18 ديسمبر، 2024 9:00 م

التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية/8

التهمة الكيدية في حرق مكتبة الإسكندرية/8

عبد اللطيف البغدادي

هو رحالة عراقي وحكيم ونحوي وعارف بالنبات والحيوان والتشريح، والفقه والأدب وعلوم القرآن والأدوية والروحانيات والكلام والفلك والفرق والبلاغة والسياسة والطبيعة والأحجار الكريمة والنفس والحواس والفلسفة والمنطق وغيرها العلوم مع إنه يقول” أياك أن تشتغل بعلمين دفعة واحدة وواظب على العلم الواحد”. (عبد اللطيف/40). كما يقال ينصح الناس وينسى نفسه!

ذكر المستشرق “ماكس مايرهوف” في كتابه (تراث الإسلام) بأن” البغدادي رحل من بغداد إلى القاهرة ليرى كبار العلماء وأرض مصر، كما وصف المجاعات والزلازل التي حدثت فيها. وقدم البغدادي معلومات نفيسة عن خواص العظام بعد دراسة لها في مقبرة قديمة تقع شمال غربي القاهرة، وراجع وصحح وصْفَ جالينوس لعظم الفك الأسفل وعظم العجز”. لهذا يمكن الجزم بأن البغدادي ليس بمؤرخ. كما إنه في رحلته لم يراجع أو يصحح كتب جالينوس، بل تمنى ذلك! فقد ذكر البغدادي” وليت مكَّنتنا المقادير بالمساعدة ووضَعنا مقالةً في ذلك تحكي فيما شاهدناه وما علمنا من كتب جالينوس”. ( الإفادة والاعتبار/61).

كما هو معروف أن كتب الرحالة تحتوي على الكثير من الأخطاء التأريخية سيما في تسميات الأشخاص، والأماكن، وتفاصيل الحوادث، وتواريخها. فإذا قرأت كتاب عن مدينة ما، ستجد بعض الأسماء والتفاصيل تختلف في كتاب آخر، ولو بشكل محدود، بسبب اختلاف المشاهدات من قبل الراوي وتأريخ الرحلة واختلاف مصادر معلوماته. أدب الرحلات هو أحد فنون الأدب وليس التأريخ، ويتضمن وصف ومشاهدات الرحالة، وهو أقرب للجغرافية منه للتأريخ ويتضمن غالبا أمورا تتعلق بآداب الشعوب وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ونبذ عن النباتات والأعشاب والحيوانات، وقد يتطرق الرحالة إلى الأنساب والعشائر. يفترض بالرحالة أن ينقل مشاهداته وما عايشه ومرٌ به من حوادث، وليس حوادثا لا علاقة لها برحلته، بل سبقت ولادة الرحالة نفسه بقرون، وإن تحدث لسبب ما، عليه أن يذكر سند روايته ليعرف القارئ مصدرها ويحكم عليها.

عاش البغدادي في القرن السابع الهجري أي بعد وقوع الحادثة المزعومة بأكثر من ستة قرون،

كتب رحلته عام (600 هـ). وهو لا يذكر سند الرواية وممن سمعها أو استقاها، سيما ان المؤرخين القدامى العرب والأجانب والرحالة أيضا لم يشيروا إليها بتاتا. والكثير من المعلومات الواردة في رحلته يقول عنها حدثني احدهم، او حدثني بعض الثقاة، وجميعهم نكرة، لا أحد يعرفهم! أمثلة على ذلك:

في حديثه عن عمود السواري في الإسكندرية أيضا بقوله” خبرني بعض الثقاة إنه قاس دوره فكان خمسا وسبعين شبرا”. (كتاب الإفادة والاعتبار/94)، ثم يستمر في تكملة الخبر.  وينقل البغدادي عن أحدهم دون ان يسميه” إِّني لأذكر في سنة تسعين ومائتين أنّ الشهب بمصر انتثرت وعمّت الجوَّ بأسره، فارتاع الناس ولم تزل تكثر فلم يمضِ لذلك جزءٌ من السنة يسير، حتىظمئ الناس وبلغ نِيل مصر ثلاث عشرة ذراعا واضطربَ الناس اضطراباً، زالت به دولة الطولوني من مصر وانتشرت في سنة ثلاثمائة من سائر جهات الجو فنقص النيل أيضا ووقعت همرجات واضطرابٌ في المملكة، وهذه لعمري دلائل قوية ولكنّها عامة لجميع الأقاليم وليست خاصة بمصر فقط، على أنه أيضا قد وقع هذا الحادث بعينه في سنتنا هذه من تناثُرِ الكواكب في أوَّلها ونشيش الماء في آخرها”. ( الإفادة والاعتبار /48).

كذلك قوله” مما شاع أيضا نبش القبور وأكل الموتى وبيع لحمهم، وهذه البلية التي شرحناها وجدت في جميع بلاد مصر ليس فيها بلد إلّا وقد أكل فيه الناس أكلا ذريعا من أسوان وقوص واليوم والمحلة والإسكندرية ودمياط وسائر النواحي، وخبرني بعض أصحابي وهو تاجر مأمون حين ورد من الإسكندرية بكثرة ما عاين بها من ذلك، وأعجب ما حكى لي أنه عاين أرؤس خمسة صغارٍ مطبوخة في قدر واحدة بالتوابل الجيدة”. ( الإفادة والاعتبار/52).

