حاول إلا يفسر الإشارات التي تحملها كلماتها رغم ان حوارهما كان أكثر من عادي في ظاهره إلا انه كان كاحاديث القلب المهموسة التي تحمل دوما معنى خفيا جهد لتجاهله في أوقاته العصيبة،،تخونه للأسف جراته فيعود لتصديقهارغم يقينه ان الشوق الذي يتوهمه في كلماتها ليس اكثر من مجرد سحابة صيف عابرة،،
لحظة جاء صوتها على غير انتظار في ذلك المساء كحبها الذي ولد صدفة استغرب كيف انه لم يشعر بتلك الرجفة التي اعتادت ان تعتريه كلما سمع صوتها،،شعر لحظتها بمزيج من الحزن العميق والفرحة العابرة التي قد لا تحق له،لا لانها تعني أنه لم اعد مهتما بها فهذه خرافة لم يجهد نفسه لتصديقها يوما،،بل لأنه اكتشف للتو انه لم يعد مقيدا بحبها،،،لم يعد سجين الوهم منذ تلك الظهيرة التي تبخرت فيها قطرات الأمل التي حكمت عليها بالتيه في صحراء الوهم،،،قال لها حين سألته بدلال:هل توقعت اتصالي؟
– صدقي لم اعد اهتم،،ونسيت طعم الانتظار الجميل للحظات عابرة كانت تجمعني بك ،،واكتشفت أنها كل ما كان يربطنا ،،
قابلت كلماته التي لم تتوقعها بالصمت،،لتمنحه شيئا من الجرأة في الكلام،،فأضاف :
نعم لا تستغربي،،فما مان بيننا لم يكن سوى لحظات تواطئنا على سرقتها من بين عقرب الثواني في ساعة الظهيرة حين يجمعنا موعد الانصراف بعد يوم العمل المضني،،تلك اللحظات التي تركتني احترف سرقتها وحدي حين خفتت لمعة عينيك وانقضى سريعا ربيعنا المسرع،،
-انت واهم،،لم يكن الأمر كما تصورته،،
– تعنين ان كل ما بيننا كان وهما،،؟
– ليس كله،،لآكون صريحة معك،،كان إعجابا وحسب،،ربما لو أعطيناه الفرصة الكافية سيتطور إلى صداقة،،
،،،،صعقته تلك الكلمة أكثر من من مفردة الإعجاب ،،
– إعجاب،،صداقة،،؟هل هذا هو فقط تفسير نظراتك لي،،حرصك على ان تكوني قريبة مني،،وان أكون موجودا أمام عينيك باستمرار لمجرد الصداقة!!!!
حين طال مشوار صمتها اعتذر منها وأنهى المكالمة،،وأمضى بقية يومه صامتا تتصارع في قلبه مشاعر الخيبة والألم والصدمة،،حتى قارب على فقدان الإحساس بالوقت ووجد الصباح قد بدأ يطرق نوافذه المشرعة أرقاً،،فكر وهو ينظر إلى عقارب الساعة ألا يذهب إلى العمل كي لا يراها وتزيد أوجاعه ،،لكنه تذكر ان اليوم هو موعد تقديم التقرير المالي ولا مجال للتأخير او التأجيل أبدا،،
لا يعرف كيف ارتدى ملابسه وصعد إلى الباص حتى وصل إلى المنطقة التي تصعد منها ،،أدار وجهه للناحية المعاكسة من الشارع وشعر بأحدهم يجلس إلى جانبه في المقعد الفارغ،،كان شبه متأكد انه احد الزملاء الذين أخلوا مقاعدهم لتجلس هي عليه لولا ان فاجأه صوتها خافتا يلقي تحية الصباح،،
– صباح الخير صديقي،،
لم يجرؤ على النظر في عينيها فرد التحية بتردد لئلا ينتبه احد ،،حتى وصل الباص وترجل الجميع وسارت قريبة منه بمعية إحدى رفيقاتها المقربات ،،
أقدامها التي كانت تسير بثبات مبتعدة عنه كانت تقطع بخطاها وريده الذي يربطها بها ،،توجهت إلى غرفتها التي تفصلها عن غرفته بضعة أمتار من غير ان تنظر وراءها،،
