عندما اجتاح الألمان الاتحاد السوفيتي إبان الحرب العالمية الثانية واندفعوا بقوة نحو مدينة ستالينغراد الإستراتيجية لم توقفهم لا القوة العسكرية ولا الخطط التكتيكية بل ما أوقفهم فكرة معنوية بسيطة طرحها احد الضباط لقائده تقوم على صناعة البطل ليقتدي به كل الجنود والقيادات ، وبالفعل بدأت المناطق والوحدات المقاتلة السوفيتية تبحث عن المتميزين فتكرمهم وتحتفي بهم وببطولاتهم ( التي لم يكن بعضها موجودا أصلا ) وتنشر صورهم حتى أصبحوا مفخرة للكبير والصغير من أعلى القيادات إلى أدناها وبين عموم فئات الشعب .
من هنا كان التحول الكبير وغير المتوقع في مسار الحرب بستالينغراد وليس غيره ، وفي مسيرة الجيش الألماني التوسعية حيث بدأت الانكسارات من هناك ولم تنتهي إلا في برلين لتقضي على هتلر اكبر دكتاتور في التاريخ وعلى رايخه الثالث ونهجه المشابه للإرهاب التكفيري في هذا الوقت .. والى الأبد .
وبينما أنا اكتب هذه السطور تخيلت الوضع الأمني الحالي الذي نحن فيه ، فالإرهاب يضرب في كل مكان والجميع يتفرج عليه وبدلا من أن يقف السياسيين والمواطنيين صفا واحدا خلف المؤسسة الأمنية لدعمها، يعمل البعض بالضد من ذلك ، أما بالصمت أحيانا أو الانتقاد الجارح لكبار قادة المؤسسة العسكرية الذين يديرون الأمن في البلاد أحيانا أخرى ، دون أن نفكر في السبل المشروعة التي تجعل من اؤلئك القادة أمثلة للشجاعة والتضحية ونكران الذات والبطولة نظرا لما يتمتعون به حقا من مواصفات نفتخر بها جميعا وهذا الأسلوب الساند لعزيمة الرجال يعزز قدرة المؤسسة الأمنية ويمنحها عزما وقوة مضافة لتنطلق في مهامها لحماية الأبرياء والدفاع عن الوطن والتصدي للإرهاب والقتل والجريمة.
لكن أنّى يكون ذلك والإعلام المغرض وبعض السياسيين وعتاة المحللين يعملون على النيل من المنظومة الأمنية بالهجوم على كبار قادتها المشتبكين ضد العدو والذين لم يسلم منهم احد من الانتقاد الهادم للمعنويات والألفاظ الجارحة والاتهامات الباطلة ، وقد شملت حملة الهجوم الإعلامي وما زالت عددا من رموز العسكرية العراقية المضحية والجندية المؤمنة برسالة الوطن وطعنتهم في الظهر ونذكر منهم:
– الفريق أول فاروق الأعرجي مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة
– الفريق عبود قنبر معاون رئيس أركان الجيش للعمليات وقائد عمليات بغداد السابق
– الفريق عبد الأمير الشمري قائد عمليات بغداد الحالي
لماذا ينتقد الإعلام هؤلاء القادة العسكريين الكبار؟؟ ولماذا هذه الحملة المغرضة وفي هذا الوقت بالذات على قادة يحملون تاريخا وطنيا مشرّفا ودرجات علمية رفيعة وخبرة مهنية طويلة ورصينة؟؟؟ … هل يريد ذلك الاعلام جيشا بلا قادة ؟؟ ام يريد قادة بلا رصيد ومؤهلات وتاريخ؟؟ .
لدى مراجعتنا لسيرة القادة المذكورين وجدنا أن الأول يحمل أعلى الشهادات في تخصصه العسكري ومن أرقى الجامعات العالمية إضافة إلى درجة بروفسور في القانون ، بينما يمتلك الثاني من الخبرة الميدانية والحنكة والمهنية ما أهله للعودة إلى منصبه بعد سنوات ، أما الثالث فهو جدير بالمساندة في هذا الظرف الصعب والمنصب المهم الذي تبوأه ورغم ذلك نراه يعمل وكل التيارات تقف بالضد منه على حساب امن المواطن ودمه الطاهر في بغداد على وجه الخصوص والمحافظات بالعموم .
وإذا كنا لا نفكر بهؤلاء الأبطال أو أن نتخذ منهم نموذجا يقتدي به المواطن قبل المقاتل في مواجهة آلة الإرهاب والتكفير والتخريب والدم ، فعلى الأقل يجب أن لا نقف ضدهم لأنهم خيار التكنوقراط المهني المطروح الذي يحتاج للعمل والدعم المعنوي قبل المادي ، وليعلم كل ذي شأن أن الخلل الأمني اليوم ليس في القيادات العليا بل في بعض القيادات الدنيا غير المهنية التي لا تلتزم بالخطط الأمنية والسياقات العسكرية والتوجيهات الصادرة إليها وتغلب مصالحها الخاصة على العامة . فنحن إذن لسنا بحاجة إلى فاسيلي زايتسيف أسطورة ستالينغراد .. لان لدينا في المؤسسة الأمنية الكثير من التكنوقراط ممن يستحقون المفاخرة بهم وتكريمهم وتعميم ايجابياتهم .