وذكر” حكى لنا رجل أنه كان له صديق أدقع في هذه النازلة فدعاه صديقه هذا إلى منزله ليأكل عنده على ما جرت به عادتهما قبل، فلما دخل منزله وجد عنده جماعة عليهم رثاثة الفقر وبين أيديهم طبيخٌ كبير اللحم وليس معه خبز، فرابه ذلك وطلب المرحاض فصادف عنده خزانة مشحونة برمم الآدمي وباللّحم الطري فارتاع وخرج فارّاً. وظهر من هؤلاء الخُبثاء من يصيد الناس بأصناف الحبائل ويجلبونهم إلى مكانهم بأنواع المخاتل، وقد جرى ذلك لثلاثة من الأطبّاء ممّن ينتابني، أما أحدهم فإنّ أباهُ خرج فلم يرجع، وأما الآخر فإنّ امرأةً أعطته درهمين على أن يصحبها إلى مريضِها، فلما توغّلت به. ضايقَ الطرق استرابَ وامتنعَ عنها وشنّع عليها فتركت درهميها، وأما الثالث فإنّ رجلاً استصحبه إلى مريضه في الشارع بزعمه، وجعل في أثناء الطريق يصدف بالكسر ويقول اليوم يُغتنم الثوابُ ويتضاعفُ الأجرُ ولمثل هذا فليعمل العاملون، ثم كثر حتّى ارتاب منه الطبيب ومع ذلك فحسن الظن بقلبه وقوة الطمع تجذبه، حتى أدخله داراً خرِبة فزاد استشعاره وتوقّف في الدرج وسبق الرجل فاستفتح، فخرج اليه رفيقه يقول له: هل مع إبطائك حصل صيد ينفع، فخرجالطبيب لما سمع ذلك، وألقى نفسه إلى إصطبل من طاقة صادفها السعادة فقام إليه صاحب الإصطبل يسأله عن قضيته فأخفاها عنه خوفا منه أيضا، فقال: قد علمت حالك فإنّ أهل هذا المنزل يذبحون الناس بالحيل”. ( الإفادة والاعتبار/52). لاحظ الأخطاء اللغوية! وقوله عن حوادث سنة خمس وتسعين وخمسمائة” حُكي لي أنه كان بمصر تسعمائة منسجٍ للحُصُر، فلم يبق إلّا خمسة عشر منسجا، وقِس على هذا سائر ما جرت العادة أن يكون بالمدينة من باعةٍ وخبازين وعطّارين وأساكفة وخيّاطين وغير ذلك من الأصناف، فإنه لم يبق من كلّ صنفٍ من هؤلاء إلّا نحو ما بقي من الحصريين أو أقل من ذلك”. ( المصدر السابق/57). وقوله” حكي لي أن رجلا مصريا شارف الفقر فأُلهِم أن اشترى من الشام دجاجا بستين دينارا، وباعها بالقاهرة على القماطين بنحو ثمانمائة دينار”. ( المصدر السابق /57). وقوله” سمعنا من الثقات عن الإسكندرية أن الإمام صلَّى يوم الجمعة على سبعمائة جنازة، وأن تركةً واحدة انتقلت في مدة شهر إلى أربعة عشر وارثا”. (المصدر السابق/57). وهكذا يستمر في أحاديثه الأخرى! بمعنى إنه الأصل في كلامه أن خبره الثقاة! لكن من هم الثقاة؟ وكيف نعرف إنهم حقا ثقاة؟ هل لأنه اعتقد بهذا الرأي، يلزمنا بقبول رأيه؟ ثم ما هو معياره في الحكم على الثقاة وهو رحالة لم يتعرف عليهم إلا خلال رحلته، ويرحل عنهم متنقلا الى مكان آخر بعد مضي فترة قصيرة؟ هذا كلام عبثي يتنافى مع الطرح العلمي والمنطق السليم. بل هو نفسه يعارضه! فهو يقول في كتابه (شرح تقدمة المعرفة) بأن” كل واضع كتاب علمي على جهة معدلة، فقصده تسهيله على المتعلم بثلاثة أوجه؛ الأول: أن يجتنب اللفظالوحشي والملبس والمغلطة ويجتهد أن يصور المعنى في نفس المتعلم بغاية الإمكان. والثاني: أن يثبت الرأي بالحجج الممكنة والأدلة الواضحة، والثالث: أن يرتب الموضوع ترتيبًا يسهل حفظه ولا يصعب ضبطه”. فهل فعل ذلك في رحلته؟

