إذا كان ثمة من يريد أن يتحدث عن الوضع العراقي فهو لم يعد خافيا على احد ولن يحتاج إلى محلل سياسي ليوضح لنا صورة ما يجري ولم يبقى فينا من يحتاج إلى قراءة مستقبل العراق وليس هناك من يستطيع القول انه قادر على أن يصنع شيء ما في مستقبلنا وان يكون مؤثر فيه بشكل قاطع من كبار اللاعبين وصانعي القرارات من المحليين أو الإقليميين أو حتى العالمين لا قصورا أو انتقاص من احد قريب أو بعيد ولكن لتقاطع المصالح واتساع الهوة بين الشركاء في الوطن هنا في العراق أو أصحاب المصالح الكبيرة التي تطمح للسيطرة عليه ومن يسب ويشتم ويخطئ الآخر في وسائل الإعلام لا نلبث أن تجده صديق حميم لمن شتمه بالأمس وربما يعتبر البعض منا هذا ضرب وفن للسياسة الجديدة التي يعتبرونها بلا أخلاق وطبعا هذا غير صحيح ومن يعمل ويتمسك به إنما يحاول تبرير تصرف خاطئ أو فشل في موقف ما وإفلاس سياسي وإلا لما كانت الاتفاقات والمواثيق الدولية والأحلاف ولما كانت قد استمرت لعقود من الزمن وإذا كان السياسي العراقي يتبع مصلحته أو يغير موقفه بناء على ما تقتضيه مصلحته أو مصلحة حزبه أو معتقده وانتمائه فيجب أن لا يكون ذلك على حساب الوطن والوطنية ونحن هنا نحاول البحث في الوضع العراقي تحديدا بكثير من الحيادية والجدية ونحاول مع القارئ الكريم أن نقف عند مشهد مؤلم تحدثنا فيه بصوت عالي بعد أن آلمنا كما آلم كل ذي شعور إنساني وحرمنا عن الاستمتاع بفرحة عيد الله ناهيك عن مأساة مئات العائلات العراقية التي عانت من فقد أحبتها ليس في تفجيرات الكرادة أو تفجيرات مرقد السيد محمد الطاهر أو غيرهما أو على جبهات القتال مع أنذال العصر وعهرته الأقذر في تاريخ البشرية المعروف من أتباع تنظيم داعش ومن على شاكلتهم ممن تتقزز النفس من ذكرهم وذكر أفعالهم الجبانة فحسب بل نحن فقدنا طعم الفرح والأمان منذ زمن بعيد ودفعنا ثمن العنجهيات وفتل العضلات كما عانينا من قسوة قلوب من استقوى واستعلى علينا كشعب رغم كرامتنا العالية والغالية ورغم أصولنا الطيبة التي تلزمنا بالتحلي بالصبر وبالأخلاق الفاضلة حتى مع من أساء إلينا .
المهم إن التفجيرات الأخيرة رغم ما سمعنا وقرأنا فإنها تحمل كما حمل غيرها طابعا إجراميا يطوي بين ثناياه خيانة لابد أن يحاسب من اقترفها فنحن كمواطنين حين نسير في شوارع بغداد الحبيبة أو نتنقل بين مدن بلدنا نتعرض لكثير من المضايقات ونصطف في طوابير السيارات التي تهدر وقتنا ولا نعترض على ذلك آملين في التنعم بالأمن والأمان وقد أقنعنا أنفسنا إن التفتيش في المفارز والسيطرات الأمنية هو وسيلة لحمايتنا فأيدنا العمل بها وباركنا لمن قام بها ودعونا الله عز في علاه لحماية أبنائنا الشباب من الشرطة والجيش وأعانهم على تنفيذ واجباتهم ولكننا دون سابق إنذار نفقد أعزة لنا في تفجير انتحاري هنا أو سيارة مفخخة أو عبوة ناسفة هناك تذهب ضحيتها دمائنا ويظهر لنا من يبرر تلك الأعمال ويستخف بعقولنا بما لا يقنعنا ويطلب منا السكوت وربما يطلب منا الاستعداد لاستقبال جرم أعدائنا الجديد فهل كتب علينا الأقوى منا أن ننتظر الموت صبرا دون ذنب إقترفناه .
