عندما نتحدث عن تأسيس التلفزيون العراقي قبل تسع وخمسين سنة خلت , أنما نتحدث عن عمر تجاوز الكهولة ودخل الشيخوخة فسلجيا وليس فكريا , فالفسلجة وأنسجتها تشيخ وتهرم , ولكن ألآفكار لايدركها الهرم ولا الشيخوخة ما دامت تنهل من موائد السماء , ولكنها تخرف وتضطرب عندما تشرب من موائد الشيطان الذي نصب شراكه للآنسان فأصطاد قابيل وذريته وقدم لهم المعازف وزين لهم اللهو ولغو الكلام , وعلمهم التصفيق وأغراهم بالرقص ودلهم على شرب الخمور فأكتمل ألآبتذال والضياع الذي أنتج أثما وبغيا وفجورا وطغيانا ظل ملازما للبشرية التي تأبى فطرتها ألآستسلام لخطوات ونزغ الشيطان ومن معه من بني ألآنسان لآنها مجبولة على عهد أعطته لخالق ألآكوان ” وأذ أخذ ربك من بني أدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا , أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين ” وهذا المشهد مصور ومعد في أرشيف اللوح المحفوظ الذي يمتلك تقنية يعمل بها رواد الفن وألآبداع وهم ملائكة من نور كلامهم مأثور وحركاتهم رشاقة تختصر الزمن حتى يتلاشى من الشعور , وتقرب المسافات حتى كأنما بسرعتها وعروجها تصنع السرور في الكون المأهول والمعمور” تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة “
والتلفزيون العراقي الذي أسس على جرف هار في العهد الملكي المملوك لثقافة بريطانية جعلت أبناء الشريف حسين المرحلين من مكة لصالح أل سعود والمشيخة الوهابية الذين أستباحوا الجزيرة العربية بالدماء كما يفعل اليوم ألآرهابيون التكفيريون وعصاباتهم المبهورة بالعنف والفوضى وألآبادة الوجودية التي وجدت فيها الصهيونية والمحور التوراتي الذي يعادي الحضارات الحارة كحضارة وادي الرافدين , ومثلما عمدت بريطانيا الى تصدير أبناء الشريف حسين الى العراق وألآردن وأستثنت سورية التي أصبحت من نصيب فرنسا , وتصدير أبناء الشريف حسين تم بعد أن جعلوهم في حاضنة ثقافية توراتية , فخلعت نساءهم الحجاب , ولبس رجالهم لباس ألآوربيين ومارسوا عاداتهم فشربوا الخمور , وأستساغوا مناهج التعليم على طريقة المستر ” جيب ” البريطاني , وأصبح ساطع الحصري منظرا ومشرفا على التعليم في العراق وهو ليس عراقيا , ويوسف غنيمة الساكن في بريطانيا الذي راح يكتب عن تاريخ اليهود في العراق ” نزهة المشتاق في معرفة يهود العراق ” ومعهم من قدم من ألآستانة العثمانية ذات السلطنة المريضة ألآيلة الى السقوط , لاسيما من كان عسكريا حيث دخلوا في تشكيلات الجيش العراقي عند تأسيسه وهم من حملة الثقافة التركية , ومن خلال هذا الثلاثي الهجين تمت السيطرة على التعليم والبريد وألآتصالات وسكك الحديد وألآذاعة والجيش , وعندما أفتتح التلفزيون العراقي عام 1956 م دبت اليه العناصر المهجنة بثقافة المحاور الثلاثة التي كان لها حضورا في مناخات العمل الثقافي بروح تقليدية لعادات توراتية يحملها موظفو الخدمة البريطانية ومن معهم من الهنود والعرب من غير العراقيين مثل : رستم حيدر , وساطع الحصري .
ولآن التلفزيون يحتاج البرامج التي تملآ ساعات عمله , ولآن حواشي الحكم والعائلة المالكة كانوا هجيني الثقافة , والهجين لايعرف ألآصالة الثقافية , لذلك أستجلبت للعمل تلك العناصر التي كانت خياراتها لاترقى الى مستوى العمق الثقافي للعراق ولا لمستوى البعد الحضاري , فلم تراع قدسية الحواضر الدينية , ولم تراع حرمة المناسبات ألآ ظاهرا وبشكل سطحي ومحدود , فكان حال التلفزيون العراقي عند التأسيس والبث كالحالة التي وصفها الشاعر :-
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة .. ورجل رماها الزمان فشلت ؟
وصاحب الرجل المشلولة يظل معوقا يستعين بالعصا أو يجلس على كرسي متحرك , وهذا هو وضع التلفزيون العراقي الذي لم يكتشف من عمل فيه من المسؤولين سر شلله وسبب أعاقته , وهو شلل ثقافي وأعاقة فكرية , ومع بقاء هذين المرضين لاتنفع معه وجود التقنيات الحديثة وألآجهزة المتطورة , لآن الفعل وألآبداع ليس للآجهزة وأن كانت ضرورية , ولكن الفعل وألآبداع للعقل وللفكر الذي يحمله ذلك العقل .
أن من يريد أن يعمل فنا وثقافة فيها المتعة والجاذبية والتفاعل ألآيجابي في المجتمع العراقي عليه أن يفهم روح ألآجتماع العراقي وما أتشحت به من عمق وأنتساب مطرز بالعطر الديني والعابق بحيوية ألآيمان الذي يحرك الملايين على مدار السنة في مسيرات حاشدة مبهرة لكونها ذاتية التنظيم والتمويل وهو ماتعجز عنه الدول الكبيرة وما عجزت عنه منظمات ألآمم المتحدة في تغطية أحتياجات مماثلة لتجمعات النازحين والمهاجرين قصرا والاجئين ؟
أن طغيان مظاهر السلوك عبر اللباس والمظهر والعلاقات التي لاتنتمي لروح ألآنتماء العراقي القائم على كينونة ألآنتساب لثقافة السماء , ومن أمثلة ذلك التناقض أنتشار مظاهر التبرج في لباس النساء , مع شيوع مودة الملابس الرجالية المستوردة والمصنعة بروح تتعمد أبراز المفاتن والميوعة عند الذكور وألآناث مما تجعل حركة الهرمونات تضطرب جنسيا دون علم من يرتدون تلك الملابس حتى يقعوا في شباك الشبق والآحتقان الجنسي وهي دكتاتورية جنسية تدفع للتحرش الجنسي وألآغتصاب الجماعي , أن التلفزيون العراقي بحاجة الى عملية أنقاذ برامجية تستند الى معرفة تعرف كيف توظف الثقافة الممتعة ذات ألآصالة التي تستجمع حتمية علاقة ألآرض بالسماء وعندها يبدأ ألآبداع والتلاقي لصناعة ألآنسان المنتج للحضارة