23 ديسمبر، 2024 12:25 ص

التنظيــــــر والتفكيــــــــــر الاستراتيجي

التنظيــــــر والتفكيــــــــــر الاستراتيجي

الجزء الثاني الخطأ البنيوي في المراجعات
جدلية الفكرة:
فكرة أي حزب أو مؤسسة اجتماعية هي أن هنالك واقعا ما يراد أن يدار بشكل صحيح أو أن به مشاكل وانحرافات تحتاج علاج سواء كانت سلوكية أو قيمية، أو حاجات اقتصادية أو خدمية، هذه المؤسسات والأحزاب لا تبنى اعتباطا والا ستكون تجمعات مرحلية تنفض لا رؤية لها ولا غاية، وكذلك الإدارات التي تتشكل إن لم يك لها سند وخلفية فهي ستنقرض مع أول إعادة تنظيم أو تثبت ولكن وفق رؤية مؤسساتية.
لو نظرنا إلى المرتسم، سنجد فكر أو مصدرا للفكرة كالإسلام أو الرأسمالية أو الشيوعية أو القواعد والنظم الاقتصادية والإدارية للمؤسسات، وسنجد أن مفكرا يظهر يطرح فهما مستقى من المصدر كالإسلاميين والشيوعيين مثلا، فكل المفكرين أو قادة الفكر عبر التاريخ ظهروا هكذا عندما وجدوا واقعا يعكس مشاكله في أفكارهم فيستدعون الحل من خلفياتهم التي يؤمنون بها، لهذا الحد فهو تنظير فيه نوع من الرؤية ومنهج التصدير للفكرة، ومن هذه الرؤية تأتي رؤية شاملة تفصيلية ودعامات للأفكار ووسائل إقناع وآليات ترسيخ ونشر الفكرة حتى يجري إسقاطها على الأرض تنظيميا أو كحكم حيث تظهر الحقيقة من التعامل مع الواقع فإما أن تنجح أو تفشل.
فان نجحت، المسار الطبيعي أن تراجع كقيمة ناجحة وتحتاج إلى إعادة تنظيم للآليات لاستقبال مراحل أخرى كاستكمال البنية التحتية أو الانطلاق نحو النهضة.
أما إن فشلت فهي بالتأكيد تحتاج مراجعة وليس إعادة تنظيم وهنا يكمن السبب القاتل في فشل المنظومات الحزبية أثناء مراوغتها لنفسها أنها تعيد التنظيم لان معظم الأحزاب والتي تأنف أن تستمع للنصح تعيد إنتاج الفشل وتتصور إن إعادة تغذية المعلوماتية كانت عند الجيل الفاشل وليست عند الجيل الجديد وهو يتلقى أمورا يعلم أنها لم تعد فاعلة وهنا يدخل الازدواج والتقمص وتكون بذرة النفاق والفساد أو التنحي والقعود عند من لا يستطيع الاستمرار بإعادة الدور الذي سيؤدي للفشل والتشظي بمن عبر إلى خط النهاية.
المؤسسات والإدارات:
السياسة هي صنو الإدارة ولا أقول فرعا لان الإدارة بلا سياسة تكون حرجة وروتينية ولا تنجح أمام معايير الإبداع.
فعندما تضع أي مؤسسة خطط الإنتاج والتوزيع ستأخذ في نظر الاعتبار الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والمنافسة كعوامل خارجية (وتفيد في التنظير لأنشاء المؤسسة ومهامها ونوع بضاعتها، وتنظر إلى السعر العام وعلاقته بكلفة الإنتاج والترويج وكمية الإنتاج والسعر المناسب وهذا يتعلق بالتنفيد.
أين الجدلية
