عندما سقط النظام الظالم في بغداد كانت المرجعية هي الجهة الاولى التي استفادت من هذا الانهيار المدوي ؛لان الجهة الوحيدة التي كانت تؤرق نظام البعث الصدامي هي المرجعية في النجف الاشرف ولا ننسى كيف ان وفدا من الحكومة جاء معترضا على اغلاق المرجع الاعلى بابه بعد حادثة استشهاد الشيخ الغروي وقبله الشيخ البروجردي وكيف ان بعض الطلبة لما سالوا قوات الامن عن سبب انزعاجها من اغلاق المرجع الباب امام الضيوف قالوا ان هذا الاغلاق هو اتهام صريح لنا بالمسؤولية المباشرة عن موت الشيخ الغروي اما بالتقصير واما بشيء اخر ولما حاولوا اللقاء بالمرجع الاعلى جاء الجواب واضحا ان المرجع قد اعلن حالة الحداد وهو لا يستقبل احدا خلال هذه الفترة وخوفا من تازيم الامور رجعوا متذمرين لا يعرفون السبيل الى اعادة فتح الباب من جديد.
ولم يكن في ذلك شيء اشد على المرجعية من ان تحصل الدولة على موقف مؤيد لها في مغامراتها المتكررة وفي كل الاتجاهات , ولما وصلت القوات الامريكية على مشارف حدود العراق حاولت الدولة ان تلعب دور المزور للمواقف بعد ان عجزت عن كسب المواقف فزورت عددا من الفتاوى باسم عدد من المراجع منهم المرجع الاعلى ومنهم الشيخ الفياض ونصت الافتاءات المزورة على ضرورة التصدي للقوات الغازية وان التصدي لها واجب شرعي وجهاد في سبيل الله …
ولم يكن اي اثر لمثل هذه الاوراق الصفراء وعادت الجهة نفسها مرة اخرى لتزور من جديد ورقة استفتاء تنص على ضرورة التعاون مع قوات الاحتلال وما شابه ذلك بعد ان عجزوا عن اقناع الناس بالفتوى السابقة وبقي هذا المسلسل من التزوير مستمرا الى هذه اللحظة ففي كل يوم يخرج علينا بعض النصوص المنسوبة الى المرجعية زورا وبهتانا .
وكان الامر الملفت للنظر في موقف المرجعية انها ظهرت وكانها شخص واحد اذا تكلم لم يكن للبقية حديث اخر وكانه الاخ الاكبر في حضرة اخوته الصغار,وهذا ما اقلق جميع المراقبين الغربيين للشان العراقي لانهم وجدوا ان ضالتهم ليست موجودة في تعدد افراد المرجعية لان هذا التعدد صوري وليس حقيقيا.
ولكن الواقع ان التعدد حقيقي وواضح جدا ولا احد يشك في ذلك ابدا , وهذا ما افرح الكثيرون من المؤمنين خصوصا وهم يسمعون مرجعا من الامراجع الاربعة وهو ينادي بالدفاع عن المرجع الاعلى ويلقبه بذلك متناسيا كل خصوصيات كونه مرجعا هو الاخر .
ومنذ ان دخلت المرجعية ميدان المطالبات الشعبية بل ومنذ ان شعرت بضرورة العمل على ذلك كان موقفها موحدا مع ان المتوقع ان تنفرط هذه الوحدة مع تغير المواضيع والمطالبات !!!
وشعر الجميع في هذا البلد ان هناك مرجعية واحدة وليست مراجع متعددين لان المرجع الاعلى عندما يصدر امرا او يطالب بحقوق وما شاكل تجد ان البقية ان لم يسرعوا الى تاييده فهم يقفون بصمت امام تلك المطالبات وكانه الممثل لهم في الميدان .
وقد لمسنا هذا في اكثر المواقف خطورة وهي مواقف تقرير المصير في الانتخابات وفي وضع الدستور وفي المشاركة في الانتخابات وفي مواجهة الاخطار الكبيرة التي تعرض لها الشعب العراقي ومقدساته .
وعندما نسال الاشخاص العاديون عن الموقف الصحيح في مثل هذه الاوضاع فانه سيقول ان التوحد هي السبيل للحفاظ على ابناء هذا الشعب ن الانزلاق في اتون الاعمال غير المشروعة بحجة المظلومية التي يدعيها كل الاطراف ؛وهذا ما شخصته المرجعية بالضبط فان المراجع ليسوا مقلدين بالضرورة الا انهم يرون ان التوحد في وقف المرجعية هو امر لا يمكن التخلي عنه لانه السلاح الناجح في مثل هذه المعارك خصوصا وان الاعلام جزء اساسي من هذه الاوضاع التي يعيشها الشعب العراقي .
ومن خلال الفتوى التي اصدرها المرجع الاعلى نجد ان الافتاء كان في وقته وزمانه مع ان بقية المراجع لم يكن لهم موقف مكتوب في هذا الصدد الا ان وضوح الرؤية بالنسبة لبقية مراجع الشيعة افرزت توافقا واضحا حول هذه القضية ترجمت على شكل تاييد واضح لتوجهات المرجعية العليا وان كانت الفتوى صدرت من السيد السيستاني اولا دون بقية المراجع وهكذا كان موقف بقية المراجع خارج العراق فان الحكمة التي امتاز بها المرجع الاعلى جعلت الفتوى وغيرها من الامور التي تصدر من خلال خطب الجمعة تحصل على هذا التاييد الكبير من قبل جميع العلماء الذين يدان لهم بالعلم في العالم الاسلامي عامة والشيعي خاصة .
فاذا عرفنا ان هذا التوحد هو تشخيص لموقف المراجع في مثل هذه الظروف سنعلم كيف ان هذا الموقف بقي مستمرا الى هذه اللحظة لم يطرا عليه جديد خصوصا ونحن نرى كيف ان المراجع يختلفون في كثير من الامور الفقهية المرتبطة بالمواضيع الخارجية من قبيل مسالة الهلال وغيرها الا ان الموقف العام من الشان الاسلامي الحقوقي وغيره يختلف عن مسالة الهلال اختلافا جذريا ولهذا ليس متوقعا ان نتوحد في هذه المسالة المهمة كما ليس من المتوقع ان نختلف في تلك المسالة الخطيرة .