23 ديسمبر، 2024 10:11 ص

الأعلام ظاهرة رافقت الإنسان منذ بدء الخليقة ، وتطور بتطور المجتمعات الإنسانية ومدى حاجاته وبالأساليب التي استطاع أن يبتكرها عبر مسيرة حياته حتى باتت وسيلة تتعامل بها المجتمعات والحكومات ومن ثم الشركات والتجمعات والأفراد لتكون في متناول اليد . بعد التطور الهائل الذي حصل والذي فتح منافذ عديدة ليطل بها الإنسان على أنواع العلوم والمعارف ويتصل شماله بجنوبه وشرقه بغربة ليصبح العالم الكبير قرية صغيرة . ليكون  جهاز التلفزيون الجهاز الأهم بين تلك الاختراعات والاكتشافات لما له من ميزات جعلت أي دار لا يمكنها أن نستغني عنه إذا ما استغنت عن أجهزة أخرى . ليحتل موقع الصدارة في قائمة تأثيث البيوت والحاجة العائلية . واعتنى الإنسان بوضعه في مكان متميز ليكون محط الأنظار لما يحويه من مميزات تؤكد على الصداقة والألفة بينه وبين العائلة أو أي تجمع بشري . ليكون وسيلتها لتقديم العالم بين زواياه . يعرض الأحداث لحظة وقوعها بالصورة والصوت ، ويصبح أحد أهم روافد الأعلام والمعارف وهو يشكل أيضا خطرا كبيرا يمكن أن يعصف بالمجتمع اكثر من قنبلة ذرية لما له من سحر تأثير في تغيير الكثير من القناعان وقلب المعتقدات وتشويه الثقافات بما يمكن أن يقدمه الجانب المعادي لذلك المجتمع من خلال مواد تصنع بشكل جيد و مدروس تحاكي العقل والنفس البشرية وتوجه للأعمار أو الثقافات والانحدارات البيئوية المطلوب التأثير عليها والعكس صحيح ،ولهذا راحت الدول والمؤسسات تسارع في رصد الأموال اللازمة وتهيئة الكوادر المؤهلة والأجهزة المتطورة والفعالة لتجنيدها لكي تؤدي دورها في حقن المجتمع الجرعات الوقائية من ناحية وتغذيه الغذاء الصحي الذي يحافظ على قناعا ته وتوجهاته والثبات عليها . 
فانتشرت المدارس والمعاهد والكليات التي تدرس علم الأعلام والفن ، وحرص المسؤولون على استثمار الطلبة المتميزون وزجهم في دورات وإرسالهم إلي اشهر المدارس وإيفاد الأساتذة أيضا للوقوف على آخر المستجدات التقنية والفنية والمهنية وما توصلت إليه تلك المدارس في طرق وأساليب العمل الإعلامي والتلفزيوني بشكل خاص لكي يواكبوا التطور السريع الذي يحدث في العالم والذي لا يمكن لأي مجتمع من أن يتخلف عنه . لان هذا التخلف سيترك آثار سلبية تظهر على حياة المجتمع الثقافية ومن ثم ما يتبع من سياسة واقتصاد وغير ذلك . صار هذا الجهاز صديقا حميما للأنسان لما يقوم به من خدمات جليلة وهو مستلق على فراشه أمام الشاشة دون أي عناء . فيختصر له المسافات والزمن والجهد ويكون رافدا مهما من روافد ثقافة المجتمع بكل طبقاته . ومدرسة داخلية في كل الاختصاصات ومعلما جديرا بالاهتمام والاحترام .لذلك فلابد لهذه المجتمعات من أن تهتم بهذا المعلم وتهي له أسباب نجاح مهمته لكي يؤدي رسالته بشكل سليم لتعطيه الأسبقية في التخصيصات المالية وفتح القنوات المتعددة لتقديم أشكال فنية متنوعة واختصاصات مختلفة كالأخبارية والرياضية والثقافية والعلمية والمنوعة لتكون اكثر تأثيرا وأوسع انتشارا .هذا الجهاز السحري يجب أن يؤدي واجباته وان يقدم شكلا من  أكثر أشكال البرامج تأثيرا وأقربها للمشاهد وهي الدراما التلفزيونية .ولان التلفزيون يستطيع أن يقدم مادته لملايين من المشاهدين في وقت واحد فان هذه الملايين تكون مثل كتلة واحدة أو صف واحد يستمعون للدرس بلا قيود ولا رقابة .