المشروع الذي طرحه السيناتور “بايدن” لاقى قبولا كبيرا في مجلس الشيوخ الأميركي في حين رفضه معظم العراقيين ودول الإقليم (باستثناء إيران) ومجلس جامعة الدول العربية ومنظمة العالم الإسلامي لكونه مشروعا مفضوحا لتقسيم العراق، وسيلحق ابلغ الضرر بالمنطقة قاطبة.
الأحداث الأخيرة التي جرت في بعض المحافظات العراقية ، وتحديداً السنية منها ، ضاعفت من قبول هذا المشروع ، بل أن القارئ للواقع على الأرض يجد أن الخطوات الأولى قد تحققت فعلاً في سيطرة “داعش” على هذه المحافظات ، مع العلم أن الغالب على هذه المجاميع المنظمة بصورة غريبة ، وهي تذكرنا بعصابات البعث الإجرامية التي كانت تقتل العراقيين ، وتعذب المعتقلين في أسلوب انتقامي لم نجد له مثيل من قبل ، كما أن تاريخ البعث وما خلفه من أجرام بحق الشعب العراقي من قتل وتهجير وتعذيب بأحواض التيزاب لهو خير دليل على بشاعتهم وإجرامهم .
اليوم يعود البعث إلينا من جديد بثوب ثان هو ثوب الاسلاموية “الداعشية” ، وما يجري اليوم في الموصل من تفنن في قتل الأبرياء ، وكل من يخالفهم ، واغتصاب وتعذيب النساء وعلى مرمى ومسمع من الموصليين ، لهو خير دليل على بشاعة هذا التنظيم والتحالف “الوهابعثي” ، كما أن المجاميع الإرهابية المسلحة في العراق “أكثر تطرفاً” حتى من تنظيم القاعدة وتشكل “خطراً” على دول المنطقة كافة ليس العراق فحسب .
هذه الخطوة الخطيرة في تحريك بقايا البعث المجرم في المحافظات الساخنة ، هو تمهيد واضح لهذا المشروع ، مع توفر الأدوات في نجاحه ، من دعم داخلي من حواضن وتوفر الأرضية الخصبة لتعشعش هذه الخلايا النائمة ، لتكبر وتنمو وتكون كالسرطان ينتشر بسرعة أمام تلكأ واضح في متابعة هذه الخلايا ، حتى أصبحت خطراً يهدد العراق بأجمعه .
لهذا من يشاهد الأحداث على الأرض يجد الكثير من الأجوبة لتساؤلات مهمة ، لماذا الآن ، ولماذا الموصل ، رغم سقوطها ليس اليوم بل هي ساقطة منذ سنين بأيدي البعثية ورجال الأمن والمخابرات والجيش السابق وفدائيي صدام “سييء الصيت” ؟!!
للإجابة على هذا التساؤل يجب أن نقرأ الواقع كالتالي :-
دخول القوات الكردية على كركوك ، والذي رغم كل ما حصل في ديالى من أحداث إرهابية سابقة ، والانفجارات الكبيرة التي حدثت في كركوك ، رغم ذلك لكن القوات الكردية لم تتحرك شبراً واحداً ، بل حدث الكثير من الاحتكاك بين الجيش العراق وقوات البيشمركة على المناطق شمال ديالى أكثر من مرة ، ولكن لم تتحرك أي قطعة كردية باتجاه كركوك أو ديالى . أذن هو مخطط جهمني خطير ومفتعل في نفس الوقت من أجل دخول القوات الكردية ، والسيطرة على الأرض في كركوك وشمال ديالى ، وسوف لن تخرج إلا بتنفيذ المادة 140 من الدستور والخاصة بالمناطق المتنازع عليها بين الإقليم والمركز .
المحافظات السنية ، والتي أصبحت هي الأخرى واضحة تماماً والتي هي ممتدة من الانبار إلى الموصل وصلاح الدين وربما تدخل ديالى في المعادلة ، وان كانت تعد منطقة مختلطة بين السنة والشيعة .
اعتقد بقراءة بسيطة وتحليل موضوعي ربما سيتم تبادل ديمغرافي ، أي بمعنى آخر ترحيل السكان الشيعة إلى مناطق الشيعة ، أو ربما ترحيل السنة إلى مناطق السنة ، وهكذا يتم وضع خط ديمغرافي مناطقي على أسس مذهبية وعرقية .
المحافظات الشيعية والتي هي الأخرى معلومة وواضحة ، ويعاد رسم حدود كربلاء ، والتي تم تغييرها أبان حكم النظام السابق ، وإعادة ما تم إعادته من الأراضي الكربلائية من الانبار ، ووضع الخطوط الفاصلة بين هذه الأقاليم ، وتخيير السنة في هذه المنطق من الرحيل إلى المناطق السنية أو الإقليم السني أو البقاء في أرضه ومنزله .
تبقى بغداد ، والتي ربما سيكون فيها التصارع فالسنة يدعّون أنهم يملكون الأغلبية فيها ، فيما يعتبرها الشيعة أنها مركزهم وثقلهم الأكبر فيها ، وهنا يأتي دور التفاهم على حماية الأقلية في بغداد ،سواء أن كانوا من السنة أو الشيعة ، وتخيير الأقلية في الرحيل أو البقاء في مناطقهم وحمايتهم .
كل ما قلناه في جبهة موحدة أسمها الإرادات السياسية العراقية من الداخل ، والدعم الإقليمي الذي يحاول تفعيل هذا المخطط ، والدعم الغربي الذي يجد فيه “الراحة” والانتهاء من ملفاً معقد أسمه العراق ، وبالتالي التخفيف من الضغط الواقع على إسرائيل ، وان كنت لا اعلم بماذا يهدد العراق إسرائيل ورجالها في كردستان ؟!
الجبهة المقابلة هي الإرادة الوطنية ، والمتمثلة بالشعب العراقي ، والمرجعية الدينية ، والرجال الأوفياء للوطن ، وهذه الجبهة رغم قلتها ألا إنها تملك الإيمان بهذه الأرض ، والإيمان بالوطن ، والالتزام الكامل برؤى المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف ، وربما سيكون الصراع شرساً بين هاتين الجبهتين ، ولكن في كل الأحوال ومهما تحقق من بعض النتائج لتلك الجبهة على الأرض إلا أن الجميع يعلم وعلى مر التاريخ إن الشعوب دائماً هي من تنتصر .