فعلتها المقاومة، وضربت في عمق القاعدة الكبرى للاحتلال الامريكي في سورية ” التنف” عبر طائرات مسيرة ، في أول رد لها على عملية القصف الاسرائيلي الذي جاء من اتجاه التنف التي إستهدفت بعض المواقع العسكرية السورية، ففاجأت الجميع، وغيّرت بسرعة فائقة خطاب عدم الجرأة والخوف إلى خطاب القوة والإنتقام، رافضة بذلك تكريس معادلة تقول أن الضربات الإسرائيلية يمكن أن تمرّ مرور الكرام دون ردّ، فارضة في المقابل معادلة من نوع آخر، معادلة عنوانها “من يعتدي على المقاومة سنحرقه ونجعل منه عبرة للعالم”.
اليوم باتت المواجهة بين محور المقاومة والاحتلال الامريكي قاب قوسين أو أدنى، فالردود الأخيرة المتبادلة بين الطرفين كانت عبارة عن رسائل أولية محسوبة بينهما، وهنا يمكنني القول إن إنجاز المقاومة هذه العملية تحمل رسائل متعدّدة، وموجهة للكيان الصهيوني وحلفاؤه القدامى والجدد في الوطن العربي وعلى راسهم الجهاديين، الرسالة الأولى كرّس مقولة أنّ محور المقاومة لن يسكت على دماء شهداؤه، وأنّ ثأره لهم آتٍ لا محالة، مهما طال الزمن، وإنه على جهوزية كاملة لردع الإحتلال، أما الرسالة الثانية، فتنطلق من أن دمشق ومحورها المقاوم لن يقبلوا بعد الان الرعاية الامريكية للضربات الاسرائيلية ، وان الصاع سيرد صاعين، وأن الهدوء التي نعم بها الامريكي قد انتهى الى غير رجعة، وان عدم الرد على الاحتلال الاسرائيلي قد اصبحت وراء ظهر محور المقاومة. بمعنى أن المقاومة بالمرصاد وهي على أتمّ الجهوزية، لأن الأمريكي والإسرائيلي يعرفو قبل غيرهم، أنّ “مفاجآتها” قد تطالهم في العمق، خصوصاً إذا ما فُتِح الصراع أبوابه.
هذا مما دفع الأمريكيين المتواجدين في التنف إلى العيش في حالة خوف ورعب وتوترٍ، كونهم يخشون من أن تؤدّي هذه العملية إلى حرب شاملة ومفتوحة تندلع مع حزب الله وحتى مع إيران وسورية وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.
بالتالي يمكن النظر الى هذه الوقائع انها إشارة واضحة ودعوة للاستيقاظ، لذلك لا بد لأمريكا بدلاً من اللعب بكرة النار التي قد تحرق أصابعها قبل غيرها، أن تبتعد عن لغة التهديد والوعيد وشن الهجمات ، وأن تجنح الى لغة العقل والمنطق والسلام التي تدعوا اليها سورية، وذلك بابتداع لغة سياسية جديدة، تعترف امريكا بالواقع، وان ترحل من سورية بأسرع وقت ممكن.
وتزامنا مع هذه المستجدات الأخيرة، عملت أمريكا على نهب وسرقة القمح السوري بشكل يومي بالتواطؤ مع قسد المدعومة من أمريكا، وإخراجها عبر معبر الوليد غير الشرعي إلى العراق، ومن ثم بيعها والمتاجرة بها.
تأسيساً على هذه الوقائع، إن استمرار الاحتلال الأمريكي والإبقاء على حالة النهب والسرقة للنفط السوري، هو الماكنة التي ستسرع في تشكل وتكوين المقاومة الشعبية السورية الوطنية، ليجد الأمريكي نفسه أمام حرب عصابات يعجز أمامها عن تحقيق أهدافه الاحتلالية، وبذلك لن يكون هناك موطئ قدم للاحتلال ومتطرفيه مهما بلغت غطرستهم وعربدتهم من خلال صمود أبناء الشعب السوري ومعهم جنود الجيش العربي السوري في الميدان الذين يرابطون للدفاع عن بلدهم.
في الاتجاه الآخر، يعرف الرئيس الامريكي بايدن أنه في ورطة كبيرة لا يستطيع أن يمنع الجيش السوري من تحرير المنطقة من عصابات الإرهاب وفي نفس الوقت يدرك عواقب فشله في سورية، ويعرف العواقب الوخيمة التي سترتد على قواته المتواجدة فيها وفي المنطقة التي تعددت فيها مغامراته اللامسؤولة ، بالتالي سيبتلع بايدن مرغما ما تلقاه من هزائم حتى الآن، وسيتقبل بحدود الدور المقرر له بعد التطورات الميدانية في سورية، كما يعرف أن القادم أصعب بالنسبة له كونه يدرك أن التراجع في سورية يعنى الهزيمة الصعبة التي وصلت إليها مغامراته في سورية.
مجملاً… إن ساعة الرحيل الأمريكي من سورية ليست بعيدة، وقد تغيّرت سورية كثيراً عما عرفتها أمريكا عندما استقدمت داعش وأخواتها، وأن سورية دائماً من انتصار إلى انتصار رغم أنف البيت الأبيض وأعوانه، وأن سورية لن تعود إلى الوراء مهما حاول الواهمون لأن أبناءها قادرون على تخطي هذا المرحلة بكل قوة وعزيمة.