ولهذه الخاصية وغيرها استطاع التلفزيون أن يمتص جمهور المسرح والسينما مثلما غطى على وسائل الأعلام الأخرى  . وحاز على اهتمام الجمهور وعقد معه أواصر علاقة متينة لأنه يقدم لهم كل ما يحتاجونه دون أن يبذلوا أي جهد غير الجلوس والمشاهدة . وصار اكثر تقبلا لسد حاجة الناس وملء فراغهم . وكذلك محطات استراحة واستمتاع بل وملاذ جيد لطرد الملل والتخفيف عن الضجر . عدا ما ذكرناه آنفا . و إذا كان التلفزيون يلتقي مع السينما في انه يقدم الصورة إلى جانب الصوت من خلال شاشة يجتمع الجمهور قبالتها فهو يختلف عنها في أن جمهور السينما يذهب إلى قاعة خاصة للعرض وتنحصر المشاهدة والمشاركة بالمتواجدين في هذه القاعة ، بينما يأتي الفلم والبرنامج للجمهور في التلفزيون وهم في بيوتهم يشاركهم الكثير من المشاهدين من مناطق أخرى من الكرة الأرضية باختلاف البيئة والثقافة والتوجهات . ويمكن للمشاهد أن يكون طرفا في إعداد البرنامج وتقديمه عندما يكون بث البرنامج حي وهنالك خط هاتفي مفتوح للدخول في حوار مباشر أو أن يشارك المشاهد عن طريق الرسائل أو الهاتف في برامج المسابقات مثلا . وبمكن أن يتقارب جمهور السينما بالعمر أو الثقافة حيث يجمعهم الفلم المعين ولكن التلفزيون يشترك في مشاهدته كافة الشرائح والفئات . ومن هنا نعود لنؤكد القول باستغلال خصائص التلفزيون هذه استغلالا ذكيا نافعا بشكل المادة التي تقدم للجمهور والتي تكون اكثر تأثيرا وجذبا له. ومن خلالها يستطيع لن يعطي الجرعات المطلوبة للوقاية ولزيادة الوعي والتصدي لما يخالف آراءه وتطلعاته . لان هذه الأعمال الدرامية تكون اكثر قربا واكثر تجاوبا من الجمهور والتي ينصرف لمشاهدتها ومتابعتها بل والتفاعل معها وتخصيص الوقت لكي لا يفوت فرصة تلك المشاهدة والاستمتاع بها .حتى باتت الأعمال الدرامية هي السيدة المحبوبة التي ينتظرها المشاهد للقاء بها . وهذا يتوجب أن تسخر الحكومات والمنظمات والهيئات هذا النوع لمصلحتها وتسعى لتهيأة الكوادر وبذل الجهود لأنتاج الأعمال الدرامية لخدمتها وخدمة أغراضها . فتقديم نص تلفزيوني يتطلب مهارة عالية ومعرفة دقيقة وواعية بالكثير من المعلومات ليترتب على ذلك بناء عمل مرئي مؤثر عندما تتهيأ له المستلزمات اللازمة .وعليه لابد أن نعرف أيضا لغة هذا الفن حيث يستخدم الفنان مجموعة من الوسائل الفنية وطرق التقديم للتعبير عن الأفكار والقيم المطلوب طرحها وتنميتها وقد ميز علماء النفس الاجتماعي بين نوعين من المشاهدين :
الذين ينشدون الهروب تفاديا للتوتر الانفعالي الاجتماعي أو الشخصي والذين يطلبون من الشاشة  الصغيرة أن توسع اتصالهم بالواقع . ويجب أن نعرف متى ؟ وأين نشاهد التلفزيون ؟ وهذا يختلف من مجتمع إلى مجتمع وحسب مواعيد العمل مثلا أو حسب المناخ أو من شخص لآخر حسب ظروفه وحالته النفسية والثقافية أو الصحية.ومن جهة أخرى فأن من أهداف ما يقدمه هو تعديل سلوك العائلة من خلال التجارب الإنسانية حتى من المجتمعات الأخرى ليؤثر في السلوكيات ت ويساهم في توسيع أفقهم واطلاعهم ، فعلى الجهة المخططة أن تضع في حساباتها كل العوامل التي تبني ذلك المجتمع ولا تنسى الاهتمام بالطفل والنشء الجديد وهو من أولويات الخطط البرامجية في اختيار ما ينتج خارج حدود هذا المجتمع وان يكون الاختيار ذكيا خاضعا لدراسات مستفيضة من قبل خبراء في عالم الطفل من تربويين ونفسانيين ومربين ومن خلال إجراء الاستبيانات والاستطلاعات وهذا ينطبق على البرامج المنتجة داخليا ( المحلية ) التي لابد وان تتوافق وطبيعة التوجه التربوي العام للمجتمع بأساليب مشوقة وجذابة لنشر القيم والمحافظة على وحدة المجتمع تربويا وتحصين هذا الجيل من الأمراض الاجتماعية والنفسية والثقافية بأشراف حريص وعلمي . في نسبة ساعات البث وكذلك أوقات البث لهذه البرامج .
وهنا لابد من أن نفهم مكونات البث التلفزيوني حتى نعرف هذه الصورة وهذا الصوت كيف  يصل إلينا عبر الأثير وكم من الجهود والكوادر والمعدات تساهم في إيصاله إلى بيوتنا بعد أن عرفنا أن البرنامج يبدأ بالكلمة ( النص ) ليمر عبر تلك الكوادر والمعدات .
 —————
(فن الكتابة )    صباح رحيمة بغداد 2009