العملية كلها من التنظير والتنفيد والتطوير عند النجاح تقع ضمن امتداد التفكير الاستراتيجي، وهذه الأفكار ليست متشابهة ولكنها مجموعة من الآراء إنما اختيرت هذه للتنفيد تبعا للجدوى أو الظرف، فالمؤسسات والأحزاب أيضا يفترض أن تكون مؤسسات، ولا أتحدث هنا عن تجمعات انتحلت الصفة الحزبية وهي تعتمد على شخص أو على مصلحة وقتية وهذه الأحزاب تنفض بمغادرة الشخص او انتهاء المصلحة وتتناثر بأعضائها أو يلتم حولها الذباب مادامت هنالك بعض آثار السكّر بلا رؤية إصلاحية للمجتمع أو منهج وإنما الغاية الكرسي وما يتعلق به من مصالح، فهذه اقرب إلى تجمع بشري على حفل ما وما فيه، لكنها ليست حزبا وفي احسن الأوصاف أنها كتلة انتخابية.
مراجعة الأحزاب والمؤسسات:
المراجعة عادة تتم على مستويات متعددة:
مراجعة الجانب التنفيدي: وهو متعلق بالأداء والنفوذ أو الانتشار أو عند تباطؤ الفاعلية على مستوى المنتسبين للأحزاب أو المؤسسات، وهنا تكون المراجعة للأجزاء التنفيدية، كمراجعة البنية والهيكلية والايدلوجيا والمواقع الإدارية ومن يتولاها وأين تضخ دماء جديدة وأين ترسخ الخبرة وتشخص القدرات وتقيم المستشارين واستشاراتهم كقائد مع زعماء الحراك إن كان حزبا أو مع مجالس الإدارة ورؤساء الإدارات والأقسام والفروع بأنواعها، وهذه العملية تتم بشكل مبرمج ومستمر من خلال (المتابعة) من المعنيين وتقاريرهم وما يمكن أن يعدلون في المسارات، وتكون بذلك المراجعة التي تتم عن طريق (الرقابة)، ومن المعلوم أن المتابعة جهاز يسمى خطأ الرقابة الإدارية في المؤسسات، والحقيقة انه متابعة سواء على صعيد التنفيذ الفني وكذلك المالي والإداري حيث واجب الرقابة والمالية تصويب أو تبويب التكاليف أو الخطوات التي يقوم بها المدير من اجل انسيابية العمل وصواب الإجراءات والشفافية، فالواجب متابعة وليس رقابة، أما الرقابة فهي تأتي لتقييم الأداء وحصر المعطيات من اجل بناء موازنة على قيم حقيقية تتيح للمخطط أن يعرف متى إمكانيته الاستثمارية أو التوسع أو الانكماش الاختياري، ذات الشيء ينطبق على مؤسسات الأحزاب الرصينة التي غايتها البلد والشعب وأحداث تقدم مدني وتقني في حياته.
مراجعة الفكرة والمفكر والرؤية الأساسية:
هذا غالبا ما لا يحصل في الأحزاب والمؤسسات وبالتالي مزيدا من الفشل في طريق التقدم نحو الأهداف، فالمفكر قد يكون فكر لظرف ما تغير ووضع الرؤية العامة ولكن عند التنفيد حصل خلل أو التابعين له جمدوا ولم يجددوا.
وهذا من خلال الدراسة لا يحصل بل يصمم العمل الانتخابي على تفكير سطحي والرؤية نفسها يصر عليها رغم عدم صلاحيتها للدولة وقد تصلح لجوانب في الإنسان لكن ليس للدولة، أما المؤسسات فمراجعة فشلها قد يتطلب تغيير مدير عام أو وزير وربما النظام ككل الذي يقوده حزب السلطة، وهذا بطبيعة الحال من المحرمات، من اجل هذا نرى الرتابة والدوران حول الذات والتجديد يعني عمليا إعادة الفشل من جديد وبأفراد جدد
خلاصة القول:
إن ما ذكرناه أعلاه خطأ بنيوي تخطئ به الأحزاب الرصينة وتضيع فرصة الإصلاح وتعادي نظم تمتلك قوة لوجستية بدل أن تتعاون بشكل وآخر على تحسين أداء تلك النظم أو على الأقل الاشتغال على تحسين الشعب وإدراكه، ويرجعون التنفيد وأين أخطأوا بجزئية كاستحصال أصوات في انتخابات، لكنهم لا يقتربون من الرؤية والفكرة المركزية، وهذا أيضا مرض المؤسسات.