23 ديسمبر، 2024 3:32 ص

التكنوقراط السياسي والتكنوقراط المهني….تجربة وزير تكنوقراط مهني

التكنوقراط السياسي والتكنوقراط المهني….تجربة وزير تكنوقراط مهني

بعد اطلاق السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي برنامجه الاصلاحي وتبنيه مصطلح التكنوقراط الذي دعت اليه التظاهرات الأخيرة, نشرت مقالات عديدة في مواقع اعلامية وتزاحمت ايضا حمى اللقاءات في قنوات فضائية حول مصطلح التكنوقراط , وقد سمعنا مرارا بهذا المصطلح الجديد (القديم) الذي ملا الدنيا وشغل الناس وتداوله العامون والخاصون التكنوقراط منهم والسياسيون الذي يخشى البعض منهم من تداوله وليس تناوله كونه يهدد بقاءهم في السلطة وفق نظرية انتهاج المحاصصة الطائفية هي الحل الامثل في ادارة الحكم في العراق. ان مصطلح التكنوقراط كلمة أصلها يوناني من كلمتين هما تكنو”تقني” وكراتُس ” حكم”، تعني حرفيا حكومة التقنيين او الحكومة التكنوقراطية تتشكل من الطبقة العلمية المهنية المتخصصة في بناء المؤسسات الاقتصادية والصناعية والثقافية وحتى بناء المنظومة الامنية والدفاعية وتكون غير مرتبطة بتكتل سياسي او انتماء حزبي. والتكنوقراط مصطلح سياسي نشأ مع اتساع الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي في بداية القرن العشرين، وتطور كحركة في الولايات المتحدة الامريكية بعد حالة الكساد الاقتصادي، وتبنت الادارة الامريكية سياسة التكنوقراط في ادارة الحكم التي قفزت بها لتتحول في العام (1933) الى دولة عظمى لتنافس الدول الكبرى في كافة المجالات. وبرزدورالتكنوقراط في دول اخرى نظراً لازدياد أهمية العلم والتكنلوجيا، لبناء دول مؤسسية حديثة بسبب إخفاقات انظمتها العسكرية والحزبية الضيقة, واخفاقات نظام المحاصصة الطائفية كما عندنا في العراق. وقد دعت حركات التكنوقراط هذه ببرامجها الاصلاحية اولا إلى قياس الظواهر الاجتماعية في بلدانها ثم الغاء نظمها السياسية الهجينة كما عندنا في العراق. ان هذا التغييراوالانقلاب في النظم السياسية سوف لن يتقبلها البعض من القيادات السياسية المنتفعة من هكذا انظمة هجينة, ولهذا اخفقت هذه القيادات في ادارة النظم الاصلاحية في بلدانها، وكانت دعوة حركة التكنوقراط بتبني برنامج اصلاحي جرئ يرتكز على اسس علمية وادارية مؤسسية نتيجة طبيعية لا نتشال النظم الاقتصادية الشاذة ضمن واقع التطور العلمي والتكنولوجي الذي يتسارع عالميا. وهذا ما اعتمدته الصين في برنامحها الاصلاحي في عهد دينج شياو بينج في أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في اعتماد التكنوقراط في حل المشاكل الاقتصادية والانتقال من مجتمع زراعي بحت إلى مجتمع صناعي متطور. وتبنتها كذلك حكومة الرئيس التركي توركت اوزال عام ) 1980 ( التي تخلصت من هيمنة العسكر ونقلها الى دولة غنية متطورة صناعيا ومتقدمة اقتصاديا. سقت هذه المقدمة لأبين لأبناء شعبي وللمعنيين من التكنوقراط