم الحكومة العراقية بالتحرك التركي نحو الموصل، ولولا الضجة الاعلامية لرجحت الصمت ايضا.
ما يهمنا في هذا الحدث الذي يعد وفقا للاعراف الدبلوماسية احتلالا للارض، بالاخص مع تأكيد الولايات المتحدة الاميركية ان ما فعلته تركيا لا يندرج ضمن نشاطات التحالف الدولي الذي تقوده في العراق وسوريا والذي يتطلب في كل الاحوال تنسيقا عاليا مع بغداد، سيما مع عدم ترحيب رئيس الوزراء حيدر العبادي بأي مبادرة لارسال قوات برية اجنبية الى العراق لانتفاء الحاجة، والذي لم يجد صدى على ما يبدو لدى ” الدولة العثمانية الجديدة”، الامر الذي يجعل سيادة البلاد في مهب الريح ويثير مخاوف العديدين من اندراج هذا التوغل كخطوة اولى لفرض التقسيم كأمر واقع في البلاد، بعد التقدم الذي تحققه القوات الامنية والحشد الشعبي في تحرير المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش في العراق، بالاضافة الى ما اضافته الضربات الروسية في سوريا من قوة بان تأثيرها جليا من خلال اتخاذ داعش لمدينة سرت الليبية عاصمة احتياطية له بدلا من الرقة، مع تهيأتها الاجواء لتعاون واسع بين بغداد ودمشق من اجل منح القوات العراقية والحشد الشعبي صلاحية اتخاذ الاراضي السوري، محورا مهما خلال عمليات تحرير الموصل المرتقبة.
الحكومة العراقية بحسب مراقبين للشأن المحلي لم ولن تجد بدا من استخدام الحل العسكري لاجبار القوات التركية على الانسحاب من الموصل، لان توجيه دعوات الانسحاب من بغداد لن تجدي نفعا في ظل اصرار تركي على لعب دور محوري في العالم اجمع وليس الشرق اوسط وحده، وهذا ما ترجمته سياستها الخارجية خلال الفترة الماضية، ولن يكون اسقاط الطائرة الروسية الحلقة الاخيرة من مسلسل التغول التركي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات