لا يختلف اثنان على ان خطر الارهاب قد اصاب مقتلا بالمجتمعات التي نشط فيها وخصوصا في بلدنا فعلى مدار سنوات دفع العراقيون اثمانا باهضه في الارواح والاموال ، لكنه محدود التأثير مكانيا وزمنيا
الا ان خطر التلوث اكثر ايلاما منه واكثر فتكا بالمجتمع ويطال كل الفئات العمرية رجالا ونساءا وكلفته هي الاعلى حول العالم حاليا، وبات العالم في حراك للتقليل من آثاره ،
في الايام الماضية اخذ حيزا من الرأي العام المحلي نتيجة وجود ضباب دخاني واضح للعيان بسبب اختلاف الضغوط الجوية واختلال درجات الحرارة نتيجة تغيرالموسم ، الا ان هذا التلوث في بغداد يعود لسنوات مضت ويكون جليا في الافق عند الغروب خلال الصيف وكذلك ساعات الفجر ويحجب الرؤيا احيانا، ولكوني مهتم بهذا الموضوع واتابع نشرات مؤشر جودة الهواء لمدينة بغداد على المواقع العالمية لذلك لدي تصورات عن مقدار التلوث هذا(احتفظ ببعض نماذج هذه المؤشرات)،
لكن وللاسف ان اللجنة المشكلة من رئاسة الوزراء لم تمس اس المشكلة واكتفت بجمل عامة ونسبت تلك الظاهرة الى مصادرثانوية مثل حرق النفايات ومعامل الطابوق رغم بعدها عن محيط بغداد اوحرق القابلوات رغم ان لها تأثير ايضا في تعاظم هذه الظاهرة، كما انها لم تطرح برنامجا وطنيا شاملا للتصدي لأخطر موضوع يتعرض له المجتمع العراقي حاليا،
ولم تتطرق هذه اللجنة او الجهات ذات العلاقة بحماية البيئة الى الاسباب الرئيسية التي تؤشرها وكالات حماية البيئة العالمية والمتمثلة بابنعاثات قطاع النقل الذي يحتل المرتبة الاولى ويسهم حسب هذه الوكالات بما نسبته 30 – 35% من حجم الانبعاثات البيئية الضارة وأكثر من 75% من غاز ثاني اوكسيد الكاربون ليكون قطاع النقل هو الاول ويليه قطاع توليد الطاقة الكهربائية الذي يسهم بما نسبته 31% ثم قطاع التصنيع وبنسبة 16% ثم تأتي بقية مصادر الانبعاثات الاخرى بنسب متدنية (المصدر وكالة حماية البئة الاميركية (USEPA رغم القيود الصارمة التي تفرضها هذه البلدان في استخدام وسائط النقل وفرض مكونات اضافية من شأنها تقلل الانبعاثات واستخدام الوقود الكفوء ، اضافة الى وجود انظمة نقل العام تعمل بالكهرباء او الحافلات الهجينة من اجل تقليل التنقل الشخصي وكمثال للتوضيح، تُغني انظمة النقل العام في مدينة نيويورك عن استخدام 700 الف سيارة خاصة يوميا مما يعني منع انطلاق ما يقرب من 400 مليون رطل يوميا (اي ما يعادل 181436.8 طن) من السخام وأول أكسيد الكربون وغيرها من الهيدروكربونات الى الغلاف الجوي.