المهنيين والتكنوقراط السياسين تجربتي عند ادارتي لملف الكهرباء من عام( 2006 ) فيحكومة منتخبة ضمت البعض من رجال التكنوقراط المهنيين والسياسيين في ظل نظام سياسي ينتهج المحاصصة السياسية, وما سأوضحه في تجربتي مع قطاع الكهرباء وردودي عن ازمة الكهرباء قائم على تقييم علمي وفني، وليس كما تعودوا سماعه من سياسيين يتعاطفون مع معاناة المواطنين كاسقاط فرضٍ بعيدا عن الحقائق والتي نشرتها بمقالات في موقع كتابات وبتسلسل مهني, وأتمنى عليكم الإطلاع عليها لتتوضّح لكم هذه الحقائق والصورة الكاملة عن حقيقة ازمة الكهرباء ومن يقف وراءها، وتتعرفوا على حجم المعاناة والتضحيات التي قدمتها وزارة الكهرباء وسط مناخات سياسية غلبت عليها المناكفات والصراعات الحزبية البعيدة كل البعد عن مصالح الشعب. أن قطاع الكهرباء من أكثر القطاعات التي عانت من الإرهاب، وبلغت ذروتها بين الاعوام (2005-2008), ومن اكثر القطاعات التي تعرضت لضغوط سياسية داخلية و إقليمية, كونه يشكل محورا أساسيا في تقييم إدارة النظام السياسي للدولة، لذلك بذلنا جهود كبيرة منذ تولينا المسؤولية لإخراج قطاع الكهرباء من آلية المحاصصة التي أصبحت تقليدا في تشكيل الحكومات المتعاقبة بعد عام (2003)، لنتمكن من بناء مؤسسة كهرباء مستقلة تعتمد المهنية والتخصص كأساس لها، بعيدا عن تدخلات الكتل والكيانات السياسية اللاهثة وراء مصالحها الضيقة. وكان من المتوقع أن لا يرضى السياسيون من هذا التوجه، لذلك أصبح قطاع الكهرباء من بين أهم أدوات الصراعات والمناكفات والتسقيطات السياسية لكي لا يسجل النجاح بإسم هذه الكتلة السياسية أو تلك، ولا يهمهم في ذلك
مصلحة الوطن والمواطن. ولم يكن تخطيطنا لقطاع الكهرباء متوقفا على تغطية الطلب على الطاقة الكهربائية، بل تضمن ايضا مواجهة النمو السنوي المستقبلي، فوضعنا خطة عشرية للسنوات (2006 – 2015) وبدعم من مؤسسات دولية وبإشراف البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. وتضمت الخطة مقدار الطلب المتوقع على الطاقة الكهربائية الذي سيكون بحدود (20) ألف ميكاواط في العام (2015)، مقابل قدرة إنتاجية بـحدود (28) ألف ميكاواط، من انشاء بنى تحتية جديدة من محطات إنتاج وشبكات نقل وتوزيع. وقد توسعت الخطة المركزية الى العام (2030) بعد تكليف مؤسسة (بارسنز برنكرهوف) العالمية في العام (2009) متضمنة توقعات الاحمال السنوية والقدرات الانتاجية المطلوبة وانواعها والخطة الوقودية واعداد التصاميم والدراسات الخاصة بقطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع. تم إصدارها في شهر كانون أول (2010) بخمس مجلدات تفصيلية. وعلى ضوء ذلك تم توقيع عقودا استراتيجية لمشاريع انتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية ومراكز سيطرة ومراكز تدريب وبشكل مباشر مع الشركات العالمية المصنعة وحسب اختصاصاتها وليس من خلال وسطاء قد يكونوا ممولين لكتل واحزاب سياسية.
