5 نوفمبر، 2024 4:53 م
Search
Close this search box.

التنازل …يتبعهُ تساؤل ؟

التنازل …يتبعهُ تساؤل ؟

تنازل السيد المالكي عن رئاسة الوزراء علناً وجهراً للسيد العبادي، يثير اكثر من منعطف ويترك لنا سيناريوهات متعددة عن متغيرات ماقبل (التنازل) تلك الكلمة التي اطلقت في عواجل وسائل الاعلام وفي ثنايا خطاب السيد المالكي الاخير . والتنازل كلمة اختزلت المشهد السياسي العراقي الاخير على ضوء اشكالية الانتقال السلمي للسلطة، وبيان الخلاف الدستوري في تسمية الكتلة الاكبر وما تعنيه من تمثيل ومن اعباء ومن حلول ومن تغيير ومن ارادات محلية ودولية، ومنها الاكثر سطوة وتأثيراً المتمثلة بالدرجة الاولى  بالمرجعية الرشيدة، والثانية بموقف الولايات المتحدة وايران والمجتمع الدولي.
    وعلى خطى ترميم ما حصل من منزلق في تسمية السيد العبادي وما تبعه من سيناريوهات فعل التحالف الوطني في اطلاق التسمية المفاجئ (كما يُصرح نواب كتلة دولة القانون ) وربما خارج الاتفاقات بعدما عجز  على الاتفاق الهادئ والاجماع على تسمية شخصية تحظى بمقبوليتين الاولى للفضاء الوطني والإقليمي والدولي، والثانية لأغراض الاستحقاقات الانتخابية وعدد النواب والاصوات وهكذا مر السيناريو .
   وعلى خطى تصاعد الازمة بمن يرى انها دستورية والاخر يراها تجنياً على الاخر، خرج السيد المالكي قبل (24) ساعة من التنازل، ليعلن امام كبار الضباط من ان المحكمة الدستورية ستأخذ مجرى القضية وستحسم الموضوع وبقائي في السلطة لحين البت، من جانبها المحكمة الدستورية اعلنت( انها تريد المزيد من الوقت لجمع الادلة الثبوتية ودراسة القضية) ليتحول التكليف وكأنه مشكل جنائي او مدني، في ذات الوقت كان مسار تشكيل الحكومة الجديدة على ذمة السيد العبادي يسير على قدم وساق ، بعدما صرح على ان يداه مبسوطتان لجميع الاطياف، وان الحكومة الجديدة ستأخذ شكل تكنوقراط وبتقليص حاد للوزرات ، لازال المشهد سائرا بشكل محسوم لدى قاموس الراي العام على اننا سندخل (مسرح حكومي جديد) بعقلية وافق وضوابط جديدة، ليس من شانها ان تعيد لنا مآسي الماضي من الفشل والتخبط والفساد والضعف والانهيارات الامنية، هكذا سارت الامور بين اكثرية الناس بالتفاؤل وبالدعاء على ان جديداً لحال العراقيين سيحصل لاسباب ، موضوعية ام عاطفية كلها مرتبطة بالتجديد وفرضية ان التغيير حتما سياتي بحال افضل .
وكانت اشارات متعددة تنطلق للسيد المالكي على ان الامر( محسوم) وان المعركة او(الازمة) التي اسماها دستورية لم تشفع في العودة الى نقطة الخيار الاخر، او الارتجاع للخلف بعد تكليف رئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم مرشح نال تأييد جميع الاطراف الكبرى والصغرى، واستعد العراقيون والدوليون نفسيا الى انتظار كابينة العبادي الوزارية ،امل في لملمة جراح العراقيين والاتجاه الى تحرير مناطقهم من داعش ومن عصف الارهاب والكراهية والعنف .