فما بالك مع مدينة مثل بغداد تعمل بها يوميا اكثر من 5 مركبة بوجود بنى تحتية لا تستوعب 15 بالمائة من هذا العدد مع غياب اي نمط من انماط النقل العام السريع، زد على ذلك غياب الرقابة على استيراد السيارات من حيث النوعية والكفاءة في الاداء، كل ذلك ادى الى تفاقم الازدحامات بشكل متزايد مما يعني حدوث تسارع وتباطوء بشكل متتالي في سير المركبات، وحسب البحوث الحديثة وبرنامج محاكاة انبعاثات المركبات الآلية (MOVES) الصادر عن وكالة حماية البيئة الأمريكية يمكن أن تكون معدلات انبعاثات المركبة أثناء التسارع أكبر بمئة مرة من تلك التي تنبعث أثناء الخمول(التوقف) أو التباطؤ من هنا تقدير الانبعاثات للمركبات أثناء التسارع أمر بالغ الأهمية لتقييم جودة الهواء عند التقاطعات او السير ببطء ولهذا السبب تُفرض في اميركا غرامة مالية قدرها 500 دولار للمركبة المتوقفة وهي في حالة تشغيل وتتضاعف عند التكرار ، اضف الى ذلك سيادة سيارات الدفع الرباعي التي اصبحت القاعدة في ارتال المسؤولين في الشوارع حيث يقول مختبر اركون وهو اكبر مختبر للطاقة في العالم ان هذا النوع هي الاكثر انبعاث. بالمناسبة.
والسبب الاخر والاكثر خطورة وجود اعداد هائلة من المولدات والتي تتمترس بين الاحياء السكنية ويكفي القول ان مولد متنقل صغير الحجم يولد انبعاثات تفوق مائة سيارة من الحجم المتوسط وان مولد بحجم 2 ميكا تطلق 1،6 طن متري من الملوثات في كل ساعة حسب بيانات وكالة حماية البيئة الاميركية
المولدات والمركبات معا تولدان ايضا ملوث اخر اكثر خطورة على صحة الانسان وهي الجسيمات الدقيقة (PM) التي تطلق مع الادخنة ومن تآكل ألأطارات خلال احتكاكها بالطرق المعبدة وخصوصا عند التباطؤ والتسارع في ذروة الازدحامات وهذه الجسيمات مسؤولة عن اخطر عشرة امراض منها الجلطات الدماغية والأمراض القلبية والتنفسية وللاسف تعد بغداد من بين اسوء المدن العالمية في التلوث بنوعيه التي تحدثنا عنهما في الاسطر السابقة. والمشكلة ان هذه الملوثات تداهم غرف نوم ومطابخ العراقيين بسبب استخدام المبردات صيفا لذلك لا نستغرب ان نرى السواد يصبغ الستائر وقطع الاثاث داخل المنازل وبامكان كل عراقي ان يتأكد من ذلك في بيته.
وفي الوقت الذي تلجأ اليه دول العالم لتخفيف الانبعاثات من خلال الاهتمام بالمساحات الخضراء والتشجير لامتصاص ثاني اوكسيد الكاربون وتُخزنه في ألأغصان النبات وألأوراقه والجذوه والجذوره وفي التربة ، فان ظاهرة اختفاء المساحات الخضراء والقطع الجائر للاشجار في العراق مما يعني مصدر اخر للانبعاثت حيث تقوم الاشجار المقطوعة او المحروقة بإطلاق الكربون المخزن الى الغلاف الجوي لتزيد الطين بلة.
وآثار التلوث هذه ليست سهلة الازالة من حيث العامل الزمني ويمكن أن يستمر في الغلاف الجوي لقرون أو حتى آلاف السنين
ولكي لا نطيل اتمنى ان يطلع السادة المسؤولين على تقارير البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية بخصوص موضوع تلوث الهواء وكلفه الصحية والمالية واعاقته للتنمية الاقتصادية. ونود ان نذكر مجلس الوزراء الموقر بالبحث المقدم اليهم فيه كل التفاصيل السلبية للتلوث وبالارقام محليا وعالميا مع تقديم حلولا واقعية وسهلة وغير مكلفة وسريعة التنفيذ لمنظومات نقل كفوءة وصديقة للبيئة بدلا من الحديث عن امنيات غير قابلة للتطبيق بخصوص انشاء مشروع متروبغداد في الوقت الحاضر لفقدان النسخة المطروحة للأستثمار حاليا شكلها القانوني والفني وانها ستخلق ازدحامات تفوق الازدحامات التي خلقها تنفيذ جسورفك الاختناق اضافة الى المدى الزمي الطويل لأنجاز المترو مما يعني بقاء المواطن العراقي يعاني من ضياع الوقت ويتلقى مزيدا من نتائج اثار الانبعاثات .