حسنا فعل السيد محمد الغبان وزير الداخلية ويستحق أن نشيد به إذ قام بتقديم استقالته إلى السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي وهذا موقف يحسب له ليس لأنه أعلن استعداده عن تحمل كافة تبعات العمل الإجرامي في الكرادة ولا لأنه قد قصر في حماية المواطنين أو تنفيذ ما أنيط به من واجبات بل لأنه حياه الله وبارك فيه وبأصله فتح باب حديديا محشوا بالكونكريت والخرسانة شديدة القوة ومقفل وكان موصد ولا يفتح إلا بقدرة القادر القدير فقد كان المسئول في دولتنا يتمسك بالكرسي لأسباب كثيرة ولا يتخلى عنه مهما كان الثمن إلا حين يفارق الحياة وفوق رأسه شعار يتحدث عن الديمقراطية وكان السادة أصحاب الكراسي العالية لا يعترفون بتقصيرهم وكانت أمور كتلك التي نتجت عن التفجيرات تشكل لها لجان تحقيقية سرية لم نعرف نتيجة أي منها أبدا فنحن دائما نجهل كل شيء عن أي تفجير إلا اتهامات يتبادلونها قادة البلد على وسائل الإعلام لا احد يأخذ بها من الجهات المعنية ولا نعرف مدى صحتها أو كذبها والغاية منها وما يطرحه شهود العيان الناجين من التفجير لا تعدو عن كونها مادة إعلامية للقنوات التلفزيونية تزيد من معاناتنا وتعاطفنا مع الضحايا وعائلاتهم وذويهم ورغم كل ذلك لا نسمع مقترحا واضحا لحماية شعبنا ويمنع تكرار ذلك مستقبلا يقدمه مسئول أو مثقف أو معني بالشأن الأمني العراقي ولم يقدم في يوم ما إلى الجمهور من يتحمل مسئولية الخرق الأمني في أي سيطرة من تلك التي تعبرها سيارات الإرهاب الملغمة .
نعم فتح السيد محمد الغبان بارك الله فيه باب يجب أن يحتذي به كل من له مساس بالشأن الأمني أو غيره ومن لا يجد في نفسه الكفاءة في أداء واجبه ليس في المجال الأمني فحسب بل في كل مرافق الحياة في بلدنا الحبيب وما أكثر من يقصر ويعتد برأيه ولا يستمع إلى نصيحة المخلص ويجب أن تكون هذه الخطوة فاتحة خير وسنة حسنة يعمل بها كل مسئول أو قيادي في الدولة وحتى في الأحزاب السياسية ولا تقف عند هذا الحد فقط بل يجب أن تتعدى هذه الممارسة إلى ثقافة متابعة الخلل بشكل علني وشفاف ومن الأفضل أن يشارك فيها أبناء الشعب من الوجهاء في المدن المعنية بشكل مباشر تبدأ من اصغر موظف أو عسكري يخون العراق ويتسبب بالخلل إلى أعلى مسئول في الدولة دون اهانة أو تجريح بشخص أو أشخاص المعنيين كما يجب أن نستمع إلى كل الملاحظات البناءة ونحترم كل المقترحات ونأخذ بما يصلح منها ويجب أن يخضع المقصر للمحاسبة وفق القانون لان من يأمن العقاب يبيح لنفسه أي عمل وحسننا إذ اخذ أهل الكرادة بما قلناه سابقا بالتطوع للمشاركة مع الأجهزة الأمنية في نقاط التفتيش في مداخل المدينة وحبذا لو بادر إلى ذلك جميع أهل العراق في كل مناطقهم قبل وقوع الكوارث لا سامح الله .
حفظ الله العراق وأهله من كل سوء وشلت يمين من تسول له نفسه العبث بأمن البلد واستقراره.