23 ديسمبر، 2024 5:33 ص

التقريب بين المذاهب وإشكالية النجاح

التقريب بين المذاهب وإشكالية النجاح

بعدما استطاعت الدول الأوربية من سن قوانين جواز تعدد الأديان والمذاهب والمعتقدات والتسامح وقبول الآخر والسماح لكل فرد إن يمارس دينيه وطقوسه بحسب ما يعتقده ويؤمن به بعدما عانت من صراعات واقتتال طائفي مرير ستمر معها عشرات السنين ولكنها في الأخير استطعت أن تتخلص منه وتتعامل مع الآخر بعيداً عن دينه ومعتقده وهذا هو سر النجاح والتقدم في تلك المجتمعات.
وبعيداً عن الحروب الطائفية والصراعات المذهبية داخل التيار الإسلامي بشكله العام وما تعانيه المذاهب الإسلامية من تناحر وكيل التهم والثأر من الآخر ومحاولة إلغاءه من الوجود انطلقت فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية من اجل قطع الطريق أمام كل ما من شئنه إن يفرق وحدة الأمة ويشتت شملها.
أو إن يكون هو السبب في سيل الدماء بين المسلمين ومع ما يحمله هذا المشروع من أهمية كبيرة في وحدة المسلمين ولم شملهم إلا انه لم ينجح ولم يؤتي ثماره المرجوة ولمن يجني المسلمون أي ثمار من ذلك المشروع سوى المؤتمرات والندوات مما ولد حالة يئس لدى الكثيرين ممن كان يراهن على نجاحه في وحدة الأمة الإسلامية بعد اختلاف دام أكثر من ألف عام.
ومن ابرز تلك المعوقات التي تواجه مشروع التقريب بين المذاهب هي التزام كل مذهب بما لدية من مرتكزات عقائدية وفقيه لا يستطيع إن يتخلى عنها وبالتالي سوف تتحول هذه إلى معوقات تحول دون نجاح هذا المشروع.
فننا نجد أن المذاهب الإسلامية السنية ترفض التعامل مع أتباع المذهب الجعفري لأنهم شيعة وتضيق عليهم الخناق في العيش والمشاركة السياسية وغيرها من مجالات الحياة مع إن شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت وهو أول رئيس لجامعة الأزهر يوافق على ان يجعل المذهب الشيعي( الجعفري) خامس المذاهب الإسلامية الرسمية في الجامعة ويجيز التعبد على ضوءه وهي خطوبة جدية وواقعية وجبارة ومباركة وتحقق للتقريب الفعلي بين المذاهب ولكنه مع ذلك لم يكتب لهذه الخطوة النجاح في تحقيق التقريب
وذلك لان المذاهب السنية مع إنها ترى جواز تعدد المذاهب العقائدية والفقهية وتجيز لكل مسلم الأخذ بأي منهما مادامت تلك المذاهب تؤمن بنظرية الشورى ونظرية عدالة الصحابة وهذان العنصران هما المائز لديهما في قبول ورفض أي مذهب كان, فأنها سوف تواجه مشكلة في التعاطي مع المذهب الشيعي وذلك لان الأخر لا يؤمن بشرعية هذين العنصرين واللذان عليهما قوام المذاهب السنية.
فضلا عن إنكار المذاهب الإسلامية السنية إلى عصمة الأئمة وتعين الخلافة بالنص وغيرها من المسائل الاعتقادية التي لا تتفق المذاهب السنية مع المذهب الشيعي في معظمها هذا في المجال العقائدي وأما لو ذهبنا إلى المجال الفقهي فسوف نجد بان الباب مؤصد أمامها تماما فان المذاهب السنية لا تستطيع أن
تتخلى عن ابسط المسال الفقيه المستحبة عندهم فضلا عن الواجبة من اجل إنجاح مشروع التقريب بين الذاهب فهم لا يستطيعون أن يتركوا صلاة التراويح في شهر رمضان أو إن يسجدوا على قطعة من التراب أو أن يجمعوا بين صلاتين في وقت واحد أو أن يسبلوا أيديهم أثناء الصلاة وهكذا وهذه من المسائل البسيطة ولكنها تمثل رمزية المذاهب السنية ولا يمكن لها أن تتخلى عنها من اجل أي مشروع حتى وان كان هذا المشروع يهدف إلى لم وحدة الأمة ورص صفوفها, هذا بالنسبة إلى المذاهب السنية.
