ساد التنوع في أول دولة إسلامية أسسها النبي محمد (ص) في المدينة المنورة , وقد وضع النبي محمد (ص) أسس العلاقات بين طوائف هذا المجتمع الناشئ في وثيقة تسمى (وثيقة المدينة المنورة) .
ثم توسعت الدولة الإسلامية في جميع أنحاء الجزيرة العربية في عهد النبوة والخلافة الراشدة ,وفي العصور الأموية والعباسية والعثمانية، وفي فترة الحكام غير العرب وخلفائها.
وهكذا زاد تنوع الأمم في ظل الحكم الإسلامي، أذ دخل الإسلام أناسمن مختلف القبائل والشعوب، وخضعت مجموعات كبيرة من ديانات كثيرة معروفة وغير معروفة في شبه الجزيرة العربية لسلطة الخليفة.
ورغم اختلاف العرق واللون واللغة والثقافة والدين بين كل هذه الشعوب، إلا أن الانسجام ساد في علاقاتها مع بعضها البعض ومع الدولة والسلطان، وأصبح هناك توافق وعلاقة جيدة.. ولم يعرف المجتمع الإسلامي مفهوم الأقليات العرقية منذ قرون, باستثناء ما حدث نهاية الدولة العثمانية في 29 أكتوبر 1923.
ولم تتوقف دول العالم الكبرى عن طرح فكرة الأقليات العرقية حتى بعد استعمارها للدول العربية والإسلامية، واستمرت في متابعة المرحلة التالية المتمثلة في إنشاء الدول القومية العلمانية والوطنية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية الخاوية .
وفيما يتعلق بنشوء مفهوم الأقلية، فإن مفهوم الأقلية كمفهوم سياسي وقانوني لم يكن معروفا في المجتمعات الأوروبية قبل ما يسمى (عصر التنوير).
الذي جاء في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين ليكمل ما بدأه عصر النهضة في القرنين السابقين، كردة فعل طبيعية للظلم والقهر والاستبداد الذي كانت الشعوب الأوروبية تعاني منه على أيدي السلطة السياسية ممثلة في الملكية، والسلطة الدينية ممثلة في الكنيسة، والسلطة الاقتصادية ممثلة في الإقطاع.
أذ تقوم الحكومة على النظرية الثيوقراطية، التي يحكم فيها الملك أو الحاكم باسم الله والدين، وبحسب هذه النظرية فإن السيادة للملك وليس للشعب, وكان الملك هو الحاكم وحكمه معترف به وهو الذي يضع القوانين ويعطلها ويلغيها.
وعندما تحرر الفكر الغربي من سطوة الكنيسة وبدأ في التمرد على الفكر الكنسي والديني، تبنى نهجا عالميا وجعل من الفرد موضوع اهتمامه, ورغم أن شعارات الثورة الفرنسية كانت ذات طابع عالمي (الحرية والأخوة والمساواة)، إلا أن الفكر الغربي واجه أزمة أيديولوجية.
وعندما حاول السياسيون تنفيذ هذه الأفكار والخروج من هذه الأزمة من خلال القضاء على النظرية الثيوقراطية، طرح فلاسفة الغرب فكرة الدولة العلمانية.
إن مفهوم الأقليات في الفهم السياسي والقانوني الغربي مفهوم مهمللغاية بالنسبة للمجتمع البشري, فمجرد وجود اختلافات عرقية ودينية ولغوية وثقافية يفترض وجود تنافر وصراع بين الأقليات والأكثريات من جهة، وبين الأقليات من جهة أخرى.
كما قامت الشيوعية على وجود الصراع بين الطبقات الاجتماعية، وبين العمال وأصحاب العمل, لكن هذه الاختلافات طبيعية في المجتمع وجزء من الصراع الفكري بين الحاكم المستبد والفكر الفلسفي والاقتصادي وإرادة الشعوب الراغبة بالتغيير.
وأما ما وقع من خلافات وصدامات ضد أهل الكتاب وعدم إنصافهم فإن الشعوب بريئة من ذلك، ولم تكن إلا حالات نادرة في التاريخ الإسلامي الممتد عبر ثلاثة عشر قرنا، كما شهد ناس من المنصفين والمستشرقين غير المسلمين بعدل الإسلام وسماحة المسلمين مع غير المسلمين من الرعايا.
وأخيرا نؤكد على حقيقة لا بد من فهمها وإدراكها، وهي أن مشكلة الأقليات هي مشكلة عالمية , وأن علاجها يجب أن يكون عن طريق الدولة العلمانية الديمقراطية , لأنها هي التي ولدتها، وأما بعض الدول العربية والإسلامية التي يراد أن تكتب لها الحياة فهي تخالف ما عليه دول العالم من تطور هائل في مسار الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية .
كما لا يوجد شيء اسمه – الوطن العربي– كما روجت له الأحزاب القومية العربية – الاشتراكية في مطلع ومنتصف القرن العشرين , بل العرب هم أهل الجزيرة العربية فقط.
فليعلم الجميع أن الحكم العلماني قادم لا محالة ولا نجاه للمسلمين ولا للبشرية كلها من ظلم المتأسلمين الأصوليين ، وحينها سيعلم غير المسلمين أن الخير كل الخير هو في العيش في ظل دولة ديمقراطية عادلة لا فرق فيها بين عربي وأعجمي إلا بالوطنية وحسن السلوك .