قال فارس الشدياق” إنها مصر الأمصار ومدينة المدن وعاصمة العواصم وشيء الأشياء إلى آخره. وما أدري فرق ذلك وكيف كان فيها مدينة غاصة باللذات السائغة متدفقة بالشهوات السابغة توافق المحرورين من الرجال خلافا لما قاله عبد اللطيف البغدادي. يجد بها الغريب ملهى وسكناً وينسى عندها أهلا ووطنا ومن خواصها أن ما يذهب من أجسام رجالها يدخل في أجسام نسائها فترى فيها النساء سمانا كالأقط بالسمن على الجوع والرجال كالحشف بالشيرج على الشبع، ومنها أن أسواقها لاتشبه رجالها البتة. فإن لأهلها لطافة وظرافة وأدبا وكياسة وشمائل مرضية وأخلاقاً زكية وأسواقها عارية عن ذلك رأسا“.( الساق على الساق/89). كما قال البغدادي” إن ما تراه أعيننا أصدق بكثير مما نقرأه”، لكنه لم يطبقها على نفسه في موضوع حريق مكتبة القاهرة. ربما سمعها من عوام المصريين، فهو ينقل أحيانا ما يسمعه دون أن يتحقق منه.  قال ابن ابي أصيبعة عنه ” ألف الشيخ موفق الدين في ذلك كتاباً ذكر فيه أشياء شاهدها أو سمعها ممن عاينها تذهل العقل، وسمى ذلك الكتاب كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر”. (عيون الأنباء في طبقات الأطباء). هذا بعض مما ورد في رحلته من غرائب لا تتوافق مع العقل والمنطق:

ذكر بأن بعض الناس أخبروه” إن شجرة الموز في الأصل مركب من قلقاس ونوى النخيل، تجعل النواة في جوف القلقاس وتغرس، وان كان القول ساذجا من دليل يشهد له، فالحس يسوغه”.  (كتاب الإفادة والاعتبار/71). فهو يعتمد الحس بدلا عن التجربة وهذه مثلبة وهو كما يفترض عالم بالنبات! كما إنه خلط بين القلقاس والزنجبيل فاعتبرهما واحدا مع اختلاف حجم الورق كأبسط فرق!

ومن عجيب ما ذكره: إن حمير مصر فارهة جدا وتركب بالسروج وقد تسبق في جريها الخيول والبغال النفيسة”. (كتاب الإفادة والاعتبار/83) ومما قاله” التمساح حيوان مائي في الأصل لكنه يعيش في البر ويبيض في البر فيكون منه السقنور. الأسقنقورمن نتاج التمساح”. (المصدر السابق /85). ويضيف عبد اللطيف البغدادي” الاسقنقور ويكون بالصعيد وبأسوان كثيرا ويكون من نتاج التمساح في البر، وهو صنف من الورل، بل هو ورَلٌ إلّا أنه قصير الذنب”. ( المصدر السابق/20). وفي حين أن السنقور والتمساح حيوانان مختلفان. كما أعتبر الصابئة من النصارى بقوله” لما كان النصارى معظمهم وجمهورهم أقباطا وصابئة، نزعوا إلى الأصل ومالوا إلى سنَّةِ آبائهم القديمة في اتخاذ التصاوير في بِيَعِهم وهياكل عبادتهم وبالغوا في ذلك وتفنَّنوا فيه، وربّما ترامَوا في الجهالة حتى يصوِّروا إلهَهُم والملائكةُ حوله بزعمِهم”. (المصدر السابق/34). وهذا خطأ لا يُغتفر!

ومن عجائب ما ذكره” أخبّرني الثقةُ (من المصريين) أنهم بينما كانوا يتقفّون المطالب عند الأهرام، صادفوا دنّاً مختوماً فقضوه فإذا به عسل، فأكلوا منه فعلق في إصبع أحدهم شعر فجذبهفظهر له صبي صغير متماسك الأعضاء رطب البدن عليه شيء من الحُلي والجوهر”. (المصدر السابق /35). هل يوجد عسل يبقى آلاف السنين على حالة؟ ويبقى الجسم البشري فيه طريا! وحديث آخر عن السلحفاة جاء فيه ” الترسة وهي سلحفاة عظيمة وزنها نحو أربعة قناطير، ورأيتها بالإسكندرية يُقطع لحمها ويباع كلحم البقر. وفي لحمها ألوان مختلفة ما بين أخضر وأحمر وأصفر وأسود وغير ذلك من الألوان، وتخرج من جوفها نحو أربعمائة بيضة”. (المصدر السابق/22). من المعروف أن عدد البيض عند السلحفاة، تتراوح ما بين 1 ـ 30 بيضة بشكل عام تفقس ما بين 50 ـ120 يوما. وعن سمك السرب قال عبد اللطيف البغدادي” وهي سمكة تُصاد من بحر الإسكندرية يحدث لأكلها أحلام ردية مفزعة، ولا سيما الغريب ومن لم يعتدها”. ( الإفادة والاعتبار/22). وعن فرس البحر قال” خبرني من اصطاد فرس البحر مرات وشقها وكشف عن أعضائها الباطنة والظاهرة أنه خنزير كبير وأن أعضاءها الباطنة والظاهرة، لا تغادر من صورة الخنزير شيئا إلّا في عظم الخلقة”. ( الإفادة والاعتبار/21). ويصفها ” بالجملة، هي أطول وأغلظ من الفيل، إلّا أن أرجلها أقصر من أرجل الفيل بكثير، ولكن في غلظها أو أغلظ منها”. (المصدر السابق/22).

