19 ديسمبر، 2024 1:03 ص

التوافقات السياسية … حصانة السياسي الفاسد ؟!! 

التوافقات السياسية … حصانة السياسي الفاسد ؟!! 

منذ سقوط النظام ، ومجيء نخبة سياسية لقيادة البلاد ، نجد ان الوضع لم يتغير ، وان ما تغير فعلاً هو شخص الحاكم ، دون تغيير في عقلية الحكم ، تلك العقلية التي ترى خيرات البلاد ومواردها كنز كبير ، وان من يفوز بهذا الخيرات هو من يضع يده عليها ، كما ان هذه العقلية امست المهيمنة على تفكير وتحريك الوضع السياسي والنخبة ، والمسيطرة علو تفكيرهم ، فمنذ ثلاثة عشر عاما وهذه النخب تتفنن في خلق المشاكل ، واثارة الأزمات ، لمنع تشريع اي قانون فيه خدمة للمجتمع ، وتدور في دائرة مغلقة لانهاية لها ، فالناظر والمتابع يجد ان البلاد تجلس على بحر من الثروات ، ومن ينظر الى البعاد يرى شعباً فقيراً ، نسبة الفقر فيه تصاعدية ، وعلى الرغم من نشر العديد من لتقارير ، والتي تؤكد ان العراق يعد من الدول الفاسدة اداريا وماليات ، الا ان عجلة الفساد ما زالت تسير بسرعة وملفتة ، وان البوصلة تشير بوضوح الى حجم الثروات الفاحشة للنخب السياسية المهيمنة على الساحة السياسية ، وفي مقابل ذلك لم يتغير واقع المعيشة للمواطن العراقي ، وما زال الفقر في تزايد ، فضلاً عن الاستئثار بالسلطة ، وان اي فشل لهذه النخبة تبدأ عملية الصراع والتسقيط بين الكتل السياسية نفسها . 
هذه النخبة جاءت بالتوافق ، والمحاصصة ، وكانت المعرقلة لقيام اي موسسات تسود فيها لغة القانون ، ويعلو على الحزبية والفئوية ، فمنذ مجلس الحكم ، وحكاية التوافقات بدات تكتب احرف وصفحات التراجع السياسي ، وعكس الجهل والتخلف الذي اصاب هذه النخب ، اذ خارطة التوافقات أخذت ترسم طريقها في العراق الجديد ، وبدات ترسم لها طريق موازياً مع طريق الديمقراطية المكذوبة ، والتي كلمة في دستور العراق الجديد ، ظاهرها جميل ، وحقيقتها انها أصبحت “گفر” للمشهد السياسي ، وحقيقته هو السيطرة على اركان الدولة ، والاستثئار بحلقات المشهد السياسي عموماً ، ومسك اركان البلاد “الدولة العميقة ” ، وفعلا استطاع الحزب الحاكم ، من التمكن من جميع مرافق الدولة ومؤسساتها ، والوصول الى اصغر منصب في الدولة الحديثة ، وبناء شبكة عنكبوتية قوية ، لم تتاثر بخروج المالكي من السلطة ، بل على العكس اكمل العبادي مشوار زميله ، وأخذ بنفس ثقافة الاستئثار ، والحكم بالوكالة ، وبهذا يكون قد اكمل مشاهد السلطة في البلاد . 
التوافقات السياسية مكنّت الفاسد ، وحصّنت الارهابي ، ودافعت عن المجرم ، وجعلت الدولة تتراهل ، اذ بدا سياسيوا الحكم ، بخلق مناصب للأشخاص ، وليس العكس ، فإزدادت الدوائر ، وتوسعت المؤسسات ، وبالتالي ازداد الفساد وكثر المفسدين ، بل اضحى القضاء يقف عاجزاً امام قوة وحصانة السياسي الفاسد ، والسارق لاموال الشعب ، والذي يتحمل مسؤولية كبيرة في تصدي هذه النخبة لإدارة الدولة . 
إن بقاء واستمرار هذه العقلية كمنهج فكر وسلوك للقادة العراقيين لن ينهي الديمقراطية التوافقية ويحرفها عن مسارها فحسب ، بل سيحرف كل فكرة ومبدأ، مهما كانت مثالية ، وان طرح اي مبادرة او نصيحة ، ستضرب بالحائط لتعود من جديد لصاحبها ، لأنها ستجد ساسة غير قادرين على العمل الديمقراطي من جانب ، وبارعين في تشويهها وتحويلها إلى شعار تعبوي مضلل للشعب من جانب آخر. ويبقى تساولنا مفتوحاً ، هل ستتمكن النخب السياسية الجديدة ، من الوقوف بوجه هذا المفهوم الكارثي في التعامل مع قضية الحكم في العراق ؟