كل ابن انثى خطاء، وخير الخطائين التوابون، والتراجع عن الظلم فضيلة، وانصاف الآخرين من الذات، تسامٍ؛ لذا عُد المعترفون بالغلط، عظماء يتحلون بشجاعة العلماء.
لا اسقط موقفي الشخصي، من نظام صدام حسين، الذي عارضته، في اوج جبروت طغيانه، وتحملت السجن والهرب الى المنافي، تاركا اخوين شهيدين تلقفهما السمك من ثرامات الشعبة الخامسة.
موقفي تحملت تبعاته، ابان حكم الطاغية المقبور صدام حسين، الذي لم اعدمه ارضاءً لغيظي الشخصي، انما وفق ما نصت عليه قوانين الدستور؛ لذا فانني ابرأ الى الله من اشفاء غيظ ولو بقاتل شقيقيّ الاثنين وثالثهما والدي الذي شل لسماع خبريهما، ثم مات كمدا، وانا افوض امره لله في ان يحشره مع الشهداء.
لذا لم اسقط موقفا شخصيا، تحملته لقناعة بمعارضة الطاغية، نظير من هادنوه، على الباطل لقناعتهم بالباطل منهجا، وهذا شأنهم امام الله وضميرهم والناس، وربما لضعفهم وتهافت استعداداتهم النفسية؛ باعتبار الخوف حق انساني مشروع، بل هو إنموذج أمثل للسلام، وقد دعى الرسول (ص) الى التسامح من خلال الحديث النبوي الشريف: “جد لأخيك سبعين عذرا”.
ثمة من غلبه ضعف الحال، او اشتط في انتهاج السبيل الموصل للجاه والغنى، او خاف بطش ازلام النظام او… فعمل معه ولا سبيل سوى العمل في دولة جيرها صدام ملكا صرفا له.
الا ان الحيف حيفان في تلك المصيبة، اولهما اولئك (التلوثت) ايديهم بدم الشعب العراقي؛ فلا تسامح بالدم، والله يغفر ما دون ذلك، والثاني هو الذين تنكروا لتاريخ من الولاء لحكم الطاغية، ودعم سلطته، تحت اي من الاعذار التي التمسناها لهم في الفقرة اعلاه، يفترون لانفسهم تاريخا لا وجود له، بل يناقضون حقيقة تورطهم بمعاونة الظالم.
اعترض على كل من غنى للطاغية المقبور صدام حسين، الا ان اقرار الفنان كاظم الساهر، بانه لم يجبر على الغناء له، انما غنى مختارا وليس مكرها، جعلني احترمه محتفظا بحقي في الاختلاف معه، والتصريح بان ما اقدم عليه باطل، ما كان يليق به ان يفعله، خاصة وان الساهر لديه متسع من الفرص لم يتوفر لسواه.
الادهى هم اولئك الذين ادعوا بطولة المعارضة، فهم اشد على المرحلة الراهنة، بل لا يقلون تأثيرا عن الارهاب الذي اعاق حياتنا.
احيي صراحة الساهر، متحفظا على الولاء للطاغية واستنكر الادعياء، فالاقرار بالحقيقة؛ رغم مرارتها، خير وابقى واكثر توقيرا، من التزييف برغم حلاوته التي ان انطلت على بعض الناس بعض الوقت، لن تنطلي عليهم كلهم الوقتَ كله؛ فحبل الكذب قصير، وهو اوهى من بيت العنكبوت، وان ضمن مغانم وقتية، لكنها الى زوال؛ فالواقع يبشر القاتل بالقتل، ولو الى حين.
ثمة من لا يكتفي بمداراة تاريخ اسود، انما يمتلك الوقاحة الكافية، للادعاء بنقيضه، مفتعلا الحجج والقرائن الداعمة، احيانا بايقاع اللفظ.
كمثل الذي ادعى ان حكومة صدام سلطت احدى الدوائر لمحاربته، باعتباره مناضلا، في حين الدائرة حاربته فعلا، لانه اراد الحصول على براءة، نظير ما يظنه اختراعا، اطلق عليه اسم (صدام) ومن باب الاختصاص احال الجهاز المركزي للقياس والسيطرة النوعية (الاختراع!) الى تلك الدائرة فاعطت رأيها بانه كلام فارغ لا علمية فيه، واشتكاهم الى عبد حمود.. سكرتير الطاغية، على انهم لم يحترموا اسم (صدام) الذي يحمله (الاختراع المزعوم).
هذا الرجل حصل الان على مكاسب ومميزات، بكون تلك الدائرة حاربته، الا انه لا يقول كيف ولماذا حاربته، بعد ان حاول لوي ذراعها باسم صدام؛ وهنا تكون الدائرة هي البطلة المتحدية وليس المخترع الدعي.
وهو في تلك الحال مدع مركب، اولا ابان النظام، حاول ان يركب اسم الطاغية مطية في تحقيق اسم تاريخي بحصوله على براءة اختراع من لاشيء، ثانيا عندما لوى ذراع الدائرة باسم صدام، وثالثا حين حول ركوبه موجة الباطل على انها حق، ونال عنه مكافأة حاله حال ضحايا النظام السابق الحقيقيين.
ومن هالمال حمل جمال؛ تجعلني اثني على صراحة الساهر مستنكرا المخترع وامثاله، ليس تواطئا مع من انشد للطاغية، مكثرا السواد امام عيني ابي عبد الله، وان لم يشارك بالقتال الفعلي خلال واقعة الطف، لكنني اجده ارحم بالمرحلة من افتعال تاريخ يناقض الحقيقة التي وقعت في اوانها، ويحرف في مجريات الحدث، منعطفا بالحق الى سبيل الباطل، والعكس صحيح، من خلال فذلكة لغوية واخفاء جزء واظهار جزء، بما يخلق سيرة نضالية لشخصية متخاذلة.
استنكر موالاة الطاغية لكن لا اطالب من شاء الحياد، بموقف معارض.