23 ديسمبر، 2024 12:51 م

التمر العراقي واللقاح الصيني

التمر العراقي واللقاح الصيني

زرت الصين لأول مرة في عام 2004 وخلال تجوالي مع مجموعة من الزملاء الصحفيين الصينيين في ميدان (تيان أن مين) أكبر ميدان في العالم يقع في العاصمة بكين، واثناء تجوالنا كان هناك رجل كبير في السن يبيع مداليات واعلام وصور ومعايدات وتحف صغيرة، وعندما اقتربنا منه وكان الزملاء يشرحون لي عن الساحة ومساحتها ويؤشرون لي هذا مقر الحكومة وهذه قاعة الشعب التي يوجد فيها مكتب الرئيس الصيني.

سمع هذا الرجل اسم العراق وكانه أصيب بصعقة كهربائية وبدأ يتكلم مع زملائي باللغة الصينية، وبعد أن عرف اني من العراق تقدم إلي وانحنى عدة مرات ونطق بكلمات لم افهمها ولكني شعرت بانها صادقة كونها خرجت من اعماقه .

أنا بدوري أيضا اصبت بالذهول ووقفت في مكاني دون أن أحرك ساكنا وبدأت اسال نفسي لماذا ينحني هذا الرجل الكبير بالسن لي، وماذا يقول وماذا يريد؟ استنجت بأحد زملائي الصينيين من الذين يتكلمون اللغة العربية فسالته عن سبب قيام هذا الرجل بالأنحاء امامي ولعدة مرات وهو سعيد بما يقوم به، وكأني قدمت له شيئا كبيرا علما أني لم اشتر منه شيئا،،،، فضحك زميلي الصيني وبدا يترجم لي ماذا يقوله هذا الرجل الكبير، الذي عادت به الذاكرة إلى ستينات القرن الماضي ، عندما كانت الصين تعاني من مجاعة والناس تموت جوعا لعدم توفر الطعام وفي تلك الفترة ارسل العراق مساعدات غذائية للشعب الصيني ومنها التمر وهذا الرجل كان التمر العراقي سببا في بقائه على قيد الحياة وانقاذه من الموت هو وعائلته، وعندما علم اني عراقي جاء لكي يقدم الشكر والامتنان للعراقيين، على كرمهم ومواقفهم الإنسانية الكبيرة، وقال لي كنت حزين لأني لم اقابل أي عراقي لكي اعبر له عن شكري وتقديري واحترامي لموقف العراق معنا في الصين عندما كانا نعاني من المجاعة وأضاف كنت اخشى ان اموت دون ان اشكر الشعب العراقي على كرمه وموقفه الإنساني الرائع،،، شكرته على وفاءه وعدم نسيان الجميل ، وقلت بصوت منخفض وباللهجة العراقية ((والله يابه الزهدي مغزر بيكم)) ،، سألني زميلي الذي يتكلم اللغة العربية الفصحى ما معنى ما قلته فأجبته باني اقدر شعور هذا الرجل الكبير بالسن ووفائه وعدم نسيانه لما قدمه العراق.

اليوم 14 تشرين الأول وصلت الدفعة الرابعة من لقاح سينوفارم الصيني المضاد لمرض (كوفيد-19) والبالغة مليون جرعة تبرعت بها الحكومة الصينية هدية للشعب العراقي وتعبيرا منها على عمق الصداقة التي تربط الشعبين الصديقين.

وسبق للصين ومنذ بداية ظهور جائحة كورونا أن أرسلت مساعدات طبية وأجهزة وبنت مختبرا بايلوجيا لفحص (بي سي ار) وارسلت فريقا من الخبراء لتقديم الدعم والاسناد وتدريب الكوادر الطبية العراقية، وواصلت ارسال المساعدات واللقاحات واتذكر أن السفير الصيني في بغداد كان دائما يردد خلال حديثة لوسائل الاعلام المثل الصيني القائل ((الصديق الحقيقي هو الذي يأتيك بالوقود وقت البرد)) وهذا المثل يقابله لدينا (الصديق وقت الضيق) .

اليوم تذكرت ذلك الرجل المسن ووفائه واللقاح الصيني الذي ارسلته الصين هدية للعراق وايقنت ان الشعب الصيني لن ينسى من يقف معه ابدا وسيرد الجميل مرات عديدة.

لكني لا اكتمكم سرا باني اصبت بنوبة حزن على حال العراق الذي كان يساعد الجميع، اما الان ورغم امتلاكه لكميات كبيرة من النفط فان نحو اكثر من ثلث شعبه يعاني من الفقر،،، اما الصين التي كان شعبها يموت من الجوع في الستينات أصبحت من اكبر القوى الاقتصادية في العالم واعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ العام الماضي القضاء على الفقر في الصين رغم انها اكبر دولة في العالم من حيث عدد نفوسها البالغة أكثر من مليار و400 مليون نسمة.

العالم يتقدم للأمام ونحن نسير للخلف وخير مثال على ذلك أننا نستورد التمر من دول الجوار بعد أن كنا الدولة الأولى بإنتاج التمر فكنا نصدره ونرسل منه كميات كبيرة هدايا لبقية الشعوب.