19 ديسمبر، 2024 5:51 ص

التقلّبات الديمقراطيّة والمحكمة الاتّحاديّة!

التقلّبات الديمقراطيّة والمحكمة الاتّحاديّة!

الديمقراطيّة ممارسة عمليّة لا يمكن تحقيقها بالشعارات، بل هي نظريّة يصدّقها، أو يكذّبها، تطبيقها في الميادين السياسيّة، الشعبيّة والرسميّة.
والنظريّة الديمقراطيّة يفترض أنّها قائمة على قرار الشعب ورغبته، وأنّها لا تفرّق بين المواطنين، وتنظر إليهم نظرة واحدة عادلة ومطلقة ومتساوية!
وبعيدا عن تعريف الديمقراطيّة المتعارف عليه والذي يقصد به حكم الشعب، أو سلطة الشعب، أعتقد أنّ الديمقراطيّة ليست أمرا سهلا يمكن تحقيقه في كلّ المجتمعات لأنّها بحاجة لرجال مخلصين يقبلون النقد، ولا يهرعون لتخوين كلّ مَنْ يحاول تقويم الحالة السلبيّة، ويترفّعون عن الخطابات الترهيبيّة التخريبيّة!
والتجربة الديمقراطيّة العراقيّة التي ولدت بعد العام 2003 هي تجربة في طور التكوين، وهي لم تنضج رغم كلّ السنوات السابقة الكافية لنمّوها، ويفترض بها أن تكون قد وصلت الآن إلى مرحلة الشباب أو النضوج الفكريّ، وهذا التأخّر نتيجة طبيعيّة لعدم تطبيق روح الديمقراطيّة في عموم مفاصل حياة الدولة، وبقيت الكلمة الفصل للسلاح، والترغيب والترهيب، والمال السياسيّ، والتي سُحِقت أمامها إرادة الناس واختياراتهم!
والمجتمع المكبوت والخائف والمرعوب لا يمكنه أن يكون مصدرا للسلطات، أيّ يَكون الحَكَم في التصويت لهذا الطرف أو ذاك، ولهذا يفترض التأسيس للديمقراطيّة في المجتمع قبل السعي لتطبيقها عبر صناديق الاقتراع لأنّنا حينها سنكون أمام عمليّة (ديمقراطيّة) مفرغة من روحها أو محتواها!
ويفترض كذلك أن تكون الأطر القانونيّة في التجارب الديمقراطيّة بسيطة وواضحة، وخالية من التعقيد وبعيدة عن مظاهر الخيبة والضياع والخراب التي تضرب عمق الممارسة الديمقراطيّة بالترهيب والتسويف والتوافقات والمجاملات البعيدة عن إرادة الناخب!
إنّ المعترضين على نتائج الانتخابات البرلمانيّة العراقيّة التي أجريت في العاشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، مارسوا أبشع صور التنديد والتهديد، ولدرجة أنّهم حاولوا قصم ظهر النظام السياسيّ بالبلاد، وبعدها اعترضوا على نتائج الانتخابات لدى المحكمة الاتّحاديّة التي ردّت جميع طعونهم قبل أربعة أيّام، وصادقت على النتائج المعلنة!
وبعد قرار المحكمة بساعات خضع جميع المعترضين لقرارها، فما الذي تغيّر، وهل صاروا بين لحظة وضحاها من المؤمنين بالديمقراطيّة بعد موجة من التهديدات والتنديدات؟
وفي اليوم التالي لقرار المحكمة حاول مقتدى الصدر أن يضرب الإطار التنسيقيّ (الشيعيّ) بالصميم حينما نجح في الاجتماع مع بعض زعامات الإطار بمنزله في النجف، ومنهم هادي العامري وفالح الفياض وغيرهما!
وهذه الحركة الحواريّة، ربّما، تشير بأنّ عدم دعوة نوري المالكي للاجتماع تهدف لتشتيت الإطار، أو محاولة جادّة لضرب المالكي وقطع الطريق عليه لولاية جديدة لرئاسة الحكومة بسبب الخلافات السابقة بين الرجلين نتيجة ملاحقة وهزيمة رئيس الحكومة حينها، المالكي لجيش المهدي التابع للصدر في البصرة نهاية آذار/ مارس 2008!
وبعد اللقاء غرّد الصدر قائلا: “حكومة أغلبيّة وطنيّة. لا شرقيّة ولا غربيّة”، في إشارة إلى طهران وواشنطن، فيما أكّد العامري أنّ اللقاء كان إيجابيّا، وأنّهم سيواصلون اجتماعاتهم لاستكمال بحث ضمانات النجاح في بناء الدولة!
وقد ذكرت بعض الصالونات السياسيّة أنّ الإطار التنسيقيّ أبلغ زعيم التيّار الصدريّ أنّه لا تجديد للرئاسات الثلاث في الدورة السابقة (الوزراء، البرلمان، والجمهوريّة)، ولا حكومة بلا المالكي!
وهنالك دلائل قويّة على إصرار المالكي على رئاسة الحكومة المقبلة، ولهذا أظنّ أنّ هنالك مواجهة مرتقبة بين الصدر والمالكي حول المنصب!
وعقدة أو جدليّة ضرورة مجيء المالكي لرئاسة الوزراء ستدخل البلاد في موجة جديدة من الجدل السياسيّ. ولا ندري كيف، ومتى، وبأيّ ضريبة باهظة ستخرج البلاد من دهاليز هذه الأزمة المرتقبة!
واقع الحال الديمقراطيّ مُهلهل، والديمقراطيّة العراقيّة تختلف عن ديمقراطيّات غالبيّة دول العالم، وربّما هي ديمقراطيّة مفصّلة على حالة غير ناضجة، وبالنتيجة لا يمكن توقع جني الثمار الطيّبة منها!
إنّ النبتة الديمقراطيّة العراقيّة بحاجة لأرضيّة صالحة لنمّوها؛ ولهذا فبناء المجتمع المستوعب للديمقراطيّة هو السبيل الأمثل لنجاح الدولة. والديمقراطيّة التي لا تساهم في بناء الوطن، وتطبيق القانون، ومعالجة الفساد، وتجديد قوى المجتمع، وتحقيق الانسجام الوطنيّ هي ديمقراطيّة فاشلة وسقيمة، بل هي مظهر من مظاهر الدكتاتوريّة القاتلة؛ وعليه فإنّ الرُقيّ الفكريّ للمواطنين يقود بالمحصّلة للرُقيّ في الاختيار، والنضج في الممارسة الديمقراطيّة!
الديمقراطيّة تعني قبول الفوز والخسارة، واحترام الطرف المنافس، فهل المناخ الديمقراطيّ العراقيّ مناخ صحّيّ، أم أنّ الواقع خطير ومليء بالمنغصات والمهلكات؟
dr_jasemj67@

أحدث المقالات

أحدث المقالات