تهاوى متعبا على كرسيه وهو يستعيد مشهد البداية الذي حصل قبل اشهر حين كان يهم بالنزول من الباص،،وسألته: الم تنس شيئا ؟يومها أجابها بلا تفكير :لا أظن أنني نسيت ،،ابتسمت وفي عينيها نظرة دافئة اربكت هدوءه وهي تقول:
– هل ساراك غداً؟
لا يعرف لحظتها اين هربت الكلمات وكيف كان يكلمها ببساطة وهو ينظر إلى تلك العيون الدافئة الملئى بالكلمات من غير ان يسمعها،،،وكل ما بقي لديه من اللغة مفردة يتيمة،،:أكيد،،
انقضت تلك الظهيرة وهو يعيد شريط ذاكرته آلاف المرات ،،يمتزج في القلب تضارب مشاعر الفرح والحيرة والدهشة،،فهما معا منذ سنين كيف لم ينتبه إلى ذلك الأمر،،
عاد إلى لحظته الآنية يعيد السؤال نفسه عما غيرها هكذا،،وما ان كان قد أخطأ فعلا في تفسير المواقف،، وقرر فجأة ان يذهب إليها ومن غير تردد اتجه إلى غرفتها ووقف في الباب واستأذنها في حاجته إلى الكلام معها في موضوع ما لبضعة دقائق،،كانت لوحدها في الغرفة وطلبت منه الجلوس فرفض ،،قال لها ؛لن أطيل عليك ،،فقط أردت الاعتذار ،،فردت: لا يهم تحصل مثل هذه المواقف كثيرا هذه الأيام،،،،،فأجاب:لا لقد أخطأت الفهم لم آت لاعتذر عن الوهم الذي أوقعتني فيه،،لكن جئت لاعتذر لنفسي أمامك لعلك تعتذر ين منها أيضاً ….
قبل ان تنطق بحرف واحد باغتها بالقول:اعتذر لأنني صدقت ان العيون الجميلة يمكن ان تكذب
أحيانا ،،اعلم أنني لم اكن متوهما في عينيك تلك النظرات ،،لكنني تحاشيت إحراجك ،،،قاطعته عند تلك اللحظة بما لم يتوقع،،قائلة:أنا أجبن مما تتوقع،،وانت لم تحرك ساكنا ،،انتهى كل شيء قبل ان يبدأ،،
– لماذا وأنا لم أخذ فرصتي كاملة لأقول لك أنني أحبك،،وانت تصدينني في كل مرة وتتهربين من أسئلتي وتلميحاتي،،هل أنا واهم حقاً،،انت من أشعل هذه النار بلا مقدمات وأغراني بحمل جمرات ها بيدي العاريتين،،لماذا لم تقولي انك لست قادرة على المضي بالأمر،،
-انت لا تفهم حقاً،،عائلتي لا تتقبل الأمر ولا أريد ان أجازف بإغضابهم ،،اعرف أنهم لن يوافقوا على ارتباطنا،،لأنهم لا يتقبلون الغرباء كان لا بد ان أعود من منتصف الطريق،،ولا تعتقد ان الأمر كان سهلا علي ،،ففي النهاية أنا أخشاهم،،انت لا تعرف تشددهم في هذا الأمر تحديدا،،
– دعيني أحاول على الأقل،،لا تقفلي الأبواب بوجهي من اول مرة،،
-قلت لك انتهى الأمر،،مسالة زواجي بأبن عمي ليست بعيدة،،أنها مسألة وقت لا أكثر ،،
لم يعرف سر حاجته المجنونة إلى الضحك بصوت عال وهو يسمع عباراتها،،وظلت كلماتها ترن في رأسه وهو يخرج مبتعدا عن البناية مستقبلا قطرات المطر الصباحي التي تساقطت على غير موعد،،وشعر بالحاجة إلى ترك المكان والسير تحت المطر
عله يغسل شيئا مما علق في القلب من أحزان فكل شيء في النهاية يمكن ان يحصل حتى لو كان احتمالا غبيا كالذي حصل للتو،،وان عينين جميلتين كعينيها يمكن ان تكونا خاويتين من كل معنى أحيانا،،
لكنه مع ذلك شعر بشيء من الرضا الخفي وهو يكتشف ان إيقونتها التي تشكلت برأسه منذ ان دخلت حياته لم تكن أكثر من مجرد تمثال فارغ من الجص يمكن ان يتحطم بأبسط سقطة،،،