وصف عبد اللطيف البغدادي صلاح الدين بن أيوب بالجهل والانصياع لآراء اتباعه دون تحقيق وتمحيص بقوله ” كأن الملك العزيز عثمان بن يوسف لما استقل بعد أبيه، سوّل له جهلة أصحابه أن يهدم هذه الأهرام فبدأ بالصغير الأحمر وهو ثالثة الأثافي. فأخرج إليه الحلبية والنقابين والحجارين وجماعة من عظماء دولته وأمراء مملكته وأمرهم بهدمه ووكّلهم بخرابه فخيّموا عندها وحشروا عليها الرجال والصنَّاع ووفروا عليهم النفقات، وأقاموا نحو ثمانية أشهر بخيلهم ورجلهم يهدمون كل يوم بعد بذل الجهد واستفراغ الوسع الحجر والحجرين، فقوم من فوق يدفعونه بالأسافين والأمخال، وقوم من أسفل يجذبونه بالقلوس والأشطان، فإذا سقط سُمع له جلبة عظيمة من مسافة بعيدة حتى ترتجف له الجبال وتزلزل الأرض ويغوص في الرمل فيتعبون تعبا آخر حتى يخرجوه ثم يضربون فيه الأسافين، بعد ما ينقبون لها موضعا ويبيتونها فيه، فيتقطع قطعا فتسحب كل قطعة على العجل حتى تُلقى في ذيل الجبل وهي مسافة قريبة، فلما طال ثوباؤهم ونفذتنفقاتهم وتضاعف نصبهم ووهنت عظامهم وخارت قواهم، كفّوا محسورين مذمومين لم ينالوا بغية ولا بلغوا غاية، بل كانت غايتهم أن شوهوا الهرم وأبانوا عن عجز وفشل، وكان ذلك في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة”. (الإفادة والاعتبار/26).  في حين يقول المقريزي عن العزيز عثمان” من عقلاء الدولة، له علم بالحديث والفقه، سمع الحديث من الحافظ السلفي وأبي عوف الزهري وابي محمد ابن بري النحوي “. الحقيقة أنه لم يبقَ من مؤلفات البغدادي إلا بعض الكتب القليلة، منها الكتاب السابق في وصف مصر، ومخطوطته في مكتبة البودليان في أكسفورد وقد ترجم إلى الألمانية عام 1790م، وإلى الفرنسية عام 1810م، وإلى الإنجليزية عام 1964م. من هذه التواريخ نستنتج بأن المؤرخين الغربيين لم يطلعوا أصلا على كتاب البغدادي! وإنما نقلوا ما قاله إبن العبري.

من جهة أخرى قال عبد اللطيف البغدادي” رأيتُ أيضاً في الاسكندرية حول عمود السواري من هذه الأعمدة، بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مكسور ويظهر مِن حولها أنها كانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف، وعمود السواري عليه قبة هو حاملها وأرى أنه الرواق الذي كان يدرس فيه أرسطوطاليسوشِيعته من بَعده”. (الإفادة والاعتبار /28). لكنه يقول بعدها” اعلم أن الأهرام لم أجد لها ذِكراً في التوراة ولا في غيرها ولا رأيت أرسطو ذكرها، وإنما قال في أثناء قوله في السياسة: كما كان من سنَّة المصريين البناء”. (الإفادة والاعتبار /38).

علق الأستاذ نبيل الكرخي على هذا الأمر بقوله” احتوت رواية البغدادي على خطأين فذكرت الرواية انَّ أرسطو طاليس كان يدرس في مدرسة الاسكندرية أي المتحف الذي ذكرناه سابقاً وهذا الأمر غير صحيح ، لأن أرسطو طاليس (384 ـ 322) ق.م لم يحضر إلى الاسكندرية ولا إلى مصر. والخطأ الآخر هو أنها نسبت للإسكندر بنيانه وإنشائه للمكتبة وهو خطأ لأن الذي بناها هو بطليموس الثاني (فيلادلفوس) وقيل (بطليموس الاول سوتر). فإذا اخطأ البغدادي في معلومتين تأريخيتين فلا يستبعد انه قد اخطأ في المعلومة الثالثة ايضاً. فنجد انه من غير المجدي الاعتماد على رواية البغدادي هذه في إسناد التهمة للمسلمين بأنهم أحرقوا مكتبة الاسكندرية. ومن المحتمل أن يكون البغدادي قد ألف الحادثة من نفسه أو سمعها من أحد العوام دون أن يكلف نفسه التحقق منها. ولأن كتابه من أدب الرحلات فأنه غير معني أصلا بالحوادث السابقة”. وقد جاء في سيرته الوحيدة ” ترجمة كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر وفرغ من تأليفه من العاشر من شعبان سنة ثلاث وستمائة بالبيت المقدس”. (عبد اللطيف/56).

