23 ديسمبر، 2024 10:30 ص

التمايز والاختلاف وطريقة التفكير

التمايز والاختلاف وطريقة التفكير

جُبل الإنسان على الاختلاف، اختلاف في الجنس، اللغة، الدين، العادات والتقاليد، اختلاف في الثقافة ونظرته لنفسه وللحياة، واختلاف في أسلوب العيش وانتقاء أدواته.
هذا التباين ربّما يكون مؤصلا وراثيّا، وربما هو ناشئ نتيجة تغيّر المناخ المعيشي للفرد أو للجماعات كانتقال الفرد من الطبقة الوسطى صعودا و هبوطا بعد اكتسابه مقوّمات الانتماء لطبقة جديدة تختلف جزئيّا أو كليّا عن طبقة المنشأ.
لنستعرض بعض النماذج النمطيّة الدّارجة على عجالة:
أهل المدن أرقى من أهل القرى، وسكّان المدن الشماليّة أغزر حضارة وانفتاحا من مدن الجنوب، والغني يفوق الفقير في الحضور، الدّين الإسلامي أفضل الأديان، السنّة أقوم من الشيعة، الحنفيّة أيسر من الحنابلة، الأحزاب الدينيّة أحقّ إتباعا من الأحزاب العلمانيّة، الإخوان المسلمون أكثر صوابا من السلفيّة وأبناء تقي الدين النبهاني، الرجل قوّام على النساء. الابن البكر مُقدّم على من بعده من الأخوة. العالم فوق الجاهل، والإنسان الأبيض أكثر إنسانيّة من ذوي البشرة السمراء، والمرأة المُحجّبة أطهر من حاسرة الرأس، وعالم الدّين أهدى من عالم الطّبيعة والاجتماع، الشرق والغرب.
وبما أنّ الإنسان مجبول على الطبيعة فمن كل ضدّ له ضدّ وله مدار يحوم فيه كما الأيونات والإلكترونات حول نواة الحياة.
هذه حقائق نعيشها كلّ صباح، تربطنا بها علاقة نسبيّة تعتمد اعتمادا كليّا على طريقة التفكير ونسقه، وكما هو معروف فإنّ أفكار الإنسان تجاه أمر معين هي التي تُحدد أسلوب تعاطيه مع هذا الأمر. يمكن أن ينتج عن هذه الأفكار المسبقة مساران:
أولا: أنّ حقيقة الاختلاف والتمايز عن الآخرين هي بمثابة تشريف إلاهي، وبالتالي فإنّ الفرد ينظر للآخر المختلف ككائن وُجد كي يقوم على خدمته والسهر على راحته، وهذه النظرة كانت المُحرك الأكبر لحملات الاستعمار الأوربي لشعوب أفريقيا والعالم. ذات النظرة اعتمد عليها أدولف هتلر في تسويق مشروعه لاحتلال أوروبّا – سمو العرق الآري والناطقين بالألمانيّة -.
وهذا مدعاة إلى تكريس العنصريّة بين البشر وتحويل الاختلاف والتمايز بينهم إلى خلاف واتساع للفجوة نتيجة للإسقاطات الثقافيّة المتبادلة، وبالتالي حدوث الحروب والنزاعات سواء داخل مركبات المجتمع وطبقاته، أو على مستوى الدول والحضارات المختلفة – صراع الحضارت-.
ثانيّا: أنّ حقيقة الاختلاف والتمايز عن الآخرين هي بمثابة تكليف، حيث أن هكذا أفكار تُجبر الإنسان على مدّ يد العون لذاك المُختلف، يشاركه بما لديه من معرفة متراكمة و يساعده في امتلاك أدوات انتاجها، تقاسم الموارد، الاطلاع على الثقافات المختلفة،…، – في اطار احترام اختلافه عنه -، مما يجعله قادرا على الإضافة للحضارة الإنسانيّة وليس عالة عليها. هذه العلاقة بين من يستطيع ومن لا يملك تؤسس لعلاقة تكامليّة سواء بين مكونات المجتمع الواحد أو بين الشعوب، مما ينعكس أثره الإيجابي على الأفراد والجماعات والشعوب ويقلل نسبة حدوث النزاعات والصراعات القائمة على التنافسيّة على مستوى العالم، أمّا داخل المجتمع فهي سوف تسعى للحفاظ على السلم الأهلي وعدم الاحتراب الدّاخلي وبالتالي تنميّة ثقافة الاختلاف وتعزيز الممارسة الديمقراطيّة في شتى مناحي الحياة.
نظرة التكليف هذه هي على نقيض التوجّه الأول من علاقة قائمة على الاستهلاك والفوقيّة والتبعيّة.
وبالعودة إلى الطبيعة، وبما أنّ الإنسان هو جزء من هذا الكون فبات لازما عليه أن يتعّلم من المنظومة الإيكولوجية السائدة ويستنبط منها ما يفيده في إعمار الأرض والإنسان، تماما كما استقى من الطّير كيفيّة الطيران ووسائل الاتّصالات الحديثة ومن الأسماك مهارة الغوص والسباحة و من التمثيل الضّوئي ودورة في نمو النباتات وتنقية الجو من التلوّث، وغيرها الكثير.