18 ديسمبر، 2024 11:56 م

التناوب على البلادة والغباوة

التناوب على البلادة والغباوة

كثيرا ما يقول بيير بورديو “بأننا آليون بنفس الدرجة التي بها نحن أرواح”
ومن هذا المفهوم للآلة إي الجسد وبما له من ارتباط بالسلطة والعلاقات المبنية بالعادة وبالعنف وكوسيلة وحيدة لإخضاع الأفراد وتطويعهم وجعلهم ينحنون أمام أصاغرهم سنقول مع نيتشه ، “ما الذي يجعل الكائن الحي يقبل بأن يطيع ويأمر وفيما هو يأمر يضع نفسه في موضع المطيع؟” زمن الإنسان الذي يأمر نفسه ويدفع ثمن أوامره، هو زمن الإنسان الأكثر حقارة؛ زمن انتصار أخلاق العبيد وروح الانتقام السياسي حيث يتم التناوب على البلادة والغباوة بين عبيد (أكانوا بيضا أو سودا) في العراق اعتقدوا أنهم تحرروا من العبودية باحتراف السياسة، هم من فصيلة البراغيث احتقروا الجسد والأرض … اختلسوا المال العام وتحايلوا على القوانين وكلما ازدادت ثرواتهم ازدادوا أكثر فقرا وبؤسا بسبب طمعهم في ولاية ثانية او ثالثة لكي يتستروا على هذه الاختلاسات ….. وبين أغبياء آخرين جدد، تقدموا إلى لانتخابات حاليا فقط من أجل تكديس الثروات كما فعله الحاليون؛ يدعون النبالة والإرث السياسي؛ هم أيضا، في إطار أخلاق العبيد وروح الانتقام، يصغرون كل شيء، يستهينون بالجسد العراقي بابتداع عالم بيروقراطي أكثر سموا من العالم السماوي الوافد عليهم إلى حد أن بعض الأميين منهم يوهمون أنفسهم بأن قيادة البشر لا يفترض أي مستوى ثقافي ولا سياسي وأن تسيير وتدبير أمور البلد قد يمر بدون محاسبة ولا محاكمة. يخادعون أنفسهم بأن من يملك فضيلة “الكذاب البارع ” سيستطيع، و بالتحايل على القانون، مراوغة الجهاز القضائي والعدالة؛ بعضهم مهرجون ماكرون يتسترون على حقيقتهم بتمويه الناس -خاصة النساء- بالتصويت لصالح حزبهم او كتلتهم ( وما علاقة النساء بمسائل الحزب والانتقامات أو الحزازات الشخصية ) … عند هؤلاء أيضا فالغباء قد يأخذ شكل التستر على الغباء، هم أيضا يريدون الرجوع إلى أخذ مشعل الغباء السياسي أو التناوب عليه ! قمة الغباء والبلادة هو جعل مصير كل الشعب معقود على حبل فوق هاوية؛ فالعبور من شمال البلادة إلى جنوبها أمر تراجيدي خطير: خطير هو النظر إلى الوراء وكيف سادت أخلاق العبيد (اكانوا بيضا او سودا) وكيف تسيد العبيد… خطير هو التفكير في المكبوت وارتعاش الاختلاسات؛ وخطير هو التوقف والمحاسبة وحكم الشعب او الانسحاب من السياسة…
ويا له من انهيار في السياسة والأخلاق: لم يسبق للعراقيين أن انحطوا إلى مثل هذا الدرك من السياسة: فأغلب الذين تقدموا إلى الاستحقاقات الحالية وإلى جانب أميتهم في السياسة ودناءة مستواهم الثقافي، هم على مسافة من دواتهم الاجتماعية والأسرية؛ ولم يتقدموا إلى الترشيح إلا من خلال الوهم الذي كونوه عن أنفسهم و عن الانتهازيين في المجالس النيابية السابقة: هم يحلمون بتكديس الثروات وامتلاك الشقق والسيارات الفاخرة كما فعله السابقون من خلال التحايل على القانون وسياسة اقتصاد الريع؛ منتفخون بغرورهم إلى حد اليقين بأن المجلس السابق سينفلت من المحاسبة والعقاب بعد المحاكمة. ويا لها من أخلاق العبيد وبؤس الوجود؛ كان فوكو ( في جينيالوجية الذات) على حق حينما أعلن أنه ” نظن أننا فاعلون أحرار لكننا منتجات تاريخية
” . العراق ، كنموذج مثالي للغباء السياسي، حيث احتكار الكفاءة السياسية واحترافية السلطة من طرف أميين جليديين في طبعهم ومن خلال ديموقراطية الصناديق – كديكتاتورية الخبراء والسوفسطائيين الديماغوجيين يتاجرون بمعارفهم في البيروقراطية لإغراء الرأي العام بدون الاهتمام بحقيقة البلد – هذه البلد ينحط سياسيوه إلى درجة العاهرات ويتدنى مجلس النواب الى وكر للعاهرات وتتدنى النخب الاعلامية وفاعليتها الجمعوية (مثقفون سلبيون موالون لمجلس الريع يحصدون مبالغ مالية هائلة باسم دعم جمعيات المجتمع المدني) إلى منزلة الدواب والرعاع: لا أحد يستطيع التمييز بين الحقير والعظيم…لهم أقنعة الصالحين على وجوههم فيخادعونك بجلود إلهية تحتها ثعابين منهم من يستطيع أن يوفق بين نظرات الجلاد ونظرات كلاب الصيد ويدعون أنفسهم بالصالحين والعادلين؛ فحتى الجرأة تنقصهم على تصديق أنفسهم: منافقون ، كذابوين ومثلهم مثل أكثر الحشرات سما يلسعون بكل براءة ويكذبون بكل براءة: “فالذي لا يصدق نفسه، يكذب على الدوام” صرفت الملايين والمليارات في ملاعب القرب واوكار الفاحشة وتبذير السفهاء .ومنهم من يتخذ الصمت سلاحا ومنهم من تعبت حنجرته (من يستخدم حنجرة غيره سيتعب اخيرا) وبخل حتى باتعاب حنجرته عن من ينتظر منه الخلاص (وهل سيضحي ويعتق عبيده هو الاخر ).