يبدو ان البغدادي خلط بين ارسطو وارسطبولس أو بطليموس. قال محمد مسعود” أنشأ بطليموس سوطر في الاسكندرية مكتبة عزيمة جمع فيها انواع كتب العلوم والفنون حتى بلغ عدد مجلداتها نيف واربعمائة الف وأسس محلا علميا سماه بمدرسة الاسكندرية وكان يتخرج منه اعظم البلغار والفلاسفة الذين نبغوا في جميع العلوم، وكان بطليموس نفسه يحضر دروس الهندسة على اقليدس معيرا أياه إذنا واعية وعينا صاغية، منتبها صامتا كأحد التلاميذ”. (المنحة الدهرية/70)

أضاف محمد مسعود” ممن يشار اليهم بالبنان في هذه العلوم دمتربوس دوفالير واريستارك في النحو، وهيروفيل وايرازستراتفي الطب، وتيراك وارشتيد وهيبارقة وبطليموس وكانون في الهيئة، واقليدس وابوللونيوس وديوفانت في الهندسة، واراتوستينواسترابون في تخطيط المدن، وسنيزيديم وشكستوس وبوتامونوامونيوش ساكلس في الفلسفة، وممن نبغ بالمدرسة الاسرائيلية ارسطبولس وفيلون، وبالمدرسة المسيحية سان بنتان وكليمان”.  (المنحة الدهرية/95).

الأغرب من هذا كله اطلعنا على أهم الطبعات لكتاب البغدادي ولم نجد ذكرا لموضوع حريق مكتبة الإسكندرية! منها أقدم طبعة وهي (الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر. عبد اللطيف البغدادي (توفي 629 هـ) . تحقيق. علي عمر. مطبعة وادي النيل. مصر 1286 هـ). في حين وردت إشارة لا تزيد عن سطر واحد في (كتاب الإفادة والاعتبار في الأمور والمشاهدات والحوادث المعاينة بأرض مصر. موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي. إشراف وتقديم: د. عبد الرحمن الشيخ. الهيئة المصرية العامة للكتاب. الطبعة الثانية 1998). فهل إضاف أحد النساخ هذه الأكذوبة للبغدادي، او أن المحققين حذفوها؟ الله أعلم بالحقيقة، ولكن النسخة القديمة برأينا هي الأصح، وربما يجد بعض المحققين مخطوطة أخرى، ويوافينا بالحقيقة.

ابن العبري

فيلسوف ولاهوتي سرياني نال الشهادة الكهنوتية على يد البطريرك (اغناطيوس داوود الثاني) وصار أسقفا في مدينة جوباس ولاقبين ثم مطرانا على حلب، وتوفي في بلاد فارس. كتب في كل العلوم كالفلسفة والمنطق واللاهوت والنجوم والفلك والطب والأخلاق والقانون والصرف، والنحو، والأدب، والتأريخ. ومن أشهر كتبه (مختصر تأريخ الدول). طبع هذا التاريخ لأول مرة سنة 1663 في مدينة أكسفورد باللغتين العربية واللاتينية بمراجعة العلّامة پوكوك. ثم ترجمه بوّر الى الالمانية سنة 1783 وهو كتاب مقتضب لا نفع منه من الناحية التأريخية، فقد ذكر موجزا صغيرا عن الخلفاء من الراشدين الى نهاية الدولة العباسية على أيدي المغول، وقد استقى معلوماته من الرواة قبله، والكتاب يتحدث عن الأطباء الذين صَحبوا الخلفاء وأهم كتبهم ومعالجة أمراض الحكام والناس معا. في الكتاب معلومات متناقضة وبعضها لا سند لها لا، على سبيل المثال ادعائه” ان ملكيزدق كان في ايام نوح وانه كان ابن شام”، في حين يذكر بعدها” ان الكتاب الالهي اعرض عن ابانة نسب ملكيزدق وتاريخي ولادته ووفاته”.

كما ضم كتاب إبن العبري أخطاء تأريخية لا حصر لها، فقد ذكر مثلا في الصفحة (18) من كتابه المختصر” أن الافرنج هم من بني يافث“، في حين ذكر في الصفحة (14) من نفس الكتاب” ان الفرنج من الادوميين“! كما ذكر” ثم وجه الى المهدي بن المنصور بخبر وفاة المنصور وبالبيعة له ولابن عمه عيسى بن موسى بعده. فأبى عيسى بن موسى من البيعة للمهدي وامتنع بالكوفة وأراد ان يتحصن بها. فبعث المهدي أبا هريرة في ألف فارس فأخذه الى المهدي. ولم يزل يراوضه ويراوده حتى أجاب الى خلع نفسه. فعوضه عنها عشرة آلاف دينار وبايع للمهدي ولابنه موسى الهادي”. (مختصر تأريخ الدول لأبن العبري/126).