ورغم كل الجهود التي بذلت لبناء مؤسسة (كهرباء) مستقلة غير خاضعة لشروط المحاصصة الطائفية وبعيدة عن تجاذبات الكتل السياسية ومعتمدة إعتمادا كليا على قيادات من التكنوقراط، إلا أن صراعات هذه الكتل ما لبثت إن إنعكست وبشكل ضاغط على سير عمل الوزارة، وأثرّ ذلك بشكل واضح على تأخير تمويل مشاريع الكهرباء خاصة بعد توقيع العقود الاستراتيجية في نهاية العام (2008 ). لم تتمكن الحكومة من تنفيذ إلتزاماتها بسبب إنخفاض أسعار النفط عالميا في العام ( 2009) وإقتصرت تخصصيات الموازنة العامة للعام (2009) بشكل رئيسي للموازنة التشغيلية المعنية برواتب وأجور موظفي الدولة وعلى حساب تقليص الموازنة الإستثمارية وبشكل قاس، مما أدى الى التضحية بالتخصيصات الاستثمارية لتلك المشاريع، وتأخر تنفيذ خطة الوزارة التي تم استعراضها في مجلس النواب وبالتالي إفشال الوزارة في الإيفاء بالوعود التي قطعتها. وإضطرت الوزارة الى تقديم مقترح باصدار حوالات خزينة, وبسبب عدم موافقة البنك المركزي العراقي واعتراض بعض الكتل السياسية في مجلس النواب على اصدارها، إستغرق هذا الصراع والمراسلات بحدود سنة بين وزارة المالية والبنك المركزي ومجلس النواب للموافقة بشأن اقتراض حوالات خزينة من الارصدة غير المتحركة من المصارف الحكومية العراقية بقيمة (2) مليار دولار، وهو ما تسبب بتأخير خططنا بتوفير الكهرباء لسنة أخرى عن الجدول الزمني. وبالرغم من حجم المعاناة والتضحيات التي قدمتها وزارة الكهرباء وسط مناخات سياسية غلبت عليها المناكفات والصراعات الحزبية البعيدة كل البعد عن مصالح الشعب كما بينا آنفا, والحقيقة التي نود أن يطلع عليها المواطن أن الفترة التي تولينا فيها إدارة القطاع اوصلت نسبة الزيادة في انتاج الطاقة الكهربائية بمقدار (47%) في العام (2010) عن العام (2006), وقد لمس المواطن العراقي التحسن فى تجهيز ساعات الطاقة الكهربائية في الأشهر الاولى من العام (2010) حيث وصل التجهيز الى معدلات تصل (18) ساعة في اليوم في معظم مناطق العراق, مع المباشرة بتنفيذ عقود مشاريع الطاقة الاستراتيجية. ان التأخيرفي تنفيذ عقود المشاريع الاستراتيجية كان بسبب تأخر تسديد الدفعة الاولى لها في العام (2009)، وذلك بسبب عجز الموازنة المالية بعد انخفاض اسعار النفط العالمية. يضاف الى كل ما تقدم، كانت هناك سلسلة من الإجراءات الرقابية و القضائية المستندة الى إخبارات كيدية، تحولت الى أحدى أدوات تعطيل الإجراءات التعاقدية للمشاريع الاستراتيجية ليس لسبب رقابي بحتْ، بقدر ما هي مرتبطة بأهداف سياسية تنافسية قد تخفي
نيات مبيتة لإبقاء العراق متراجعا. من هذا التوجه، أصبح قطاع الكهرباء من بين أهم أدوات الصراعات والمناكفات والتسقيطات السياسية حتى لا يسجل النجاح بإسم هذه الكتلة السياسية أو تلك، ولا يهمهم في ذلك مصلحة الوطن والمواطن، ولم نستغرب أن تتطور التقاطعات لتصل الى التعرض لقياديي قطاع الكهرباء من عدد من محاولات الاغتيال لهم ولعوائلهم واستمرار استهدافهم واقصاءهم بأساليب كيدية رخيصة. اضافة الى مشكلة عدم التزام وزارة النفط بتوفير كامل كميات وانواع الوقود الى محطات انتاج الطاقة الكهربائية بسبب سياستها النفطية والى يومنا هذا. بعد إستعراض ما تقدم يحق لنا أن نتسائل : هل بهذه السياسات وبهذا التعامل ووسط هذه الظروف كان ينتظر منا مواطنينا أن ننجز مهامنا في المواعيد المخطط لها؟ هناك أكثر من تساؤل يدور ومنها حول (التظاهرة) التي خرجت في صيف عام ( 2010 ) في البصرة تحت عنوان المطالبة بتحسين واقع الكهرباء، هل كانت تلك الإحتجاجات عفوية ومعنية بحل نهائي للأزمة؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا توقفت؟ هل كان توقفها ناتج عن تحقيق مطالبها؟ لقد مر على تلك التظاهرة ما يقارب على ست سنوات دون تحقيق المطالب التي خرجت من أجلها، ما يجعل المهتمين من ذوي الشان يوقنون تماما أنها خرجت بنيات أخرى, والدليل على ذلك أنها تسببت في تأخير تنفيذ المشاريع الاستراتيحية وإنحرافها عن برنامجها الزمني المثبت في الخطة المركزية من خلال تبني الوزارة بعد مغادرتي لمشاريع ترقيعية وإعتماد شركات غير مؤهلة (إتضح فيما بعد أنها وهمية)!!. والكل يعلم انه لا توجد شركات رصينة في العالم تقوم بتوفير عقدي محطات الديزل بسعات ( 5000) ميكاواط لنصبها وتشغيلها واعداد كوادرها الفنية في فترة زمنية لاتتجاوز ستة اشهر اضافة الى توفير وقودها الثقيل من مصافي بعيدة عن مواقعها. مع العلم ان العمر الافتراضي لهذا النوع من المحطات وباسلوب التشغيل المزمع عليه لايزيد عع اربعة سنوات وحسب تجارب الوزارة , والاستنتاج والجواب لديكم ولدى المواطن. لقد وضعت قيادة الوزارة في العام ( 2006 ) الأسس السليمة لبناء قطاع كهرباء حديث بالإعتماد على التكنولوجيا المتقدمة في المشاريع الجديدة المجهزة من أرقى شركات صناعة الكهرباء في العالم، لكي نبدأ بقطف ثمارها في أواخر العام ( 2011 ) ولينتهي العراق من أزمته نهائيا في العام ( 2013). كنا صادقين أمام الله وأمام شعبنا وعملنا بكل جد ومثابرة وبروح المسؤولية الوطنية بعيدا عن التحزب والولاءات لأي جهة كانت، كان ولاءنا الوحيد للعراق وحسب، غادرنا الوزارة لتلتحق هذه المؤسسة العريقة من بعدنا – وبكل أسف – الى قافلة المؤسسات الملحقة بالمحاصصة الطائفية، فيما تسابق المسؤولون في الوزارات المتتابعة في مباراة (قص الشريط) للمشاريع الاستراتيجية التي باشرنا نحن بها ولكن ….. بعد تأخير إمتد لعامين نتيجة الصراعات والمنافع الجهوية الضيقة على حساب مصالح الوطن والتي كان فيها المواطن هو الخاسر الأكبر. لقد إمتد عملي الطويل في قطاع الطاقة لما يقارب من الأربعين عاما، تبوأت فيها مناصب إدارية وفنية مهمة وعديدة ، تدرجت فيها بالتسلسل الوظيفي عبر دورات علمية ومالية واقتصادية وإدارية، وحصلت على أرفع الشهادات ا لأكاديمية من أبرز الجامعات العالمية المتميزة ، وشاركت وحاضرت أكاديميا في كله تراكم الخبرة الادارية والعمل الميداني، وتوّج ذلك بإنتخابي رئيسا للدورة الوزارية لوزراء الطاقة والكهرباء في الجامعة العربية ونائبا للرئيس التنفيذي لوزراء الطاقة والكهرباء العرب. ولم تسعفني هذه
الخبرة المهنية والادارية الطويلة والاكاديمية المتخصصة اضافة الى علاقاتي الدولية المهنية في حمايتي وحماية قطاع الكهرباء وبرنامجه الواعد بانهاء ازمة الكهرباء في عام ( 2013 ) من تدخلات الكتل والكيانات السياسية اللاهثة وراء مصالحها الضيقة, فهل يستطع السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي وهو شخصية علمية أكاديمية سياسية ويمكن تعريفه ضمن فئة (التكنوقراط السياسي) ان يحمي مشروعه الاصلاحي وكابينة التكنوقراط المنقذة الواعدة، وهل يستطع الأخذ بهكذا تجارب ادارية مهنية وطنية مستقلة كمعاييرويقدم لها الضمانات من الصراعات والمناكفات والتسقيطات السياسية عندما يبدأ البحث عن مكونات كابينته الوزارية بسبب فرض النظام السياسي آليته في تشكيلة الكابينة من مكونات الكتل المشاركة في العملية السياسية. ولهذا لا يمكن لاي حكومة تكنوقراط مهنية كانت ام سياسية ان تنجح في أدائها مالم تكن متكئة على قاعدة جماهيرية تؤيدها وتوظف طاقاتها ممثلة برلمان مساند ﻷجل تنفيذ خططها ومشاريعها لتنمية انفجارية واعدة ينتظرها المواطن بعد تغيير النظام في عام ( 2003 ).