قُبيل وبعد كل دورة انتخابية برلمانية وأخرى، يتكرر ويشاع مصطلح (الولاية الثانية)، ولكل رئيس وزراء باع طويل في ذلك، وعلى الرغم من إختلاف الرؤى بين المؤيدين والمعارضين، لموضوعة تجدد رئاسة الوزراء، إلا ان الواقع يقول: منذ عام (2006)، أي بداية العملية الأنتخابية في العراق ولغاية الآن، ونحن نعيش بنفس أطر وسياسة تلك الولاية الأولى لذلك العام! “رئاسة الوزراء” كونها الموقع المتحكم بسياسة البلد بالرقم (واحد)، لا زالت قابعة، ولطوال تلك الفترة تحت متبنيات ومشروع وأسس الحزب الحاكم، بالرغم من كافة المزاعم الصورية والإعلامية، التي تطلق وتتغنى بمصطلحات (الشراكة أو المحاصصة أو الأغلبية بشقيها السياسية أو الوطنية).
سياسة وهيمنة (الحزب الحاكم الواحد)، كموروث عن حزب البعث، لم يغب بعيدا عن مفاصل الدولة العراقية اليوم! لما بعد سقوط دولة البعث، وبغض النظر من أن يعزى السبب، الى وجود أدوات البعث في أهم أروقة مناصب الدولة لكونهم جزء منها، أو كون وجود تلك الأدوات والأشخاص، حاجة ضرورية لتثبيت اسس المصالحة الوطنية المزعومة آنذاك، إلا انه تبقى مصطلحات (الشراكة والأغلبية والمحاصصة) كما اشرنا سابقا، ما هي إلا صورة أو غطاء، لإخفاء مصطلح الهيمنة الحزبية على الحكم! ترسيخ للمقبولية وإستغفال للجماهير، بالرغم من تشابه الفكرة والمضمون في التطبيق.
وبهذه المقدمة البسيطة لابد من ان نطرح تساؤل بشقين:
1- هل أن (حزب البعث) و (حزب الدعوة الاسلامية) يتبنيان نفس المنهج والأسس؟ في مشروع (الحزب الحاكم الواحد)! وهذا ما يجعل خلف هذا التساؤل عشرات الأستفهامات أيضا! في مقدمتها: هل حزب الدعاة وصولي؟ هدفه المشاركة في السلطة والحكم فقط! وبذلك لا يختلف مفهوم (الحزب الحاكم الواحد) بين (البعث والدعوة) إلا بقدر ما إختلفت الاسماء والاشخاص إن لم تتكرر! ولو إتيحت الفرصة لـ(حزب الدعوة) بان يكون شريك حزب البعث بالسلطة، لوجدته الشريك القوي الفعال في ذلك الوقت! وبهذا لابد أن نشير الى كذبة المتبنيات والمصطلحات الجهادية التي يتغنى بها سابقا، وبنفس الوقت لابد لنا أن يعطي دافع الى من تهيأ لجهاد ومقاتلة حزب البعث سابقا، ان يتهيأ ليجاهد حزب الدعوة اليوم، مع فرق طرق الجهاد وسبيله.
2- على الفرض الساخر، بعدم تبني حزب الدعوة لمنهج الهيمنة على السلطة، بمقادير الحزب الحاكم، ما هي الحجج السياسية المشروعة والمقننة؟ التي تجعل من أدوات وأشخاص هذا الحزب، تشيع مفهوم الولاية المتعددة! مع كل نهاية دورة إنتخابية برلمانية ابتداءا من (السيد الجعفري وانتهاء بالدكتور العبادي مرورا بالسيد المالكي لدورتين سابقتين)! فضلا عن تساؤل أخر يقول: لماذا يعتمد (حزب الدعوة الاسلامية) وبشقيه ( السيد المالكي – الدكتور العبادي)، وبقوة تطعيم قوائمه بأهم الادوات والقادة من حزب البعث؟ والذين لديهم سجل اجرامي بحق الشعب!