  لم تمضي ليلة الخميس حتى اعلن السيد المالكي مع جمع من الفصيل الاول لدولة القانون على التنازل من السلطة( رئاسة الوزراء الى السيد العبادي ) بتحول دراماتيكي فائق السرعة، وليعلن سحب شكواه من المحكمة الاتحادية حول الامر، التنازل هذا وطريقته بالطبع يثير اسئلة متعددة، منها (كلمة التنازل) بحد ذاتها تشير الى ان هناك(حق لطرف يتنازل عنه لطرف اخر) بعدما ثبت بالإسناد والنص، لكننا مررنا ( بعاطفية سياسية ) غاية في الدراما وغاية في التسطيح حينما يترك الموضوع ( بخواطر الكبار والترضية ومجالس المحبة على قضية وطن ودستور وهيبة دولة ) فاذا كان السيد المالكي قد تنازل من وجهة نظره عن منصب ، فان الحقيقة السياسية والشرعية والدستورية ( وكما قال السيد المالكي لا يجوز ان تبدأ بخطأ دستوري ) ستبقى مشوه ومخفية كألغاز التاريخ السياسي،ويكفي التاريخ العراقي الغاز واحاجي من ضرب التلاعب بالحقائق لأجل التاريخ والسمعة وذاكرة الاجيال .
سؤال تاريخي …كيف جاء رئيس وزراء العراق عام 2014، ماذا سيقول التاريخ بعد عشرات السنين، هل يقول تنازل فلان لفلان، ام ان طرفاً ما، كان غير دستوري واغلقت القضية بمصالحة وخطاب امام كاميرات الاعلام، من ناحية الحق الديمقراطي وحق الحصول على الحقائق وخاصة العجلة السياسية ، اعتقد مازال التساؤل قائم، لماذا يصبح في قاموس العراق السياسي( اهداء او تنازل مهمة او تكليف او واجب) وانا لا اسميه سلطة، هل لاننا تعّونا ان نذبح الحقائق ونلتف على الاكثر حاجة للفهم والتحليل والوضوح ، لماذا نغلق الازمات بدراماتيكية مفاجأة تحت مسميات عاطفية وليست عقلية ،حتى يمكن ان نغادر الخواطر وتقسيمات الرضا والتحاصص على حساب التربية السياسية والمواطنة وقوة الدستور وهيبته ؟ التنازل …كلمة دخيلة في عالم السياسة لا في العراق ولافي مكان اخر، وبالطبع تلك الكلمة التي لا اعرف كيف سيذكرها التاريخ، وكم ستاتي لنا بمصائب وفروضات واستحقاقات حزبية ومناطقية ورضائية، مِن مَن نخشى ان نسمي الامور بمسمياتها ونعود لنلتف على الكلمات ونتأسى على قادتنا وهم محرجون امام الكاميرات وامام الراي العام بعدما اخطئوا او تأخروا او لم يعدلوا مثلا في الاختيار، من يدفع فاتورة اللعب السياسي هذا… والتأخير والتأثير على مسار قوة الديمقراطية والتعددية في البلد …وكل ما اخشاه من هذا المشهد المحرج ان ان تأتي تلك الكلمة ( التنازل ) بمزيد من الخسائر على تشكيل الحكومة ومؤسساتها ، وان لا تخضع الى مساومات او شروط او متغيرات تحرف مسار الهمة والارادة التي رسمها كُثر العراقيون لكابينة السيد العبادي ،وان لا تكبل حريته في اختيار وزراء تكنوقراط واصلاحات تعجل بنا الى بر الامن والامان والتنمية المسرعة، ان لا يعد هذا دينًا على احد او عطاء ينبغي ان يُرد، وبالتالي ندور في فلك (لأجل العيون ولأجل الموقف ولأجل الحزب والشخص) املي كبير ان نسير الى التجديد والى مسار مختلف نضع لبلدنا اولويات مجردة من اية ضغوطات او مواقف ….فلدينا حزمة ثقيلة من الازمات اولها النازحين الذي كفل كرامتهم الدستور مرورا في استرجاع كل شبر استولى عليه داعش …ومع كل ذلك لابد ان نعرف ايضا شرعية كلمة( التنازل) من المحكمة الاتحادية ..باعتبار ان التوضيح سوف لا يغير شيئا مادام التنازل قد مضى …هل تنازل( عطاء) من المالكي ام استحقاق  للعبادي ……….فهناك فرق.. …فرق كبير ومفصلي لمسار السياسة في العراق …( والدليل كما وصفه السيد المالكي في احدى خطاباته الأخيرة وصفا مخيفاً) فهل من يجيب التساؤل؟؟؟ عن التنازل .

مركز حمورابي للابحاث والدراسات 

أحدث المقالات

أحدث المقالات