لا زوبعة كبيرة من زيارة نتنياهو الى مسقط ، أمر حسم لرأب صدع تشعر عُمان أن أمر التسليم به اصبح واقعا ، وأن ما تفعله علنا افضل الف مرة من كل زيارات الخفاء والاتصالات الهاتفية وحتى الغرامية.
لهذا لا يهمني من الأمر حين اقرب خاطرتي من مسقط عاصمة الدولة العمانية السلطانية ، ولا اتحدث عن نتنياهو ليس لأن امره لايهمني كوني اعشق محمود درويش وغسان كنفاني وأميل حبيبي وكوفية ابي عمار . فما يهمني في تواريخ مسقط واشواقها هو العالم النرويجي ( ثور هيردال ) الذي اتى الى اهوار العراق من اجل أن يُثبتَ أن المعدان القدماء الذين خالطوا السلالات السومرية وتعايشوا معها دون ان يغادروا قرى الماء فظلوا بسبب هذا في مأمن من أي غزوٍ ولم يتأثروا بغزو العيلامين واحراق أور ، ولم ينهزموا كما اهل بابل امام جيوش الاسكندر المقدوني بالرغم من انه ارسل اليهم اكثر من حملة عسكرية بائت كلها بالفشل .
هيردال تجول بين مدن الاهوار وقراها ثم قرر أن يصنع سفينة من القصب على رؤى قصة الطوفان ورحلة النبي نوح ع ليثبت للعالم ان اؤلئك السومريون الاوائل أن كان المعدان منهم أو هم من المعدان قد ذهبوا بسفتهم بأتجاه المحيط وبحر العرب صوب ساحل عمان والذي كانوا يسمونه ( مَكان ) والى دلمون التي هي مملكة البحرين وربما دفعهم الموج في بعض حظوظ السفر الى بلدان اسكندنافيا ونيوزلندا حيث يعيش بعض المعتقد فيها ان النيوزلنديين لديهم في بقايا اللغة والملامح والقامة والطقوس الدينية الكثير من التراث الحضاري والديني السومري.
اكمل العالم النرويجي بناء سفينة القصب واصطحب معه الكثير من العراقيين الذين ساعدوه في بناء مركبه الضخم ثم ابحر في مياه الخليج العربي ، وربما حين اقترب من شواطئ عمان تذكر أن المكان فيه بعض من اساطير السفر لدى المعدان عندما قرروا ذات طوفان ان يغادروا المكان لأن قراهم لم تعد قادرة على تحمل قوة الماء وجبروته فتحركت من امكنتها وتحولت صرائفهم الى مراكب فكان قرار من كان يؤمن بخليقة السماء ان ينجو حين صعد الى سفينة اوتونوبشتم . والتي يقال انها رست عند جبل ارارات في الاناضول ، فيما اهل مدينة طنجة وعلى لسان نص كتبه الروائي محمد شكري في احدى رسائله ، أن اصل تسمية مدينة طنجة يرتبط تماما برسو السفينة النبوية على سواحل المدينة من خلال قصة ذكرها هو نقلا عن التراث الشفاهي لأهل المدينة .
لاحت من بعيد سواحل السلطنة ( عُمان ) واخبروا طاقم سفينة القصب أن السفينة لن تحصل على إذن الرسو لان السلطان الجديد قابوس بن سعيد والذي ازاح السلطان القديم مشغول بأخماد حركة ثورية يسارية بظفار قي منطقة ظفار ، وان شعورا لدى السلطنة ان اليسار العراقي يؤيدها وكذلك الدولة العراقية .
أخبر هيردال السلطات بطبيعة مهمته وذَكرهم أن اصحاب سفينة القصب ربما استقر كثير منهم ارض عمان نتاج التبادل التجاري بين مدن الاهوار وعمان وذكرهم أن بسبب التبادل التجاري فأن نصف اهل زنجبار ومدغشقر من أهل عمان واليمن .لكنه لم يجد اذانا صافية وعاد الى عرض البحر ، ليزاحم عن قصد من قبل قطع بحرية كثيرة لأساطيل الغرب والمنطقة فيقرر احراقها دون ان يكمل رحلته.
قد لا يصدق اي عماني افكار رجل أنثروبولوجي من بلاد النرويج ، ولكنهم عندما يعلمون ان النرويج كانت محطة لرحالة عربي اسمه بن فضلان كسب مودة اهل النرويج وملكهم وليتعلقوا بالعلم العربي وحضارته لقالوا اننا لا نخجل ليكون من بعض طيف السكاني من الاصول والاقوام التي سكنت وادي الرافدين.
صورة مسقط في سحنتها السمراء وكشرة الوجوه والمهن الممارسة واهمها صيد الاسماك والخط البحري المفتوح بين بحر العرب وشط العرب يرينا الجذور الجغرافية الموحدة للمكان ، لكن الفرق بين اهل مسقط واهل الجبايش يكمن في الصورة الحضارية الآنية للمكانين .
وبعيدا عن كل شيء ، فأن للتأريخ السومري اشرعة هناك ، وربما التوراتيون يريدون ان يصبحوا مثلهم فأرسلوا نتنياهو
أن العمانيون استغلوا الجغرافية ليكونوا لهم خارطة بحرية ذهبت بهم الى افريقيا وجهات اخرى فيما بسبب غابات القصب وخصوصية المكان المغلق لبيئة تخشى من القهر والولاة انكفأ مجتمع اهل الاهوار الى باطن المكان واكتفى بموجوداته البسيطة ليعيش دون ان تقترب منه سفن القراصنة البرتغاليين والهولنديين والمغول ومن ثم الانكليز .
لا أحد يريد أن يفتي بصلة مكان بمكان . وربما تراكمات البنية الاجتماعية ومتغيراتها والسياسات السلطانية تمنع ذلك .
لهذا فأن الافتاء بمثل هذا يعني شيئا من الهذيان والخرف .
ولو كان العالم النرويجي هايردال حيا : ربما افتى بإعطائي شيئا من مصداقية تصوراتي.