بعد رفض المجتمع لهدر امواله بامتيازات رواتب وتقاعد مجلس النواب وغيره وبين المجتمع العراقي فما نراه اليوم ليس من المستغرب في هذه الظروف أن تفقد الكلمات معانيها وأن تفرغ من مضامينها التي تكفل لها قيمتها الاجتماعية فالكلام ذوقدسية ولكن حين ينبئ عن عمل ونشاط لا عن مجرد رصف للألفاظ كما يحدث في الخطب الانتخابية اليوم والزايدات السياسية فالمجتمع المتحفز إلى النهوض يخلد دائماً إلى ما تقدمه إليه الاتجاهات الحرفية من ثروة جديدة ذات أسر وجمال خلقي تنفع بها الاخرين وهنا يبدأ الكلام وكأنما يخون رسالته إذ أنه بدلاً من أن ينشط جهد المجتمع في سبيل مضاعفته الضرورية لمواجهة أعباء الحاضر ينحط به إلى درجة لا تكفي إلا لكسب سياسي أو ضمان مركز .
ولكم رأينا أناساً يتصدرون الحياة العامة فيتناولون الأشياء لمجرد التفاصح والمزايده والتشدق بها لا لدفعها ناشطة إلى مجال العمل فكلامهم على هذا ليس إلا ضرباً من الكلام مجرداً من أية طاقة اجتماعية أو قوة أخلاقية على الرغم من أن هذه القوة هي الفيصل الوحيد في المواقف الفعالة الأخلاقية والمادية.
فالمرء عندما يبلغ دور الاكتمال يضغط على نفسه ويخالف ما درج عليه محاولاً بذلك تعديل وضعه وحينئذ يصبح كلامه إرادة وعملاً يدلان على وجود علاقة بين الكلمات والوقائع فإذا ما انعدمت العلاقة بين الكلام والعمل أصبح الكلام هذراً.
ولو لم تقر في أذهاننا صلة الكلام باعتباره صورة للفكر بالعمل باعتباره صورته المادية فلن ندرك من باب أولى العلاقة العكسية بين العمل والفكر وبذلك نفقد تلك الحركة الجدلية التي تنتقل حين تواجه مناقضاتها إلى برامج جديدة في عالم العمل الاجتماعي لكي تواجه مناقضات أخرى تؤدي إلى كل ماهو جديدة … وهكذا …
من هذا المثال وغيره نرى أن الحركة الاحزاب اليوم لم تتجه نحو الآمال ووسائل أدائها بل اتجهت إلى الأشكال والأذواق والحاجات التي تمس سياساتها الداخلية وقد يحاول زعماء هذه الحركات والأحزاب أن يلصقوا أسباب عطلهم بالاستعمار وغيرها من ساذجات القول ولكن ذلك ليس إلا ضرباً من التعلل إذيقصدون بذلك الهرب من مسؤوليتهم الحقيقية ولقد شاركهم في تعللهم أيضاً رجال بلباس الدين يقولون نريد الإصلاح أولئك الذين لم يبحثوا مطلقاً عن الأسباب الداخلية لعجزهم بل اكتفوا بإسناد التبعة إلى بعضهم البعض والمجتمع ايظا فالتياران كلاهما لا يهتمان بعلاج نقائصه بل لقد جهد في سبيل إخفائها عن الشعب .