منذ ان قرأت كتاب الفيل والتنين للمفكر روبن ميريديث , شرعت بالاهتمام والتركيز في معرفة تفاصيل التجربة الصينية ..
منذ اكثر من ثلاثة اعوام , لم اتوقف عن متابعة فضائيات صينية ومواقع باللغة العربية , اضافة الى متابعة تقارير وبيانات رسمية صينية واخرى تصدر من المؤسسات الاقتصادية العالمية حول النمو والتطور في الصين .
ايضا كنت ارصد بدقة البرامج الفنية والثقافية في محطات التلفزة الصينية ,والتي تتناغم وتتماهىي مع الستراتيجية السياسية والاقتصادية.
وتبث وسائل اعلام الحكومية برامج ثقافية وفنية ( رسم , مسرح , غناء , رقص تقليدي ,..فنون شعبية وتراثية ) من المناطق الريفية والتي تعكس وتبرز البطولات والمهارات الفردية وتعمل على تمجيدها حتى لو كانت في اقصى قرية في اقاصي جبال الصين .
واللافت والمثير للغرابة هو ان الحكومة انشأت مسارح وصالات عرض سينمائية في المناطق الريفية وبعضها يضاهي اضخم واحدث واجمل مسارح العرض العالمية , وقد جرى تزويدها باحدث التقنيات البصرية والمؤثرات ووفق تكنلوجيا متقدمة !!

**القبائل والاعراق ..
الصينيون بدأوا من الريف على العكس من التجارب الاخرى . واستطاعوا تنظيم المجتمع الريفي وذلك بالتزامن والتساوق مع اعادة تنظيم وتطوير المجتمع القتصادي الريفي . .
تتألف الامة الصينية من 56 قومية وهذه تتوزع على نحو 2000 قبيلة كبيرة وتتفرع من كل قبيلة حوالي 30 عشيرة او قبيلة اصغر .
ويعود برنامج : التطهير والتطوير والاصلاح في الصين الى سبعينيات القرن الماضي وكان الزعيم ماو تسي تونغ هو من اطلق الشرارة الاولى ووضع نظرية التطوير من الريف . وجائت فكر التطوير من الريف عقب مجاعة ضربت الصين في اواخر الستينيات وادت الى وفاة نحو تسعمئة الف شخص ,وقد تبين ان غالبية ضحايا المجاعة هم من سكان الريف بسبب التخلف وشيوع التقاليد الرجعية .
في نهاية الثمانينات ومع مطلع عام الف وتسعمئة وواحد وتسعين نجح الزعيم دينغ زياو بينغ في ترجمة افكار التطوير الى واقع ومن خلال اليات ستراتيجية تنفذها مؤسسات الدولة الحكومية والحزبية .
ويضطلع الحزب الشيوعي بدور هام وفعال في تطبيق استراتيجية النظام والدولة عبر تنيظم الريف وتحويل هذا الجزء المتخلف الى قوة كبرى تؤثر في الاقتصاد العالمي .
وتتركز هذه الستراتيجية على اعمدة اساسية :
– اعادة تنظيم قادة القوميات والقبائل ( شيوخ ووجهاء ) وتحويلهم الى ناشطين ومستشارين يشرفون على تطبيق الستراتيجية التنموية .
– تشذيب وتهذيب التقاليد وتوجيهها نحو خدمة عملية التطوير .
– تمجيد الاشخاص المبدعين والمبتكرين والناشطين المميزين لاسيما قادة الحزب الميدانيين وتحويلهم الى نماذج اسطورية وابطال عظام يحتذى ويقتدى بهم .
– تشجيع ابناء الريف الذين غادروا قراهم الى المدن ,للعودة اليها ونقل نجاحاتهم في المدن الى المناطق الريفية .
وتشير الاحصائيات للعام 2018 الى ان نسبة العودة او الهجرة من المدينة الى الريف بلغت 40 بالمئة ( من اهداف الخطة ) وشملت علماء وتربويين وفنانين ومستثمرين ..
* في عام 1959 تبنى الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم مشروع التنمية والتطوير من الاعلى الى الاسفل وهي فكرة مشتقة من النزعة العسكرية التي تنظر الى الدولة على انها فوج عسكري ينبغي ان يقوده ضباط اذكياء ,, ولكن في عام 1961 تراجع الزعيم وقرر البدء من الاسفل الى الاعلى ولكن .. كان قد فات الاوان .. ولازلنا ندفع ثمن ذلك التخبط ..