18 ديسمبر، 2024 5:52 م

التنظيــــــر والتفكيــــــــــر الاستراتيجي

التنظيــــــر والتفكيــــــــــر الاستراتيجي

الجزء الأول/ انطباعات قاتلة
الثرثرة ليست تنظير:
الأحكام العامة هي داء في المجتمعات المتخلفة، لانها لا تعتد بافتراض المصداقية عند الفرد فيحاول أن يبين انه يمثل راي الناس أكثرهم، أو المكانة الاجتماعية أو المكانة العلمية لداعم رايه لإقناع الآخرين، غير منتبه أن اكبر العلماء بشر سقطت نظرياتهم التي اكتسبت الرصانة بمكتشفات احدث منها، التنظير من المصطلحات التي يستخدمها اليوم أشباه المثقفين لتسفيه راي نخبة المثقفين وهم ينجحون في إبعاد الناس عن تبني راي ينفع الأمة وجهد ضائع، لقد خسرنا كثير من الأفكار عندما يصدر إنسانا عاديا أو مثقفا اقل قدرة من مفكر حكما قاطعا مانعا محرجا بان ما يقوله فلان هو تنظير ويعني بها أمورا غير مفهومة ولا تطبق، ذلك لانه يجهل معنى وأبعاد التفكير الاستراتيجي. وهكذا نجد أن في مراحل مهمة من عمر البلد الغي التخطيط كوزارة، وبالاستخفاف والتسفيه فقدنا كما من الأفكار كانت منطلقات لحلول بعقلية أصحاب القرار أو من أوكلوهم؛ فكانت مراكز الدراسات لا تعدو كونها ميدالية أو زهرة تزين سترة تشكيلاتهم التي لا ترتقي إلى تنظيم ناهيك عن حزب، بينما العالم يسير حثيثا مستندا على مخرجات هذه المراكز التي تضع الأفكار وتنسق لتهيئ للتخطيط المحكم (الاستراتيجي) وهنا يبدأ خلط آخر ما بين الاستراتيجية والتكتيك وبين الرقابة والمتابعة والعملية الكلية كموازنة وبين معادلة الميزانية ولا يقصد هنا الجانب المالي فقط وإنما المعطيات والموارد.
التفكير الاستراتيجي والتخطيط المحكم:
التفكير الاستراتيجي هو تنظير في الموازنة لانه ينظر إلى الأفكار المتاحة من خلال دراسة واقعها وقراءة الحاجة وبيئتها المحيطة، أما من يتحدث بارتجال وبالمفروض أن يكون من باب الانتقاد وعدم الرضا فهذا ليس تنظيرا بل تفكير متعدد الدرجات، يبدأ من التحسس ومحاولة الحل والانتهازية والى التفكير النقدي وهنا تظهر مشكلة الأمة في التحول نحو التفكير الفلسفي أو الاستراتيجي بالتسطيح والهروب من الجوهر.
فالتنظير إذن تحتاجه الأمة لانه دفق فكري لكفاءة المنظومة العقلية البشرية وهو من مخرجات موارد أي بلد إن دخل في التخطيط المحكم (الاستراتيجية)لذلك البلد.
الفرق بين التفكير الاستراتيجي والاستراتيجية التي باتت لا تقتصر على التخطيط العسكري والتي يمكن تعريبها إلى (التخطيط المحكم) هو ان التفكير يكون في مرحلة العصف الذهني لمواجهة أي مشكلة ومن أناس مختصين أو لهم اهتمام عميق بالموضوع، لكنه لا يبحث في التفاصيل، أما الاستراتيجية فهي تبحث في التفاصيل والأليات المتاحة والأدوات، وإمكانية توفيرها سواء محليا أو استيرادا وتحسب الجدوى الاقتصادية وتجري مفاضلة بين الجدوى وإلحاح الموضوع أو تغيير معاملات الجدوى لتأخذ في الاعتبار الحاجة للفكرة كقيمة عددية موجبة لصالح التنفيد، المشكلة الحقيقة عندنا هي استيعاب الذات المنفردة لذاتها ووضع الإنسان نفسه في الموضع الصحيح، اهو عالم أم متعلم وأين أكون عالما وأين أكون متعلما، هل وانا احكم على الأشياء والأفكار مستوعب لها كتفاصيل ومآلا؟
