23 ديسمبر، 2024 4:56 م

التوسع مقابل السلام!

التوسع مقابل السلام!

ظلت استراتيجية إيران والأحزاب والميليشيات الشيعية التابعة لها في طول البلاد العربية وعرضها، من حزب الله اللبناني إلى الميليشيات العراقية، وميليشيا أنصارالله الحوثي في اليمن، واحدة موحدة لم تتغير ولم تتبدل تحت أي ظرف من الظروف، وهي تقوم على ركيزتين أساسيتين متناسقتين؛ ركيزة تنطلق منها سياسة «التوسع» و«التمدد» وركيزة تنطلق منها الدعوة إلى إرساء السلام والمصالحة.
ولكن بعد أن تتم عملية التوسع والهيمنة وتحقق أهدافها، وتصبح واقع حال، وقد دأبت إيران وتوابعها على استعمال هذه الاستراتيجية منذ نشوب الثورة السورية في عام 2011 على الأقل، وذلك من أجل الحفاظ على المكتسبات التي حصلت عليها من جانب ومحاولة لامتصاص الغضب الشعبي والدولي من جانب آخر.
ففي الوقت الذي ترسل قواتها وميليشياتها لدعم نظام «بشار الأسد» ومجابهة الثوار نراها ترفع راية السلام والمحبة وتدعوهم إلى الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاهم، تحت إشراف جلاوزة النظام المجرم طبعا ووفق شروطهم، ومارست نفس الاستراتيجية في العراق من خلال الأحزاب الشيعية العراقية الموالية لها، التي كانت تمني العراقيين والشركاء السياسيين بالمستقبل المشرق والحياة الديمقراطية الحقيقية وتطبيق الدستور.
ولكن بعد أن هيمنت على مفاصل الدولة وتوسعت فيها وتفردت بالحكم، راحت تطرح على العراقيين مشاريع وخططا لإقرار السلام الزائف والمبادرات السياسية غير المجدية لتحقيق مصالحة وطنية شاملة!
ولم يشذ اليمن عن هذه القاعدة، فقد سار على نفس الخطة المرسومة، حاله كحال بقية البلدان العربية التي ابتلاها الله بميليشيات عميلة لإيران، ظلت جماعة أنصارالله الحوثي تحارب الدولة اليمنية لسنوات وترفض التفاوض معها والدخول في مصالحة وطنية وترفض أي مبادرة لإحلال السلام والاستقرار في البلاد، وآخر مبادرة رفضها الحوثيون بشدة هي إقامة حكم ذاتي في منطقتهم «صعدة» بحجة أن ذلك يحجمهم ويحد من نفوذهم بحسب رئيس المكتب السياسي لجماعة الحوثي «صالح الهبرة» الذي صرح لإحدى وسائل الإعلام اليمنية أن «قضية صعدة لا تنحصر جغرافيا بمحافظة صعدة، وجماعة أنصارالله لا يقتصر وجودهم على تلك المحافظة، فهم موجودون في أغلب المحافظات، وبالتالي فلا مصلحة لهم في إقامة حكم ذاتي في صعدة، بل إن ذلك قد يؤدي إلى تحجيمهم…»، فهم لا يريدون «صعدة» فقط بل اليمن كله، وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة عندما احتلوا العاصمة «صنعاء» واستولوا على الحكم، ثم بدؤوا ومعهم حلفاؤهم في المنطقة بإطلاق مبادرات سلام ودعوات لليمنيين ودول تحالف عاصفة الحزم إلى الجلوس إلى المفاوضات وحل المشاكل بالطرق السلمية وفق الحالة «الاحتلالية «الجديدة!
وكما رفض الحوثيون القبول بالحكم الذاتي في منطقتهم وأرادوا الكعكة اليمنية كلها عن طريق القوة، كذلك فعل حزب الله اللبناني الذي تجاوزت سلطته حدود منطقته في الجنوب لتشمل لبنان كله، فهو الآمر الناهي الفعلي في البلاد..
وسارت الأحزاب والحركات الشيعية في العراق على نفس النهج التوسعي «الطائفي» العام ورفضت كل المشاريع السياسية التي تدعو إلى إنشاء الأقاليم في البلاد، رغم أن زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وزعيم الائتلاف العراقي الموحد «عبدالعزيز الحكيم» وابنه «عمار الحكيم» تبنيا مشروع إنشاء إقليم جنوب ووسط العراق على غرار إقليم كردستان عام 2006 وفق ما جاء بالدستور العراقي وناشدا «العمل على تشكيل الأقاليم والسير باتجاه النظام الفدرالي بدءا من إقليم جنوب بغداد إلى الأقاليم الأخرى».
ولكن بعد أن خلف «عمار الحكيم» والده في زعامة الحزب، غير اتجاهه 180 درجة وتحول إلى أشد المعارضين لفكرة إنشاء الفدرالية لأنها «تؤدي إلى إضعاف الوطنية وسيادة العراق».. ولم يكن حرص الأحزاب الشيعية على الوطن وسيادته هو الدافع الحقيقي لرفض الفدرالية التي هي حق دستوري ملزم، بل لأنها تعني انسلاخ مناطق واسعة ومحافظات عن دائرة نفوذ الشيعة وحكمهم الطائفي، لهذا السبب رفضوا مشروع «الحكيم» ورفضوا دعوة المعتصمين عام 2013 بإنشاء إقليم خاص بالمناطق السنية، وكذلك وقفوا ضد إقليم كردستان وناصبوه العداء وقطعوا عنه الميزانية ودخلوا معهم في خلافات لا أول لها ولا آخر..