أمر مثير حقا! كيف أرسل أبو هريرة (19 ق هـ ـ 57 هـ) في ألف فارس وقد توفي أبو هريرة قبل ولادة المهدي بسبعين عاما (127 هـ 169 هـ)؟ وأخطاء تأريخية أخرى هي خارج موضوع بحثنا. لم يأتِ ابن العبري على ذكر مكتبة الإسكندرية في عدد من مخطوطات كتابه المذكور، بل لم يَشِر الى مدينة الإسكندرية إلا عرضا ومنها” لما بنى الإسكندر الاسكندرية رغب الناس في عمارتها لحسن هوائها وطيب مائها وكانت دار العلم والحكمة بمصر الى ان تغلّب عليها المسلمون واختط عمرو بن العاص على نيل مصر المدينة المعروفة بفسطاط عمرو فانسرب العرب والعجملسكناها فصارت قاعدة مصر”. (مختصر تأريخ الدول/14). عن حرق الكتب أشار في معرض حديثه عن الرياضي ارشيميديسبقوله” إنه يوناني أخذ الحكمة من المصريين. وقيل ان الذي اردم اراضي اكثر قرى مصر وأسس الجسورة المتوصل بها من قرية الى قرية في زيادة النيل ارشيميديس. وللعبري مصنفات عدة مثل كتاب الكرة والاسطوانة والمسبّع في الدائرة. وقيل ان الروم أحرقت من كتبه خمسة عشر حملا”. ( المصدر السابق/38). ولم يتحدث عن عمر بن العاص إلا في حادثين بصورة مقتضبة بقوله” فتح عمرو بن العاص مصر عنوة وفتح الاسكندرية صلحا”. (المصدر السابق/101). والثاني أشاد فيه الى نحب عمر للعلماء والأدباء وتقريبهم له بقوله” عاش الى ان فتح عمرو بن العاص مدينة الاسكندرية. ودخل على عمرو وقد عرف موضع غرماطيقوس النحويّ من العلوم فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها انسة ما هاله ففتن به. وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه وكان لا يفارقه”. (المصدر السابق/103). فهل يعقل أن يقوم (العاقل وحسن الاستماع وصحيح الفكر كما وصفه ابن العبري) الذي يقرب العلماء والأدباء ويرعاهم ويغدق عليهم الهدايا والعطايا، بحرق أكبر مكتبة في ذلك الزمان؟ كما قيل حدث العاقل بما لا يُعقل فإن صدق فلا عقل له.في الخطط الجديدة لمصر جاء ما يأتي” إن إحراق السرابيوم كان بأمر من البطريق (تيوفيل) بعد توقف كثير من العلماء والأهالي، ثم بنى محل السرابيوم كنيسة سميت (اركاديوم) من اسم القيصر اركاديوس المتولي تخت القيصرية بعد القيصر (تيودوز الأكبر) وجعل فيها دار كتب جمع ما أبقته النار، وشيئا كثيرا من كتب النصرانية، وهي التي نُسب إحراقها الى عمر بن العاص، لكن لم يعلم وجه انتساب ذلك اليه، فإن هذه الحادثة لم يتكلم عليها أحد من المؤرخين في عصره من النصارى وغيرهم، ولم يظهر ذلك إلا في القرن الثالث عشر من الميلاد من كتابة تُنسب الى أبي فرج بطريق مدينة حلب، مع إنه لم يذكرها في تأريخه العام”.  (المنحة الدهرية/98).

الخلاصة هي محاولة من بطريق لرمي تهمة حريق المكتبة من قبل أقرانه على أعناق المسلمين.

من العجب انه لم يتحدث عن غزو التتار للعراق الا على نحو يسير لا أهمية له بقوله” وفيها غزا التتار العراق ووصلوا الى تخوم بغداد الى موضع يسمّى زنكاباذ والى سرّمرّأى، فخرج إليهم مجاهد الدين الدويدار وشرف الدين إقبال الشرابيّ في عساكرهما فلقوا المغول وهزموهم وخافوا من عودهم فنصبوا المنجنيقات على سور بغداد. وفي آخر هذه السنة عاد التتار الى بلد بغداد ووصلوا الى خانقين فلقيهم جيوش بغداد فانكسروا وعادوا منهزمين الى بغدادبعد ان قتل منهم خلق كثير وغنم المغول غنيمة عظيمة وعادوا. وفيها حدث ببغداد مدّ دجلتها مدا عظيما هائلا وغرق دور كثيرة وغرق سفينتان فهلك فيهما نحو خمسين نسمة”. (المصدر السابق/251).

وهنا نتساءل هل يعقل ان يهمل ويتجاهل موضوع حرق دور الكتب في العراق التي تحدث عنها جميع الرواة مفصلا، ويتحدث عن حريق مكتبة الإسكندرية؟

لإعطاء صورة عن تدوينه للأحداث خلال عام 656 هـ أي عام غزو المغول للعراق، ذكر الآتي” توفّي الفائز عيسى بن الظافر اسماعيل صاحب مصر وكانت خلافته ستّ سنين وولي الأمر بعده بمصر عبد الله بن يوسف بن الحافظ ولقب العاضد لدين الله وهو آخر الخلفاء العلويّين بالديار المصريّة”. (المصدر السابق/212). ولم يعرج على أي موضوع آخر خلال هذه الفترة المظلمة من تأريخ الأمة الإسلامية الخطير!