عليه يمكن وضع التعريف للتفكير الاستراتيجي، أو التنظير كما يلي:
التفكير الاستراتيجي: هو مرحلتان تنظير للكلية المستقبلية لا تلتفت إلى الخلف تفاعلية وهي أيضا منظومة تؤطر وتتفاعل وتتأمل وتستنتج، والمرونة سمة في التفكير الاستراتيجي لانه لا يبنى على ثوابت وإنما هو ما بعد الهدف ترسم خارطة النوايا التي نزمع القيام بها، وعندما يحين الوقت سنجد مجموعة كبيرة من مخرجات التفكير وهنا تبدأ مرحلة تخطيط محكم ترشح الخيارات وتتبنى اقربها لهذا الواقع كي نعبر من جديد لتخطيط مستقبلين فالتفكير الاستراتيجي ليس هو ما يطرح من دوارات حوارية تعاد دوما وتلاحظها اليوم في مجموعات العالم الافتراضي والواتس تغيب سنين لتعود وتجد نفس الأسئلة ونفس الأجوبة وكل يغرد على ليلاه وهي ترفض أن ترتقي بالتفكير إلى الصواب، وإنما تأخذ بفكرة الجهل المتغلب.
الأحزاب في عالم التفاهة:
اليوم وكما اعتاد الإعلام توصيف الأحزاب أنها دكاكين، محض مكاتب متقدمة لمصالح مبهمة، لا علاقة لها بالدولة وبناء الدولة وإنما تفكر بالسلطة وتقاسمها لا الرؤية وكيف تنفدها، فهي تجمعات مصالح أفراد يضاف لبعضها صبغة أيديولوجية، وغالبا ما تكون محض صبغة وليس سمة تنعكس على السلوك، فهي تنقل اسم بلا القيم، ويتساوى بهذا العلمانيون (كما يسمون انفسهم) والإسلاميين (كما يسمون انفسهم) وهذا ليس في بلد هو من مخرجات الاحتلال كالعراق فقط بل في كل الدول التي تتمسح بشرعية الديمقراطية، هذه الأحزاب عندها مراكز دراسات، ولكنها شكلية ليست مؤثثة بالمنظومات العقلية وإنما بمجموعة مداهنة لا تحل مشكلة تمتدح بعضها وتخرج بنتيجة واحدة، إننا على صواب وقيادتنا فذة ونظيفة وان الشعب غير مؤهل وهو شعب فاسد، هذا في الغالب، من اجل تبرير اغتصاب الحقوق واهمها الأهلية التي تغتصبها الحكومات التي يحكمها طاغية أو دكتاتور، سطحية لا تنتج بل تؤخر لانها ستعتبر الشعب أو شرائح منه هي العدو وبالتالي لا تبنى الأمة ولا تبني الدولة
الأحزاب الحقيقية لديها رؤية وبرنامج يرتكز على التفكير الاستراتيجي والتخطيط المحكم ولديه فكر وايدلوجيا، ومركز دراسات وتقويم وتأهيل، هذه الأحزاب تبني أناس يسعون لقيم أخلاقية وخدمة عامة، وفقدان هذا التنظير الذي يستهزئ به يجعل الأمة في تراجع وفساد وضحالة بالمتصديين للعمل السياسي ويتحول المسئول من أجير إلى باحث عن التربح ويتحول القانون لحماية المكاسب وجعلها في تشريعات.
المكاسب تجذب الانتهازيين والمستغلين وتبعد فرص الصادقين، ففي الغالب الطبقة المثقفة والعلماء وأصحاب الفكر اقل الناس قدرة على المماحكة والدفاع عن أنفسهم أمام الأساليب السوقية.
وهنا سنتحدث بالجزء الثاني عن المراجعات.