18 ديسمبر، 2024 7:44 م

إحدي موبقات السياسة السودانية و احزابها تحديداً؛ هي استلام المال الأجنبي و “المال تتبعه الأجندة” …
الأحزاب الدينية الاسلاموية تلقت و تتلقي دعم خليجي و غير خليجي مباشر “كاش” و غير مباشر في شكل تسهيلات و توظيف و تشغيل و استثمار و غيرها من صور “الاكتراء” و هي في اللغة الفصحي الاستئجار و في الدارجة “المكري” هو المرتشي.. و المؤتمر الوطني “عماد” النظام البائد تلقي أموال إيرانية و أموال ليبية و أموال صينية و أموال قطرية و ما خفي أعظم!
ملف الأموال الليبية “ايام القذافي” يشمل الأحزاب التقليدية ايضاً، و علاقة الحزب الاتحادي بمصر و مخابراتها محل شكوك جدية.
الحزب اليساري العتيق و بحكم انتسابه لمنظومة موسكو “حلف وارسو” تلقي – في فترة الحرب الباردة – دعم في شكل تسهيلات “منح دراسية و مؤتمرات و… الخ” من دول المعسكر الشرقي.
الأحزاب القومية “بعث عراقي و سوري وناصري” تلقت أموال من بغداد و دمشق و القاهره “حسب المدرسة”!
كل التيارات السياسية اليمينية و اليسارية التي وصلت للسلطة أو كادت، وصلت لما وصلت إليه عبر دعم مالي اجنبي سخي، هي اذاً ايدولوجيات مدعومة و تيارات سياسية و فكرية تتم تغذيتها بانابيب العمالة المخابراتية..
تيارات الإسلام السياسي هي النموذج البارز لتمويل النشاط السياسي خارجياً، فحركة الاخوان و منذ تأسيسها في مصر علي يد “الامام” حسن البنا تحيط بها شبهات العمالة للمخابرات البريطانية، ثم في عهد عبد الناصر ارتمي الاخوان في حضن الملك فيصل الذي مزج ارث اخوان السعودية الوهابيين “اخوان من طاع الله” بارث البنا و سيد قطب و كان المال السعودي هو معامل المزج الأقوي تأثيراً؛ و يمثل “بنك فيصل” الاسلامي في مصر و السودان رأس الحربة في تمويل هذا التيار السياسي إضافة لمال و دعم “غير مباشر” خليجي من “الكويت و الامارات و قطر و البحرين” هذا الدعم هو ما جعل من الإسلام السياسي قوة إقليمية ضاربة و تيار كاسح في السودان و مصر و تونس ..الخ
أيام الثورة السودانية و الاعتصام سمعنا لغط عن استلام بعض السياسيين الحزبيين اموالاً من دول خارجية “الامارات”..
و لأن الوضع لم يكن يسمح بغير الاولويات امسكنا عن الخوض مع الخائضين.
اليوم تبدو الصورة اوضح، فاولاً دعم تلك الأحزاب و الأفراد المحسوبين عليها لم يكن عملاً مقصوداً لذاته إنما روعت صدمة التغيير انظمة الخليج فطفقت تبحث عن موطئ قدم جديد و عملاء جدد، فوزعت أوراقها “النقدية” في دائرة واسعة حتي تهدأ الأحوال و ينكشف غبار المشهد فيكون لتلك الأنظمة خيارات مريحة و تستطيع أن تسير في الطريق الذي يخدمها و مع الفصيل الذي يكسب الجولة “تماماً كالرهان علي اكثر من حصان في مضمار السباق”.
الحصان المفضل للخليجيين هو الحصان العسكري! و التيار الذي يخدم خيار الانقلاب العسكري!
الخليج لن يدعم تيار ديمقراطي اطلاقاً، هذه حقيقة يجب أن يعلمها الجميع و بالأخص أولئك الذين تقاضوا مال خليجي، و عليهم الاختيار بين الكشف و الإفصاح عما تقاضوه و تسليم المال لخزانة الدولة أو يكونوا عرضة لتقديمهم للمحاكم ان أرادوا الاحتفاظ به .
للأسف الخليجيون يخافون من أي ديمقراطية في المنطقة و لا يحترمون خصوصيات البلدان الأخري بل يحكمون علي كل حالة بمعطياتهم هم و خصوصياتهم الداخلية، مع أن أوضاع دول الخليج مستقرة سياسياً و اقتصادياً و يمكن أن يستمر حكم الأسر فيها لنصف قرن أو يزيد، بينما دول أخري كالسودان لن تستقر و لن تنهض الا بنظام حكم ديمقراطي، دعم دكتاتورية أو انقلاب في السودان و قوي سياسية بفتات موائد الخليج لن تجدي و لن تجلب الاستقرار، و أن كانت دول الخليج صادقة فعليها أما أن تتقاسم مواردها مناصفة مع الدول التي تعيش أزمات اقتصادية (كالسودان)، و تعرفون ان هذا الخيار غير عملي ابتداءاً و غير منطقي خصوصاً في ظل التقلبات العالمية و آخرها انخفاض اسعار الطاقة الي الحضيض بتأثير جائحة كوفيد١٩، أو “الخيار الثاني” تتركها تبحث عن مخرج خاص بها دون أن تتدخل لتعبث بمكوناتها السياسية و فتدعم فصائل علي حساب اخري، لتختط مسارات مغايرة لما تقرره إرادة تلك الشعوب و ما يخدم مصلحتها.
ان الدول التي شهدت ثورات تغيير عميقة و جذرية (و السودان من تلك الدول) ثورات نابعة من صميم قلب الحراك المجتمعي فيها و نابعة من الحاجة الوطنية و الضرورة التاريخية فيها، لن تقوي اي تدخلات مالية مهما بلغت ان تثني عجلة التطور التاريخي و الإجتماعي فيها، لذا نصيحتنا لممولي التيارات السياسية ان يوفروا اموالهم فقد يحتاجونها يوماً ما.