10 أبريل، 2024 7:55 ص
Search
Close this search box.

التوافق المهني

Facebook
Twitter
LinkedIn

من القضايا الحيوية الهامة هي النظر إلى الإنسان في موقع عمله باعتبار أن العمل يهدف إلى تحقيق أهداف الفرد والجماعة وما يرتبط به من مدى شعور الفرد بالتوافق المهني well occupational adjustment ، وتأثير ذلك على صحته النفسية و على إنتاجيته ومستوى ما يقدمه من واجبات عمله .
فالمعروف أن العمل هو الذي يحدد بدوره شكل الأسرة ، وميزانيتها، ووظائفها المختلفة، مثل تنشئة أفراد الأسرة وتشكيل سلوكياتهم ، وتأثير ذلك على البناء الاجتماعي ، فلا تقف أهمية العمل عند تأمين حاجات الإنسان الفسيولوجية مثل الحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس والهواء ودرجات الحرارة المناسبة ..الخ ، بل تمتد إلى حاجات اجتماعية ونفسية عديدة كالحاجة إلى الحب والمحبة والحاجة إلى التقدير الاجتماعي والحاجة إلى شعور الفرد بالتقبل الاجتماعي social acceptance والحاجة إلى تأكيد واحترام الذات والحاجة إلى الأمن وبالتالي فانه يؤدي إلى إشباع حاجة الفرد إلى الأمن النفسي psychological security والتوافق المهني يعني حصول الشخص على عمل يناسب قدراته وإمكاناته ويرضي ميوله وطموحاته ويشعره بالنجاح والتفوق ويدرك فيه رضا رؤسائه وزملائه عنه ، وإذا فقد الشخص مشاعر الرضا والإرضاء في العمل ساء توافقه في عمله ، ومع نفسه ، ومع الناس وبالتالي سينعكس ذلك سلبيا على بيئة العمل .
لذلك فإننا نلاحظ أن على المستوى العام وفي أغلب دوائرنا ومؤسسات الدولة هناك سوء توافق مهني Mal occupational adjustment يتمثل في ظهور اتجاهات نحو عدم احترام العمل ، و ضعف في تقدير المسئولية وأداء الواجب ، وانتفاء الولاء للعمل ، والمطالبة بالحقوق مع الإهمال في تأدية الواجبات ، وعدم الالتزام في الدوام الرسمي ، والغيابات المتكررة ، وعدم انسجام الزملاء مع بعضهم البعض ، وكثرة التبرم والشكاوي ، وعدم تقبل الواقع المعاشي رغم تحسنه بالفترة الأخيرة ، وكثرة التنقلات ، وعدم معرفة الموظف لمتطلبات وظيفته ، والإهمال المتعمد والهدر في المال العام وأن تفاوتت درجته من موظف لآخر ، وإشغال الوظائف بأشخاص لا تتناسب مع تخصصاتهم وميولهم واهتماماتهم ، وافتقاد القيم الإنسانية بالتعامل مع المراجعين وعدم اتخاذها بنظر الاعتبار في التعامل اليومي بين موظفي الدائرة الواحدة مثل عدم احترام الموظفين كبار السن أيا كان موقعهم الوظيفي ، والنفاق الاجتماعي والانتهازية والوصولية ، وعدم انصياع الموظفين الجدد لأوامر مرؤوسيهم …الخ .
وهذه جميعها تشكل سلوكيات مضطربة بحاجة إلى الوقوف عندها كونها لا تتناسب والمرحلة الحالية التي يمر بها المجتمع إذا أردنا إعادة بناء للشخصية الإنسانية والحضارية التي تواكب العصر ، وضرورة تعديل هذه العادات التي هي في غالبيتها مكتسبة وتجعل من بيئة العمل بيئة عصابية مشحونة بالتوتر وتولد قلقا عند العاملين الآخرين في مجال العمل .
وهذا ما أشارت إليه دراسات عديدة من ارتباط سوء التوافق المهني بعصاب العمل occupational neurosis فالتأثير متبادل بين الصحة النفسية والتوافق المهني فكلما زاد توافق الموظف في عمله نمت صحته النفسية وكلما نمت صحته النفسية زاد توافقه المهني لأن الشخص المتمتع بالصحة النفسية حسن الخلق ، لديه دافعية إلى الإنجازn.achievement التي تدفعه إلى النشاط والاجتهاد والمثابرة وتحقيق النجاح والتفوق ، حريص على إتقان عمله فالله يحب اليد التي تعمل وتتقن عملها وتخلص فيه فقد قال ( عليه وعلى آله الصلاة و السلام ) :- ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ” .
لذلك وجب الاهتمام بدراسة هذه السلوكيات المؤثرة في بيئة العمل وضرورة دراسة ووضع برامج وآليات مناسبة لإكساب الموظف المهارات والخبرات اللازمة ، وتوفير التدريب الجيد وطرق التعامل الإنساني التي تساعده على تحسين آدائه ورفع كفاءته ، مع ضرورة الاهتمام بعمليات التوجيه والاختيار المهني والانتقاء لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب .
وهذا يجرنا إلى وجوب التطرق إلى ضرورة إعادة هيكلية الدوائر والمؤسسات الحكومية بما يتناسب والتطورات الحاصلة من اتساع في الوحدات الإدارية ودخول تخصصات جديدة وأخرى دقيقة وتزايد في أعداد الموظفين حيث يركم بعضهم بعضا في العديد من الدوائر والمؤسسات دونما حاجة لذلك أو تحقيق مخرجات أو انتاجات تذكر واستيلاء العناصر الغير كفوءة على مسئولية الوحدات الإدارية بالرغم من ضعف قدراتهم وقصورهم الواضح في أداء مهامهم ، مما يتطلب إعادة تقييم لأداء الإدارات والأخذ بنظر الاعتبار التقييم الدوري وتبادل المسئوليات وفق سقف زمني محدد .
كما تشير الدراسات النفسية والبحوث إلى أهمية تنمية العلاقات الإنسانية بين الموظفين والمشرفين عليهم ووضع البرامج النفسية والاجتماعية للعاملين في المؤسسات الحكومية لرسم سياسة لخلق الميل إلى التوحد مع الجماعة في العمل وفي المجتمع ككل ، أي تمثل وتبني أهداف الجماعة واتجاهاتها ومعاييرها فلا بد أن يرى الفرد الجماعة وكأنها امتداد لنفسه يسعى من أجل مصلحتها ويبذل كل جهده من أجل إعلاء مكانتها ويشعر بالفوز إن فازت وبالأمن كلما أصبحت آمنة والوطنية هي أوضح نماذج التوحد مع الجماعة .
فالعمل من تكاليف الحياة وهو نعمة يجب أن تصان الهدف منها كسب الرزق وتنمية الحياة وتطويرها وحماية الناس من فساد البطالة وملل الفراغ فلو رزق الله الناس بدون عمل لفسدت حياتهم ولكن شغلهم بالبحث عن أرزاقهم في هذه الدنيا حتى تستقيم حياتهم قال تعالى وهو أعلم بنفس عباده : ” ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ” . وقال لقمان الحكيم لابنه يا بني :” استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال :” رقة في دينه ووهن في نفسه وذهاب في مروءته وأعظم هذه الخصال استخفاف الناس به “.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب