الخلاصة
1. أعتمد المؤرخون على الروايات السابقة دون الرجوع الى بقية المصادر التأريخية التي تعتبر أقدم وأهم من الكتب التي اعتمدوا عليها وذلك لغاية في قلب يعقوب! فهم لم يشيروا مطلقا بأن هذه الرواية تفرد بها هؤلاء دون بقية الرواة، وان الرواة جميعا من المتأخرين عن الحادثة، ولا يوجد سند لرواياتهم. ويلاحظ أنه حتى الكتب الشعوبية التي تحدثت عن مثالب العرب والمسلمين لم تشر الى رواية حرق مكتبة الإسكندرية من قبل العمرين. لم ترد رواية حرق مكتبة الإسكندرية عند الرواة القدماء ومنهم المؤرخ الشيعي المسعودي (393هـ ـ346 هـ) صاحب كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر)، وكان أقرب عهدا بالدولة الإسلامية من الرواة السابقين. ولا عند الطبري(839هــ 923) الذي سبقهم بقرون ويعتبر المؤسس الحقيقي لعلم التأريخ. ولم يروِ الرواية ابن كثير (701هـ ـ 774) في كتابه الموسوعي (البداية والنهاية) الذي أرخ فيه منذ بدأ الخليقة الى القرن الثامن الهجري. كذلك بالنسبة للمؤرخ أحمد اليعقوبي (توفي 248 هـ) وهو صاحب كتاب (تأريخ اليعقوبي) وكتاب (البلدان). ولا عند البلاذري صاحب كتاب (الأنساب)، كذلك لم يروِ الرواية كبار المؤرخين مثل أبن الأثير في كتابه (الكامل في التأريخ)، والإمام الذهبي في كتابه (تأريخ الإسلام) وطبقات أبن سعد وتأريخ دمشق لإبن عساكر، والمنتظم لأبن الجوزي، والعواصم من القواصم لأبن العربي، وسير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، وهذه هي أمهات كتب التأريخ المعتمدة في الوقت الحاضر.
لا يمكن اختزال التأريخ العربي والإسلامي بأربعة رواة وترك البقية. رواة حادثة حرق المكتبة لا ترتقي قيمتهم في السرد التاريخي ودقته إلى مستوى كبار الرواة والمتفق على أهميتهم عند العلماء والأكاديميين والباحثين. بمعنى أنه لا يمكن أن نجعل من رحالة ولاهوتي ومصنف كتب روادا في علم التأريخ ونرجحهم على كبار المؤرخين. أو أن ننزل الرحالة البغدادي وابن العبري والقفطي والمفهرسين إبن النديم وحاجي خليفة بمنزلة الطبري وابن الأثير، والبلاذري والذهبي والمسعودي. كما لا يمكن في الوقت نفسه أن ننزل الطبري والبلاذري والمسعودي والذهبي بمنزلة إبن النديم وحاجي خليفة في تصنيف وفهرسة الكتب. ولا أن ننزل هؤلاء الأخيرين بمنزلة إبن العبري في علوم اللاهوت والسريانية، لكل منهم اختصاص في مجال عمله ونشاطه الفكري.
2. لو كانت حادثة الحرق قد تمت فعلا بأمر من عمر الفاروق ونفذها عمر بن العاص لكان الرواة الشيعة الأقدمون وجدوها فرصة ثمينة للطعن في العمرين كالمسعودي واليعقوبي والكليني والأصفهاني والمجلسي، سيما إن بعضهم نسبوا للفاروق الكثير من القصص الكاذبة مثل كسر عظم الزهراء وإجهاضها وغيرها من الخرافات والأكاذيب. بلا شك إن تحميل الفاروق مسؤولية حريق الإسكندرية يمثل طُعما ثمينا للصائدين في المياه العكرة. وما كانوا تركوها تمر هكذا بسلام. وهذا ما يؤكد بأن حادثة الحرق المفبركة لم يكن لها ذكر في عصرهم.
3. لا يجهل أحد حب العرب للعلوم والمعارف قبل الإسلام وبعده، يذكرا للعلامة محمود شكري الألوسي من علوم العرب عِلم الطب، وكانوا ما يعلمونه منه مبنياً في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص ، متوارثاً عن مشايخ الحي وعجائزه. وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي، وكان لهم علم تام في معالجة الدواب، ومِن مشاهير أطباء العرب : الحارث بن كلدة ، وابن حذيم . ومِن علومهم: عِلم الريافة، وهو: معرفة استنباط الماء مِن الأرض بواسطة بعض الأَمارات الدالة على وجوده، فيُعرَف بُعده وقُربه بِشَم التراب، أو برائحة بعض النباتات فيه، أو بحركة حيوان مخصوص. ومِن علومهم: عِلم الاهتداء في البراري وهو: علم يُتعرف به أحوال الأمكنة مِن غير دلالة عليه بالأمارات المحسوسة دلالة ظاهرة أو خفية بقوة الشامة فقط لا يعرفها إلا مَن تدرب فيها كالاستدلال برائحة التراب، ومسامة الكواكب الثابتة، ومنازل القمر. ومِن علومهم: العِلم بخَلق الإنسان، فمَن نظر في كتب العرب أدرك عظيم إلمامهم ومعرفتهم بكيفية تركيب أجزاء البدن وترتيبها، ومِن علومهم: عِلم الملاحة، وأهل المعرفة به مِن العرب مَن سكن سواحل بحر القلزم وبحر الهند وبحر فارس. وكانت للعرب علوم باطلة كعلم العرافة، والكهانة، والعيافة، والزجر، والطرق بالحصى وغيرها”. (راجع كتاب بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب).
بعد الفتح الإسلامي تطورت العلوم والمعارف وتوسعت لتشمل آفاقا جديد من خلال الترجمة عن الإغريقية والفارسية، والهندية، والسريانية، وغيرها. إن الأمة التي تمجد العلوم والمعارف وتحترم من يعمل بها بهذا الشكل الرائع لا يعقل أن تحرقها. ولو زعم الشعوبيون بأن العمرين أحرقا كتب الهرطقة والإلحاد فقط! لكانت حجتهم أقوى وربما يتذرع بها البعض ويقبلها، ولكن الله تعالى اراد أن يفضح مآرب الشعوبيين الدنيئة وأكاذيبهم الرخيصة. كما ان عدد الكتب (700000) وبلغات متعددة يصعب معرفة وتمييز المفيد منها من غير المفيد. وليس من الحكمة حرق الكتب المفيدة منها، كما جاء في الوصية المزعومة للفاروق والتي أمر العاص أن يعمل بموجبها.
4. احتوت مكتبة الإسكندرية على أكثر من (700000) مجلدا وكان معظمها قد كُتب على أوراق النخيل والخشب والحجر ولحاء الأشجار والعظام والمعادن، وعرف عن المصريين استخدامهم قصب البردي للكتابة ومنها أنتشر في اليونان وروما واستمر الى أن تم اختراع الورق. وقد عرف العرب الورق بعد أسر عدد من الجنود الصينيين بسقوط سمرقند عام 705 م. ولم تعرف مصر الورق إلا في عصر هارون الرشيد. وهذا يكذب رواية ان الكتب استخدمت من قبل أصحاب الحمامات في الإسكندرية، فقد كان منها الواح ومعادن واحجار وعظام وقصب وليس ورقا، فما الذي يستفيد منه أصحاب الحمامات؟
لاحظ التالي:
ذكرت الروايات بأن عدد الحمامات كان حينذاك (4000) حماما، هنا سوف نتوقف قليلا ونتساءل:
أ. كيف تم نقل المجلدات وتوزيعها على أصحاب الحمامات؟ وهل راقب عمرو بن العاص عملية الحرق ليتأكد منها؟ وما الحكمة من كل هذا اللغو؟ ولماذا لم يذكر حكماء العصر واللاهوتيون والقساوسة حرق المكتبة سيما انها تضم الكتب المقدسة وشروحاتها؟ اليس بإمكان الخليفة ان يحرقها في مكانها دون الحاجة الى هذه الجهود الفائضة التي لا داعِ لها؟ ثم أن أصحاب الحمامات كانوا من الروم وليسوا من العرب، فلماذا لم يحتفظوا بها سيما ان بعضها يتضمن كتبهم المقدسة وشروحاتها بلغتهم، وهي تخص تأريخهم وآدابهم وعلومهم؟ اللوم هنا يقع أيضا على الروم أنفسهم الذين كانوا يملكوا الحمامات وحرقوا تأريخهم ومقدساتهم. هذا بالطبع على افتراض صحة الرواية.
ب. لو افترضنا جدلا أن عدد الكتب فعلا (700000) مجلدا، وان عدد الحمامات (4000) حماما كما قال الرواة، فهذا يعني ان نصيب كل حمام سيكون (175) كتابا. وجاء في الرواية ان الحمامات اشتغلت بها (6) اشهر، فهذا يعني ان الحمام الواحد كان يستخدم (29) كتابا في الشهر الواحد، أي يحرق مجلد واحد في اليوم! أي حمام هذا الذي يدفئه مجلد واحد في اليوم؟ لو حرقت مائة مجلد هل ستسخن حماما واحدا لمدة ساعة واحدة؟ علما ان الحمامات عامة.
يذكر محمد مسعود بهذا الصدد” أما دار الكتب الشهيرة فكانت موضوعة في (الميوزيوم) بالجزء المطل على الميناء، وذهب بعضمهم إلى ان مؤسسها هو بطليموس سوطر في القرن الرابع قبل الميلاد، وذهب البعض إلى أن مؤسسها إنما هو ابنه (فيلادلف)، وعلى أي حال فأن الذي جمع الكتب في الحقيقة هو الكاتب المنشيء (دمتريوس دوفالير) الذي أتى به في سنة 290 ق. م. الى بلاط الملك سوطر ملتمسا حماه، فقابله سوطر بالإكرام الزائد. فلما رأى دمتريوس منه فوق ما آمل عاونه على جمع مجموعة من الكتب كان قد صمم الاستحواذ عليها وبلغ عدد ما جمع (200000) مجلد، ولما كانت أيام (فيلادلف) أضيف إلى هذا العدد جميع كتب ارسطوطاليس التي حفظها (تيوفرست) زمنا طويلا واعطاها نيلة ابنه الى ملك مصر على سبيل التنازل، وكانت هذه المجموعة عظيمة جدا وتحتوي على ما تيسر لهذا الفيلسوف من جمعه من كتب الفلسفة والعلوم والفنون، وقد اختلف القدماء في عدد المجلدات التي كانت موجودة، فمن قائل إنها (500000) ومن قائل انها (750000) مجلد، ومن قائل غير ذلك. غير انه لا يجعل بنا ان نغتر بزيادة هذا العدد لأن اغلب المصنفات الكبيرة كانت مركبة من اجزاء صغيرة والتي حملهم على تقسيمها انما هو سرعة عطب ورق البردي وصعوبة مسك المصنف الكبير باليد والقراءة فيه. مثلا مصنفات (مارسيال) التي كانت ذات أبواب عديدة قسمت الى مجلدات بقدر عدد هذه الأبواب، وكذلك قصائد الشاعر هوراس، وبناء على ما أبديناه كانت دار كتب الاسكندرية اصغر بكثير من دور الكتب المتوسطة في عصرنا هذا”. (المنحة الدهرية/96).
5. يلاحظ ان أهم مروجي حريق الاسكندرية عاصروا فترة الحروب الصليبية وأحدهم (ابن العبري) وهو كما قلنا راهبا ولاهوتيا، وعايش الحملة الصليبية الأولى التي قادها (جان جي برين) عام 615 هـجرية. وأراد أن يخدم أصحاب مذهبه وتحفيزهم لقتال المسلمين باعتبارهم أحرقوا مكتبة الإسكندرية التي كانت تضم آلاف النسخ من الكتاب المقدس وشروحاته وكتب أساطين الدين المسيحي. وهذا ما يقال عن البغدادي (557 هـ ـ629 هـ) والقفطي الذين عايشوا الحروب الصليبية، ومن المعروف أن شراء الذمم في الحروب أمر مفروغ منه. ونحن هنا لا نخون الرواة بقدر ما نقول انهم أخطأوا في حكمهم وفق مبدأ حسن النوايا الذي أوصانا به الإسلام، والله أعلم ما في النفوس.
6ـ لا أحد يجهل وصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين من بعده في عدم أيذاء الأمم والشعوب التي تخضع لنفوذهم، سواء كان الأذى عليهم أو على أرضهم أو ممتلكاتهم وزرعهم وحيواناتهم. وقد أتبع الفاتحون هذه الوصايا حرفيا خلال الفتوحات بشهادة النصارى واليهود أنفسهم، إلا بعض الحوادث التأريخية الشاذة التي لا تؤثر على جمال وكمال الصورة. وكان عمر بن الخطاب شديدا مع عماله في الأمصار، ومنهم عمر بن العاص الذي أحضره وحاسبه على شكوى من مواطن من العامة على أبنه، وطلب من الشاكي أن يضرب إبن الأكرمين. وسبق أن أرسل الفاروق كتاب (العهدة العمرية) لواليه في الشام وبقية الأمصار ذكر إبن القيم نصه، حيث يوصيهم فيه” الا يُحدِثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا يجدِّدوا ما خُرِّب، ولا يمنعوا كنائسهم من أن ينزلها أحدٌ من المسلمين ثلاث ليالٍ يطعمونهم، ولا يؤووا جاسوساً، ولا يكتموا غشاً للمسلمين، ولا يعلّموا أولادهم القرآن، ولا يُظهِروا شِركاً، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوا، وأن يوقّروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس، ولا يتشبّهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم، ولا يتكنّوا بكناهم، ولا يركبوا سرجاً، ولا يتقلّدوا سيفاً، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجُزُّوا مقادم رؤوسهم، وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا، وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم، ولا يُظهِروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين، ولا يخرجوا شعانين، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم، ولا يَظهِروا النيران معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جَرَتْ عليه سهام المسلمين. فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمّة لهم، وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق”. (أحكام أهل الذمة1/210). فكيف يجرأ الولاة على مخالفة أوامر الخليفة القوي الذي لا يخشى في الحق لوم لائم؟ وهل يحتاج عمر بن العاص لرأي الخليفة في حرق الكتب ولديه العهدة العمرية. وقد عرف عن عمر بن العاص شدة ذكائه وسعة تفكيره، فهو ليس بحاجة لمشورة الخليفة في أمر يدركه جيدا.
7. لم يشر الرواة والمؤرخون الأوربيون القدامى الى مسؤولية المسلمين عن حريق الإسكندرية، وإنما تحدثوا عن الحرائق التي سبقت الفتح الإسلامي، وهناك من اعتبرها ثلاثة، وآخرون أعدوها خمسة، كما أن أبرز مؤرخي تلك الفترة (جون فيكيو) المعروفة بدقة تفاصيله وتوسعها، لم يتحدث عن هذا الموضوع البتة، اما بقية المؤرخين اللاحقين فقد أخذوا بروايات ابن العبري والقزويني وليس عن مؤرخيهم الأوربيين. كما ان معظم المؤرخين الأوربيين أكدوا بأنه لم يكن للمكتبة أصلا أي وجود خلال الفتح الإسلامي كما استعرضنا. قال ابن خلدون” انقرض ملك اليونانيين بهلاكها، وذهبت علومهم إلّا ما بقي بأيدي حكمائهم في كتب خزائنهم حتى بحث عنها المأمون وأمر باستخراجها فترجمت له من (هروش يوش)”. (تأريخ ابن خلدون2/226)
ذكر محمد مسعود” اختلف الرواة في سبب اندثار دار الكتب، إنما اجتمعت الآراء عليه في أيامنا هو ان الكتب كانت التي كانت محفوظة في (البروخيوم) تلفت بسبب الحريق الذي حصل دوتنمة قيصر، حين ثار أهل الاسكندرية، ولكن هذا الخلل أصلح فيما بعد بكنب برغام التي أهداها الامبراطور مارك انطوان الى كيلوبترا، ووضعت برعاية هذه الملكة في السرابيوم. وزعم البعض أنه لما صارت كتب الاسكندرية الى هذا الحال دمرها عمر في القرن السابع من الميلاد وهو زعم أتفق مؤرخو عصرنا على بطلانه وعدم صحته. والحقيقة ان الكتب التي حُفظت في السرابيوم دمرها النصارى في القرن الرابع، أما الأخرى فهجرت الى سنة 868 من الميلاد وإذ ذاك أتلفها الأتراك لما احتلوا مدينة الاسكندرية. كما ذكر عبد الله بن خالد الملقب بالشامي (القرن 8 م) عن السرابيوم” كان رواق الحكمة يحتوي على كتب قديمة ونفيسة جدا مكتوبة بحروف لا يحل رموزها إلا العلماء والمنجمون، وقد دمر النصارى هذه الكتب خوفا من أن يتوصل سحرة الوثنيين بواسطتها إلى الإضرار بهم، ولأجل أن يتأكدوا من عدم بقاء كتاب من هذه الكتب، فقد هدموا الذي كان يحتوي عليها، وجعلوا أعاليه سافله، على أن الدهر لم يتجاوز ذنبهم، بل جازاهم بمثل ما فعلوا، فساق اليهم عمر بن العاص فأحرق خزانة الكتب التي أسسوها برسمهم”.
8. في الرسائل المتبادلة بين العمرين لا توجد أية إشارة إلى مكتبة الإسكندرية، في حين وصف عمرو بن العاص للفاروق الكثير من مشاهداته في مصر كقوله عن الإسكندرية” في هذه المدينة أربعة آلاف حمام وأربعة آلاف دار لها شرفات وأربعون ألف إسرائيلي يدفعون الضرائب وأربعمائة مكان للرياضة والتنزه واثنا عشر ألف حديقة تخرج الأثمار فهل يعقل أن الرجل الذي لا يغفل في تقريره الحدائق والديار أن يهمل ذكر مكتبة الإسكندرية لو كانت موجودة في عهده على ما لها من الأهمية ونحن نختم هذه الرسالة ببيت من الشعر الإنكليزي: إننا نوجه إليهم سهام اللوم وليس جديراً باللوم سوانا”. (مجلة المقتبس الجزء8/20 عام 1906). كما قال الهروي” سمعت على الشيخ أبى عبد الله محمد بن إبراهيم المقرئ قال: حدثنا أبو عثمان القاسم بن جعفر عن أبى داود سليمان بن الأشعث عن عبد الله عن نعيم بن سلامة الحميري عن محمد بن القاسم الثقفي عن عتبة بن مسعود عن مسلم بن عقبة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى عمرو بن العاص وكان عامله على مصر يقول له: أما بعد يا عمرو، إذا أتاك كتابي هذا فابعث إلىّ جوابه تصف لى فيه صفة مصر وأوضاعها وما هي عليه حتى كأنني حاضرها» فأعاد عليه مكتوبا جواب كتابه يقول له: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا أمير المؤمنين، فإنها برية غبراء وشجرة خضراء بين جبلين جبل رمل وجبل كأنه بطن أقب أو ظهر أجب مكتنفيها، ورزقها ما بين أسوان إلى منشأ من البر ونتج من البحر، يخط في وسطها نهر مبارك الغدوات ميمون الروحات، يجرى بالزيادة والنقصان كمجرى الشمس والقمر، له أوان تظهر إليه عيون الأرض وينابيعها مسخرة له بذلك ومأمورة له، حتى إذا ضخم عجاجه وتعاظمت أمواجه واغلولت لججه ولم يبق الخلاص إلى القرى بعضها إلى بعض إلا في خفاف القوارب أو صغار المراكب التي كأنها في الحبائل ورق الأبابيل، ثم عاد بعد انتهاء أجله نكص على عقبه كأول ما بدا في دربه وطما في سربه، ثم استبان مكنونها ومخزونها انتشر بعد ذلك، أمة محقورة وذمة مغفورة، لغيرهم ما سعوا به من كدهم وما ينالوا بجهدهم شعثوا بطون الأرض وروابيها ورموا فيها من الحب ما يرجون به التمام من الرب، حتى إذا أحدق وأبسق وأسبل قنواته، سقاه الله من فوقه الندى ورباه من تحته بالثرى، وربما كان سحاب مكفهر الوابل، وربما لم يكن، وذلك في زماننا يا أمير المؤمنين ما يغنى ذبابه ويدر حلابه، فبينما هي برية غبراء إذ هي لجة زرقاء، إذ هي مدرة سوداء، إذ هي سندسية خضراء، إذ هي ديباجة رقشاء، إذ هي درة بيضاء ( فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ(المؤمنون: 14) وفيها ما يصلح أحوال أهلها ثلاثة أشياء: أولها: لا يقبل قول خسيسها على رئيسها، والثاني: يؤخذ ثلث ارتفاعها يصرف في عمارة ترعها وجسورها، والثالث: لا يستأدى خراج كل صنف إلا منه عند استهلاله، والسلام”. (الإشارات للهروي/50). يبدو ان هناك خلطا مقصودا بين رسالة عمر بن العاص الى عمر الفاروق، وبين رسالة سعد بن أبي وقاص لعمر الفاروق عندما فتح بلاد فارس، ووجد فيها الكثير من الكتب المجوسية فكتب للفاروق عنما يفعل بها؟ فأجابه” اطرحوها في الماء فإن يكون ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وأن يكن ضلالا فقد كفانا الله”. وهذه الكتب مجوسية وليس لها علاقة بالأديان السماوية كالنصرانية واليهودية.
8. هناك الكثير من الحقائق التي تدحض قضية الحرق منها حرص ومحافظة المسلمين على المكتبات التي تعود الى المسيحيين واليهود وبقية الأديان في البلدان التي فتحوها ومنها مكتبة (معبد السيرابيوم)، والمكتبات الموجودة في المعابد والكنائس والأديرة، يذكر د. نبيل لوقا بباوى” من المعلوم كذلك أنه في عهد عمر بن الخطاب في ربيع الثاني من العام السادس عشر من الهجرة في عام 637م تم فتح بيت المقدس، وكان بيت المقدس به مكتبة كبيرة. ولو كان من عادة المسلمين حرق المكتبات لحرقوا مكتبة بيت المقدس. وكذلك تم فتح دمشق في العام الرابع عشر من الهجرة في عام 635م، وكان بها مكتبة كبيرة، ولم يتم حرقها. وقد تم فتح دمشق بمعرفة أبو عبيدة بن الجراح. والثابت كذلك أنه تم فتح الشام في العام الثالث عشر من الهجرة في عام 634، وكان بها مكتبة كبيرة ولم يتم حرقها، فلم يكن من عادة المسلمين والعرب حرق المكتبات. ففي أثناء غزوة يهود خيبر لنقضهم عقد الصحيفة في العام السابع الهجري في عام 628، وبعد انتصار الرسول والمسلمين علي سلام بن مشكم زعيم خيبر، كان من الغنائم صحائف التوراة وكتب اليهود: أمر الرسول بتسليمها إلي يهود خيبر. وهذا يدل علي أنه ليس من سياسة الإسلام حرق كتب ومكتبات الآخرين، وإلا كانوا قد أحرقوا كل المكتبات في بيت المقدس وفي دمشق وفي الشام. ولذلك فإن خبر أو واقعة أن عمرو بن العاص هو الذي أحرق مكتبة الإسكندرية بعد استئذان الخليفة عمر بن الخطاب واقعة مكذوبة، ولا أساس لها من الصحة لأن التاريخ ثابت، والتاريخ لا يكذب”. ( مقال بعنوان هل أحرق عمرو بن العاص مكتبة الاسكندرية). من جهة أخرى هناك روايات تؤكد احترام المسلمين لمقدسات الآخرين، منها ما ذكره البكري” أبي مينى، وهي كنيسة عظيمة فيها عجائب من الصور والنقوش توقد قناديلها ليلا ونهارا لا تطفى، وفيها قبو عظيم في أحد مبانيها فيها صورة جملين من رخام عليهما صورة إنسان قائم رجلاه على الجملين، إحدى يديه مبسوطة والأخرى مقبوضة، يقال إنّها صورة أبي مينى، كلّ ذلك من رخام. وفي هذه الكنيسة صور الأنبياء عليهم السلام كلّهم، صورة زكريا ويحيى وعيسى في عمود رخام عظيم على ذات يمين الداخل يغلق عليها باب، وصورة مريم قد أسدل عليها ستران ، وصور سائر الأنبياء. ومن خارج الكنيسة صور جميع الحيوان وأهل الصناعات ، من جملتها صورة تاجر الرقيق ورقيقة معه وبيده خريطة مفتوحة الأسفل، يعني أنّ التاجر بالرقيق لا ربح له. وفي وسط الكنيسة قبّة فيها ثماني صور يزعمون أنّها صور ملائكة، وفي جهة من الكنيسة مسجد محرابه إلى القبلة لا يصلّي فيه إلّا المسلمون حولها ثمار كثيرة وعامّتها اللوز الأملس والخروب المعسّل الرطب ويعقّد منه الأشربة، وكروم كثيرة تحمل أعنابها وشرابها إلى مصر”. (المسالك والممالك للبكري2/647). وما ذكره الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي” على بعد نصف ميل من قبر حزقيال، قباب تحتها قبور (حننية)، (ميشائيل) و(عزرية) ( أي العزير) وهذه الأبنية كلها محافظ عليها من قبل اليهود والمسلمين. لا يمسها أحد بضرر حتى في أيام الحروب”. (رحلة بنيامين/312). اقرأ ما يقول الشريف الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق عن مصر، مع أن فيه طعن كبير للعرب وذكر لمثالبهم خلال الفتوحات الإسلامية” إنما سميت بالفسطاط لأن عمرو بن العاصي لما استفتح مصر وأراد المسير إلى الإسكندرية أمر بالفسطاط أن يحط ويسار به أمامه فنزلت حمامة في أعلاه وباضت بيضتها فأخبر بذلك عمرو فأمر أن يترك الفسطاط على حاله إلى أن تخلص الحمامة فرخيها ففعل وقال والله ما كنا لنسيء لمن ألفنا واطمأن بجانبنا حتى نفجع هذه الحمامة بكسر بيضتها فترك الفسطاط وأقام بمصر إلى أن تخلص فرخ الحمامة ثم ارتحل”. ( نزهة المشتاق 1/323).
قال الحميري” مدينة من كور الجزيرة من أعمال الموصل والجزيرة ما بين دجلة والموصل، و(آمد) بمقربة من (ميافارقين) فتحها عياض بن غنم بعد قتال على مثل صلح الرها، فإنه لما أتى الرها خرج إليه أهلها فقاتلوه فهزمهم المسلمون حتى ألجأوهم إلى المدينة فطلبوا الأمان والصلح، فأجابهم عياض إليه وكتب لهم: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من عياض بن غنم لأسقف الرها إنكم إن فتحتم لي باب المدينة على أن تؤدوا لي عن كل رجل منكم ديناراً أو مد قمح فأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم ومن تبعكم، عليكم ارشاد الضال وإصلاح الجسور والطرق ونصيحة المسلمين شهد الله وكفى بالله شهيداً”. ( الروض المعطار1/3). وفي كتاب عتبة بن فرقد لأهل اذربيجان” هذا ما أعطاه عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان، سهلها وجبلها وحواشيها وشعابها وأهل مللها كلهم، على الأمان على أنفسهم وأموالهم وشرائعهم على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم، ليس ذلك على صبي ولا امرأة ولا زمن ليس في يديه من الدنيا شيء ولا متعبد متخل ليس في يديه من الدنيا شيء، لهم ذلك ولمن سكن معهم، وعليهم قرى المسلم من جنود المسلمين يوماً وليلة ودلالته، ومن حشر منهم في سنة رفع عنه جزاء تلك السنة، ومن أقام فله مثل ما لمن أقام في ذلك ومن خرج فله الأمان حتى يرجع إلى حرزه”. ( الروض المعطار1/21).
9. فيما يتعلق بالرواة المتأخرين. مع الأسف أن بعض منهم سار كالأعمى وراء البغدادي وابن العبري دون أن يتبين درب الحقيقة، ويتوخى الدقة ويتحقق من الرواة سيما عمالقة المؤرخين وأقدمهم وأقربهم للحدث. هؤلاء البعض منهم ربما جاء حكمه بسبب عدم المعرفة وتوخي الدقة، ودون أن يكلفوا أنفسهم عناء الرجوع الى المصادر التأريخية الرئيسة والمعتمدة. والبعض الآخر بسبب العداء للإسلام والعروبة، ومحاولة تشويه الصورة الناصعة لهما والطعن بكبار الرموز. هؤلاء المغرضون يحبون الصيد في المياه العكرة. ومنهم على سبيل المثال الكاتب جرجي زيدان وهو ماسوني، عمل مترجما مع المخابرات البريطانية ورافقهم في حملتهم الاستعمارية على السودان سنة 1884 وحصل على ثلاث أوسمة بريطانية على نشاطاته المريبة. ذكر محمد كرد علي عنه” في سنة 1884 سار مع الحملة إلى السودان لإنقاذ غوردون باشا بصفة مترجم بقلم المخابرات وعاد بعد عشرة أشهر إلى بيروت وفي صيف سنة 1886 زار لندرا وعاد في الشتاء إلى مصر فتولى إدارة مجلة المقتطف والمؤازرة فيها حتى سنة 1888 وفي سنة 1892 اصدر مجلة الهلال”.(مجلة المقتبس الجزء89/38 السنة 1914). من الحدير بالإشارة أن جرجي زيدان واحد من أشهر الماسونيين وهو صاحب كتاب (تأريخ الماسونية العام)”. (راجع صحوة الرجل المريض/340). علاوة على شاهين مكاريوس (آداب الماسونية) والأب اليسوعي لويس شيخو(السر المصون في شيعة الفرماسون، ومحمد عبدة (جردة المنار لرشيد رضا/ ج 8/ 410). علما بإن إدارة مجلة المنار في مصر طبعت الانتقادات الموجهة لكتب جرجي بك زيدان صاحب الهلال وورد” ان النقد مفيد في كل موضوع بكر به تنجلي الحقيقة ويدمث المسلك الوعر والأول من هذه الانتقادات بقلم شمس العلماء الشيخ شبلي النعماني من أساتذة الهند. قال عنه الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني” ليست مؤلفات زيدان إلا فهارس لا تنقع غلة ولا تبل أواما ولا تفيد المطلع عليها، وليتها بعد ذلك سلمت من معرة الخطأ وخلت من الغلط الفاحش الذي يرجع إلى الإهمال والعجلة. فلا هي جامعة فيرجع إليها عند الحاجة ولا صحيحة فيعتمد عليها ويوثق بها وكذلك ليست رواياته بأرفع مرتبة من سائر تصانيفه وتوليفه فكثيراً ما تجد القصة فيها مشوشة مضطربة لأنه لم يتولها بروية ولم يتعهدها بنظر ولا تدبر وذلك شأنه في كل شيء ولو كان زيدان ذا تؤدة وأناة لما استطاع أن يخرج لقرائه هذا العدد الكبير من الكتب والروايات. لم يكن زيدان عظيماً ولا فحلاً من فحولة الكتَّاب ولا من أصحاب المبادئ ولا من ذوي البسطة في العلم والرسوخ فيه، وإنما غاية ما نستطيع أن نقوله عنه أنه كان من أرباب الاجتهاد مطبوعاً على العمل كثير الدؤوب عليه، هذا فضله وتلك مزيته. وليست مؤلفاته من الإبداع والحسن بحيث تصبح عندنا في مرتبة آبائنا وأحبابنا وتجاربنا لما يتجلى فيها من سعة الروح التي تكاد تلتهم الدنيا وتساوي العالم الذي تصوره! كلا! ليست كتب زيدان من هذا الصنف وليس زيدان في الحق إلا رجلاً من الأوساط لم يرفعه الذكاء وقوة الذهن وسعة الروح إلى مرتبة العظماء والفحول، ولم يهبط به الغباء والبلادة إلى درجة العوام والغوغاء “. (مجلة البيان20/41).
قال جرجي زيدان” أن عمرو بن العاص أحرق تلك المكتبة بأمر الخليفة عمر بن الخطاب”. (تاريخ مصر الحديث). بل أنه افترض أمرا غريبا يعكس سوء تقديره بقوله ” لكن المسلمين بعد تمدنهم حذفوا هذا الكلام تصورا منهم أنه يسئ إلى دينهم وكبار رجالهم”. (تأريخ التمدن الإسلامي3/49). مع إن التأريخ الإسلامي يحوي الكثير من المصائب التي لم يحذفها الرواة وهي تسيء للمسلمين والإسلام معا! مع هذا فقد ردٌ عليه المستر بتلر مؤلف كتاب (الفتح العربي لمصر) داحض تلك التهمة الباطلة. وهناك من حمل الشيعة فبركة الحادثة ورجح مسؤوليتهم عن حادثة الحرق، مثل محمد حسن هيكل بقوله ” لعل الأسطورة نجمت في بيئات الشيعة”. (الفاروق عمر2/170). والحقيقة أنه لا صحة لهذا الرأي، لأن مصدر الرواية ابن العربي والبغدادي والقزويني والقفطي وهم ليسوا من الشيعة. فبعض الرواة الشيعة تناقلوها كابن النديم وحاجي خليفة، ومن المحدثين الشيخ الأميني، ولكنهم ليسوا مصدرها الرئيس. أما طه حسن فالرجل كما قلنا حجة في الأدب وليس في التأريخ، لذا رأيه التاريخي في حرق المكتبة لا قيمة علمية له، لأنه نقله بعينه ولم يتمكن من إثباته بعقله غير البصير.
10. تشير الروايات بأن عمرو بن العاص حرق المكتبة مع بداية الفتح الإسلامي، وهنا نتوقف قليلا لأمر مهم لابد من التذكير به، وهو انه مع نهاية الحرب او استعمار أو فتح دولة، تقوم القوى الغازية باستخدام أسلوبين في التعامل مع شعوب الدولة الجديدة الخاضعة لنفوذها.
أ. أسلوب القوة والترهيب واستخدام العنف ضد المواطنين لأشاعه الخوف والجبن الروح الانهزامية في صفوفهم فلا يجرأوا على مقاومة الغزاة خشية البطش بهم، وغالبا ما تستخدم القوى الغازية هذا الأسلوب مع الشعوب التي تقاومها قبل إخضاعها واستعمارها. أو عندما تتكبد القوى الغازية خسائرا كبيرة في الأرواح والمعدات فتثأر لقتلاها وتنتقم من الشعوب الني قاومتها بعد أن تبسط سيطرتها، وهناك المئات من الشواهد التأريخية على هذا الأسلوب أبرزها الغزو المغولي للعراق.
ب. أسلوب الترغيب والتعاطف مع الشعوب المحتلة واستمالتهم الى صفها لدرأ اية محاولة منهم للتصدي الى قواتها الغازية أو تشكيل جيوب لمقاومة المحتل، وهذا الأسلوب قد يكون صادقا كما في حال الفتح الإسلامي للقدس ومصر، او مخادعا كما هو عليه الأمر مع الشعوب التي خضعت للاستعمار القديم والحديث. وسبق أن تحدثنا عن معاهدة الإسكندرية التي عقدها عمرو بن العاص مع المقوقس، وكيف إنه اهتم بالمصريين واستمالهم الى صفه واهتم بالعلماء والأدباء، لذا فلو قام على سبيل الفرض بحرق المكتبة ومعظم المصريين كانوا غير مسلمين لأثار سخطهم، وهذا ما لم يحدث.
من جهة أخرى غالبا ما يصاحب الفتح الإسلامي للأمصار، حتى لو كان سلميا فوضى سياسية واقتصادية بسبب التخوف من الفاتحين الجدد والتوجس من أهدافهم، ويكون القائد الفاتح منشغلا حينها في إدارة الدولة الجديدة وتنظيم شؤونها على مختلف الصُعد، لذا فأن موضوع وجود مكتبات وتحديد مصيرها لا يمكن أن تكون من اولويات مهامه. على العكس مما يتقول الشعوبيون، قال ابن خلدون” كان عمرو بن العاص لما فتح الاسكندرية كتب لبنيامين بطرك اليعاقبة بالأمان، فرجع بعد ثلاث عشرة من غيابه، وكان ولّاه هرقل في أوّل الهجرة كما قدمنا. وملك الفرس مصر والاسكندرية عشر سنين عند حصار قسطنطينية أيام هرقل، ثم غاب عن الكرسي عند ما ملك الفرس وقدموا الملكيّة، وبقي غائبا ثلاث عشرة سنة أيام الفرس عشرة وثلاث من ملكة المسلمين، ثم أمّنه عمرو بن العاص فعاد ثم مات في تاسعة وثلاثين من الهجرة، وخلفه في مكانه أغاثوا فملك سبع عشرة سنة”. (تأريخ ابن خلدون2/270). والأهم من هذا وذاك هو ما يقوله مؤرخو الغرب عن عمر بن العاص. يذكر محمد مسعود” في الموسوعات الفرنسية العظمى في لفظة عمر جاء ما يأتي” كان عمر بن العاص شهما كريما حميد الأخلاق متحليا برداء التمدن، لذا يبعد عن الظن إنه هو الذي أحرق دار كتب الاسكندرية، التي كان قد دمرها النصارى من قبله بزمن مديد”. (المنحة الدهرية/97).
علي الكاش