القبيلة والعرق والنشأة والجنسية والقومية.
المال والجــــاه والجمال والتَسيد والعبودية.
كُلها دَثرها القرآن بخمس كلمات فقط:(إن أكرمكم عند ألله أتقاكم)..!.
حينما يأتي القرآن بمقياس التفاضل على أساس التقوى، ليؤسس ويدعو الى حضارة تُلغي الطبقات والفوارق في المجتمعات والشعوب، حتماً سيقودنا هذا المبدأ الى التأكيد على معرفة ماهية التقوى؟ وكيف لها أن تكون مقياس أو قبان، تتوحد على بيضته فوارق البشرية؟! بالرغم من تعدد مسمياتها، وإختلاف فكرها وأديانها ونشأتها وحضارتها..!
التقوى لغة:هي صيانة النفس من الوقوع في المحذور، وهذا ما يدعو الشعوب والمجتمعات، الى الإتفاق على التعريف بذلك المحذور، وهذا بدوره يُرجع النقاش حيث بداية الإختلاف..!
تعدد تعريف التقوى في الشريعة؛ على عدد الأراء والأفكار التي تستقرئها في الفكر، وتستنبطها من حيث النصوص.
منهم من قال بأنها: حفظ النفس مما يؤثم! وذلك بأمتثال الأوامر وإجتناب النواهي، تبعاً للشريعة والرسالة السماوية الحقة.
عرفها آخر: (أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله).
أجمل ما يوثق في التقوى تعريف “علي إبن ابي طالب” لها إذ يقول:(هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والإستعداد ليوم الرحيل)، أو يصفها بأبسط ما يجسدها في الواقع: (بأن يراك الله حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك).
لو تأملنا في الآية التي أشرنا لها سابقاً، سنجد حقيقة ملفتة للنظر، وهي كلمة (عند الله)..! هذا الكلمة تدل على شيئين:
أولاً: بأن تكون قرينة الكرامة ،أو القيمة السامية، التي تقتل في الأنفس شبح العُجب والأفتخار والتكبر، وتذيب فوارق المجتمع، مع الله تعالى وحسب ما يراه، وهذا لا يعني بأن تكون واضحة المعالم في عالم الدنيا، بل على العكس من ذلك، فقد تكون تلك الكرامة، هي المبرة أو الشفاعة، التي تُطلق العنان لذلك المخلوق، بأن يصول ويجول في نعم الله حيث الخلود والجنة التي لا تفنى.
ثانيا: مادام شرط التقوى بأن تكون الكرامة عند الله، إذن هنا التقوى ستكون حيث ما يراها ويعرفها الله تعالى، ومن الملفت للنظر، بأن جميع الأديان والكتب السماوية وحتى النصوص الموضوعة منها! تتفق بنسبة كبيرة في تعريف التقوى!.
نصل هنا الى حقيقة تقول: أن القيمة الأساسية في حياة الإنسان هي “التقوى” التي تتيح درجة التنافس والتفاضل، وتتيح الالتزام بأوامر الله تعالى، وبالتالي تخلق إنسان سوي مستقيم، لا يحتاج الى حسب أو نسب أو مال أو شكل يقومه أمام الله! مادام هو قادر على ذلك بنفسه وفعله وإيمانه وعقيدته.
مجتمعنا اليوم وللأسف، يحتاج الى الواعز الأخلاقي والديني والتربوي التوعوي، الذي يحفز بنا هرمونات وخلايا فكرية، تقاوم صراع القبلية والعشائرية والنزعة الطائفية، التي أكلت من جسد أبناءنا وشربت من دماءهم! وبذلك نخلق جو بعيد عن تلك الأفكار الموروثة من الفكر الجاهلي المتحجر.
الفكر الذي يُقوم ويدعم فكرة التفريق بين حقوق وواجبات الرجل والمرأة! الفكر الذي يُعطي لبعض العشائر حقوق الاقطاعية والتحكم برقاب البسطاء! الفكر الذي لازال والى اليوم، يُمييز الإنسان حتى من حيث مهنته وعمله! الفكر الذي يُحطم ويَختزل مباني التقوى وكرامتها، تحت مسمى (العرف والسنينة والعادة والتقاليد)! الفكر الذي الى اللحظة يؤمن بمبدأ عدم التزويج والأختلاط بين أسود البشرة والأبيض! بفحوى وجريرة اللون والعبودية والرق، الفكر الذي مازال يرى كرامة تزويج بعض النساء، من أبناء عمومتهن كرهاً! بفحوى القرابة وكرامة العشيرة او المال.
وختاما أقول:(عباد الله إتقوا الله).
وعلى الجميع أن يفهم، ليُطبق واجباته ويقف على حد حقوقه، ولا تكون تلك الأعراق والأنساب والمناصب والتقاليد، مدعاة وعرضة لأختراق وتمزيق مباني نصوص القرآن، ورسالة الله في البشرية، فينهار مجتمعنا، وتقتلع ثوابتنا، من حيث معصية الله تعالى، وغضبه فينا.