وأما لو رجعنا إلى المذهب الشيعي الذي لا يقل عن المذاهب السنية في رفضه عن التنازل من أي شي لصالح التقريب بين المذاهب بل نجد انه أكثر صرامةً من الذاهب الأخرى في تشدده لصالح مذهبه.
إذن هو بالحقيقة مشروع تعايش بين المذاهب وليس تقريب وذلك لان الذهب الشيعي يرفض العمل وفق المذاهب الأخرى حتى في ابسط الموارد الدينية فضلاً عن الواجبات والمعتقدات.
بل إننا نجد إن المذهب الشيعي لا يرى شرعية تكوين وإنشاء المذاهب الأخرى حتى وان صحح عبادة المسلمين جميعاً على ضوء معتقد كل فرد مسلم, فانه يعتقد بان مذهب الحق هو المذهب الجعفري ألاثني عشري وأما الذي يتعبد على خلاف ذلك فان عمله محكوم عليه بالبطلان حتى وان كان ذلك المذهب ضمن المذاهب الشيعية كالإسماعيلية والواقفية وغيرها فضلا عن المذاهب السنية الأخرى ما لم يترك الإنسان تلك المذاهب ويلتحق في ركب المذهب الشيعي بل إن المذهب الشيعي لا يستطيع إن يعمل بأي حكم من أحكام المذاهب الأخرى ما لم يكن ذلك الحكم موجود في شريعة مذهبه فانه مثلاً لا يقول بشرعية قول كلمة آمين في الصلاة ولا يرى بجواز صلاة التراويح ولا يرى جواز وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى إثناء الصلاة بل يحكم ببطلانها وهذه في ابسط الموارد والأمور الشرعية الجزئية فضلاً عن العقائدية أو المسائل الأخرى التي تشكل أهمية كبرى في نظر إتباع المذهب الشيعي بل إن المذهب الشيعي دائب على مخالفة أهل السنة والجماعة في حال لم يجد دليل شرعي ينص على عمل معين أو وكانت الرواية ضعيفة فان القاعدة الفقهية التي يعملون عليها هي مخالفة أبناء العامة فيما انفردوا به من عمل او حكم كما يعبرون عن ذلك بقولهم الرشد في مخالفتهم.
بل المسائلة تذهب ابعد من ذلك في مجرد التحقيق والتدقيق في متون النصوص الدينية للمذهبين يشعرك بعدم وجود نية صادقة في تحسن العلاقات بين المذاهب الإسلامية وانه لا تقريب ولا قبول للآخر وكيف لك أن تشعر بالارتياح وأنت عندما تريد أن تبحث في مصنفات المذاهب السنية عن الموقف من المذهب الشيعي تجدهم يضعون الشيعة في قسم الخوارج في باب العقائد وفي قسم المشركين في باب الفقه وهذه هي أعلى مراتب الرفض والتكفير والإلغاء.
وهذا هو نفس الحال في المذهب الشيعي فعندما تريد أن تبحث عن المذاهب السنية في المصنفات الشيعية الرسمية تجدهم في موضعين في باب الفرق المنحرفة من الناحية العقائدية وفي كيفية التعامل مع الكافر في المجال الفقهي.
إذن كيف ينسجم ذلك كله مع الدعوة إلى التقريب بين المذاهب والعمل على إنجاحها بل الأولى القول عنه هو التعايش بين المذاهب وإعطاء الحرية الكافية لكل مذهب في نشر تعاليم مذهبه والسماح في تعليم معتقداته لأتباعه وأبناءه من دون مضايقات أو تشنجات طائفية وهذه هي التسمية الناجحة والفاعلة في هذا المشروع وهو مشروع التعايش بين المذاهب الإسلامية وليس التقريب.
فلنكن صادقين وجادين في أعمالنا وأفعالنا ولنبتعد عن إطلاق المسميات التي لا تجدي نفعا إلا المؤتمرات والندوات فقط وفقط والعجيب في ذلك إن مؤتمرات التقريب بين المذاهب التي تعقد في إيران حينما يحين وقت الصلاة تراهم لا يجتمعون على إمام واحد في الصلاة فكيف ستنتج تلك المؤتمرات مجتمعات موحدة ومتماسكة لذلك إننا ندعو الجهات القائمة على المشروع إلى التخلي عن اسم التقريب بين المذاهب واستبداله باسم التعايش بين المذاهب الإسلامية وهذا هو الواقع الفعلي له.