ذكر الأستاذ نبيل الكرخي في نقده للرواية ” الرواية تحوي على أخطاء تأريخية منها انها ذكرت أن يحيى الغراماطيقي قد عاصر الفتح الاسلامي وعاش بعده بينما تذكر المصادر أنَّ يحيى الغراماطيقي كان ميتاً في وقت الفتح الإسلامي لمصر، وهذه اول نقاط ضعف هذه الرواية وعدم مصداقيتها ، يضاف لذلك أن أبوالفرج الملطى عاش في القرن السابع الهجري أي بعد حوالي سبعة قرون من الحادثة فهو لا يستند إلى دليل معتبر في إسناد روايته ولم يذكر أي مصدر يستند عليه في روايته هذه. واما تفريق الكتب على الحمامات لغرض حرقها ، فهو عمل مخالف لأوامر الخليفة لأن تفريقها على الحمامات يوفر فرصة مهمة لإنقاذها من خلال شرائها ممن يقومون بالحرق، بالإضافة إلى ان من يقومون بالحرق هم مسيحيون يمكن ليحيى الغراماطيقي ان يؤثر عليهم بسهولة لإنقاذ الكتب. والأسهل على عمرو بن العاص هو جمع الكتب في ساحات او حتى في اماكنها وإحراقها بدلاً من معاناة نقلها وهي آلاف مؤلفة إلى مناطق تواجد الحمامات وهي مناطق متفرقة. فضلاً عن أن الكتب تصنع عادة من الصحف والاوراق التي لا تصلح لإيقاد قزانات الحمامات. فهي لا تصلح وقوداً لكي يتم إتلافها بهذه الطريقة التي تعرقل عمل الوقود الاصليللحمامات وتتلفه”.

ويضيف د. إبراهيم عوض” من المعروف أن يوحنا النحوي لم يكن عربيا، فلم يكن يعرف العربية من ثم، مثلما لم يكن ابن العاص مصريا، وعليه لم يكن يعرف اللغة المصرية، كما لم يكن يعرف أية لغة أخرى غير العربية يمكنه التخاطب من خلالها مع يوحنا النحوي، فكيف إذن كانا يتفاهمان؟ كما يُفْهَم من كلام القفطي وابن العبري، قريبا جدا من دين المسلمين، إذ هو لا يؤمن بالتثليث ولا بالصليب، فمن المستبعد أن يرفض عمرو له طلبا كهذا كان يستطيع على الأقل أن يحققه له جزئيا فيتركه يأخذ من كتبالمكتبة الإسكندرانية ما يكفى استعماله الشخصي مثلا دون أن يضر المسلمين ولا شخصه هو في شيء بدلا من أن يعقّد المسألة كل هذا التعقيد الذى تصوره الرواية، وفى نفس الوقت يتألف قلبه ولا يخزيه أمام الآخرين ممن يدينون بالصليب والثالوث. على أن الطريف لي المسألة هو أن يوحنا إنما تحدث عن حاجته هو وأمثاله إلى تلك الكتب، لنفاجا بابن الخطاب يتحدث كما لو كانالعرض المقترح هو أن يستعملها المسلمون. ولكن ما دام لن يستعملها المسلمون، بل المصريون، فما معنى أن يقول إنها إن كانت توافق القرآن ففي القرآن غُنْيَةٌ عنها، وإن كانت تخالفه فلا يصحّ للمسلم قراءتها؟ إن ابن العاص يسأله عن شيء، فيجيبه هو عن شيء آخر لم يُسْتَفْتَ فيه ولا كان مطروحا أصلا للبحث”. (مبحث بعنوان أسطورة إحراق المسلمين لمكتبة الإسكندرية).

الكتاب بغض النظر عن اختلاف الطبعات، ليس من الكتب المعتبرة تاريخيا رغم معرفة الكاتب عدة لغات تساعده كما يفترض في التوسع بالمعلومات والتنوع في المصادر والاطلاع على الروايات باللغات الأخرى التي يجيدها. كما أنه عاش في عدة بلدان وعايش عدة ثقافات دون أن يجسدها في كتابه هذا على أقل تقدير.

لذا يمكن الجزم أن الكتاب أقرب أن يكون سيرة للأطباء الذين عاصروا الخلفاء. فالكاتب لم يتحدث مطلقا عن حريق مكتبة الإسكندرية في النسخة العربية ما عدا نسخة اليسوعي التي أشرنا لها، وعندما كتب عن الفاروق عمر بن الخطاب، كان الحديث لا يتجاوز الصفحة الواحدة، ولا يتضمن معلومات اكثر من تلك التي يعرفها طالب في الابتدائية عن ظهر قلب. ولم يتحدث عن علاقة العمرين ببعضهما. وقد ذكر د. نبيل لوقا بباوي حول ما نسب لابن العبري حول قيام عمر بن العاص بحرق مكتبة الإسكندرية ” وجدت هذا الخبر في دائرة المعارف البريطانية الطبعة/11 ثم حُذف من دائرة المعارف البريطانية في الطبعة/14 بعد أن تأكد المحققون من عدم صدق الخبر”. (مقال بعنوان: هل أحرق عمر بن العاص مكتبة المستنصرية؟).

ابن النديم

عاش في بغداد وكان أديبا ومصنفا ونسحا وخطاطا وجامع كتب، ورث المهنة عن أبيه، تتلمذ على يد السيرافي وعلي بن هارون، له كتاب الفهرست الذي جمع فيه وصنف الكتب والدراسات العربية، ويعتبر ثاني كتاب في التصنيف بعد كتاب طبقات الشعراء. وهو أول من أدخل كلمة الفهرست الفارسية الى العربية. ومن المعروف عنه تشيعه، لم يتتلمذ على أي من علماء أهل السنة، كان يسمي الشيعة (الخاصة) واهل السنة (العوام) والحشوية، ويرفض استخدام تعبير أهل السنة، وكان يضيف على الأئمة لقب (ع)، ويسمي الرضا (مولانا). قال الحافظ ابن حجر” هذا أوضح الأدلة على أن النديم رافضي، لأن هذه طريقتهم يسمون أهل السنة عامة، وأهل الرفض خاصة”. (لسان الميزان5/268). وقال عنه عباس القمي” هو أبو الفرج محمد بن اسحاق النديم المعروف بابن ابى يعقوب الوراق النديم البغدادي الكاتب الفاضل الخبير المتبحر الماهر الشيعي الامامي مصنف كتاب الفهرست الذي جود فيه واستوعب استيعابا يدل على اطلاعه على فنون من العلم وتحققه بجميع الكتب، حكي انه كانت ولادته في جمادي الآخرة سنة 297 وتوفي يوم الاربعاء لعشر بقين من شعبان سنة 385″. (الكنى والألقاب/425).  يحتوي كتابه على عشر مقالات من بينها المقالة الثالثة وتضم الكتب التأريخية والسير والجغرافيا وأخبار الإخباريين والملوك والندماء وآدابهم وسيرهو وأنسابهم. لذا فهو ليس مؤرخ بقدر ما هو مصنف، نقل اسماء الكتب والأخبار. ويبدو أن تشيعه والإفراط في محبة آل البيت، ومجافاة أهل السنة بما فيهم العلماء، جعل يضرب العمرين (الفاروق وابن العاص) بحجرة واحدة، فنقل الخبر على علاته من ابن العبري وعبد اللطيف البغدادي دون سند أو تحقيق.

ابن القفطي

جاء كلامه عن المكتبة في معرض حديثه عن يحي النحوي وعلاقته بعمرو بن العاص على الرغم من احدهما عاش في الحجاز والأخر في مصر. والحقيقة ان إبن العاص لم يعاصر النحوي مطلقا. فقد ولد عمر بن العاص عام (592م ـ682م) وكان فتح مصر عام (21هـ /642م) ووقع على معاهدة الاسكندرية مع المقوقس في نفس السنة.

من الجدير بالإشارة أن العلامة (كريل) في دائرة المعارف البريطانية (ح/9 القسم التاسع 1764 ـ 1795) ذكر” من المحتمل أن يكون يوحنا النحوي قد ولد سنى 470 م، في إحدى المدينتين الواقعتين على البحر الأسود، وسافر وهو شابا الى الاسكندرية وتتلمذ على يد (أمونيوس)، ومن جماعته في الدراسة (سنبلقيوس)، و(اولمفيودورس). وانه اعتنق المسيحية عام 520 م”. ورجح ان تكون وفاته ما بين عام 601 ـ 603 م. وهذا يعني أنه إذا افترضنا سفره للإسكندرية وهو شاب بحوالي (20) عاما، فهذا يعني انه كان في الإسكندرية عام 490 ميلادي. أي قبل فتح الإسكندرية بحوالي (152) عاما، وقبل ان يولد عمر بن العاص بحوالي (172) عاما. مما يبطل الروايات كلها. كما ذكر السيد حسين القابجي في مقال له نشره عام 2010 بعنوان (أول فيلسوف مسيحي اتبع المذهب الارسططالي) الآتي” إنالفيلسوف يحيى النحوي لم يلقَ عمرو بن العاص حين فتح الإسكندرية في سنة 640 م، ولم يعش مطلقاً في القرن السابع الميلادي والذي يدل على هذا أمران:

الأول : ما ذكره يحيى النحوي نفسه في كتابه (( في قدم العالم ضد ابرقلس/579) من انه يكتب هذا الكلام في سنة 529 م . قد كتب هذا التاريخ بالحروف، لا بالأرقام ، مما يمنع أي تحريف أو غلط.

الثاني : ما ذكره يحيى النحوي في شرحه على (السماع الطبيعي) لأرسطو ، حيث ذكر يوم العاشر من مايو سنة 517 م (شرح السماع الطبيعي/703).