للمتتبع والقارئ الكريم، سأطرح هنا بعض الشواهد، التي تثبت بأن مشهد (الولاية الثانية والمطالبة بالولاية الثالثة للسيد المالكي) سابقاً، بدأ يدب في جسد العملية السياسية منذ اللحظة! وقبل موعد أجراء الأنتخابات، ومعرفة النتائج المترتبة، وذلك ايمانا من الدكتور “العبادي” بأن العمل بهذا الأتجاه، هو إشغال الشركاء السياسيين، عن الذهاب الى فكرة الحصول رئاسة الوزراء! وإخراجها عن طاولة الحزب الحاكم، وأن يعمد الى اشغالهم بما تحاول تلك الكتل للحصول عليه من مكاسب ومناصب حكومية! إضافة ذلك عمد الى تحديد ثمن تلك الولاية، بالاتفاق مع بعض الكتل من جهة وتهميش دور الكتل المعارضة والمنافسة من جهة اخرى وسيكون الطرح بشقين:
1- ثمن ولاية السيد المالكي الثانية ( إنشاء الصحوات العشائرية، صرف ميزانية هائلة، في المرتبات والتسليح لشيوخ العشائر للمحافظات الغربية، فتح مقرات الاسناد العشائرية للعشائر الجنوبية، التطبيع والعقود المبرمة مع الشريك الكردي، بزيادة نسبة الموزانة (17)%، أضف أليها أكبر العقود المبرمة، لاستنزاف أموال البلد ثمن تأييد وتصويت الجانب الكردي، اصدار قانون العفو عن بعض الشخصيات المشتركة في صفوف البعثيين والقاعدة! وإرجاعهم أدوات للعملية السياسية، شراء أصوات وتأييد الكتل الشيعية بالمناصب والوزارات، تسيس المنظومة العسكرية والأمنية بقيادات بعثية وكردية، كانت سببا بدخول داعش للعراق…الخ)
2- ثمن ولاية الدكتور العبادي الثانية ( تغليب وحماية وشرعنة الفساد في الدولة، كون السيد العبادي حضي بأكبر دعم عالمي في محاربة الفساد، ( شعبي وحكومي ومرجعي) وبيد من حديد، ولكن ثمن (الولاية الثانية) لا يتحمل محاكمة ومحاربة المفسدين! كونهم ادوات لمنح تلك الولاية، الأتفاقات المكوكية والسرية مع حكومة الأقليم، خاصة بعد عزل (برزاني) الذي كان عراب الاتفاقات لولاية السيد (المالكي)، العفو العام الذي شمل رجوع أخطر وأقوى الأشخاص في عصابات داعش الى العراق! والعمل على ادخالهم العملية السياسية، الاستثناء الذي صدر مؤخراً عن قائمة من شيوخ العشائر والأرهابيين! الملطخة ايديهم بالقتل والتهجير مع داعش ضد الشعب العراقي، مقتل العميد “شريف أسماعيل” في سامراء أحد اكبر رجال المنطقة الخضراء،! وإسدال الستار على اللجنة المشكلة في مقتله! ثمن لضمان موقف الصدريين له بالولاية، كونهم المتهم الاول بذلك..الخ)
ختاما نستطع أن نقول: بأن الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2018، تعتبر نقطة تحول جوهرية، وانعكاسه مفصلية، تختلف وتستثنى من الدورات الإنتخابية الثلاثة التي سبقتها، كون تلكم الدورات وإن كانت قابعة تحت مظلة الحزب الحاكم الواحد، إلا ان هنالك قبالتها ما يهدد مملكة (الحزب الحاكم الواحد) وهو ما يسمى بثورة (التكنوقراط) والتي إشيعت مؤخرا في الوسط المجتمعي، والعملية السياسية، وهذا الانتخابات ستكون مهمة مناطة بيد الناخبين، اما أن ترسخ أطر وأدوات وأسس تلك الثورة، والقضاء على هيمنة الحزب المتحكم بالسلطة، او تعيد العملية السياسية الى ما كانت عليه سابقا، وبالتالي فأن العملية الانتخابية القادمة ليس انتخاب اشخاص، بقدر ما هي تأسيس شكل الدولة، التي ستتحكم بنوعية تلكم الاشخاص الذين يقودونها، اما باتجاه دولة تكنوقراط وطني او باتجاه سياسة الحزب الحاكم والواحد.