17 نوفمبر، 2024 1:46 م
Search
Close this search box.

التقديس

من اكبر الأخطاء التي يمكن ان يرتكبها الانسان هو حين يقع في فخ التقديس، بمعنى أن يقدس اشخاصا معينين ويرفعهم إلى ما فوق مستوى البشر، ناسيا أو   متناسيا ان الغالبية العظمى من البشر  متشابهين وخطائين مهمها ادعوا خلاف ذلك او مهما تظاهروا بالمثالية او نسبهم البعض اليها.
كان هيرو أونودا هو آخر جندي ياباني يستسلم في الحرب العالمية الثانية، حيث سقط كالكثير من ابناء شعبه ضحية تقديس المفرط لشخص الامبراطور فابعد كل شبهة تنسب إليه وتصويره على أنه اله مقدس وبالتالي لا يمكن أن يخطأ او يتراجع عن مبادءه التي كان يصرح بها.
وكان أونودا قد التحق بالجيش الياباني وهو في حدود  العشرين من عمره، و خضع لتدريب خاص، ثم ذهب بمهمةٍ إلى احدى جزر الفلبين حيث صدرت له أوامر كان من أهمها ان :” أهم شيء هو أنه يحظر عليكم تحت أي ظرف من الظروف أن تنهوا حياتكم بطريقة اختيارية”.
وفعلا ظل هذا الجندي ملتزما بالاوامر لمدة ٣٠ سنة حيث لم يصدق كل الأخبار والمعلومات التي وصلته في تلك الغابات عن استسلام اليابانيين للحلفاء، وبعد أن عاد إلى بلده عقب تلك المدة الطويلة صدم من التغيير الذي طرأ على الحياة هناك وغادر أرضه ليعيش من جديد في مكان ناءٍ.
أن امثال أونودا كثر في المجتمعات العربية والاسلامية التي تميل إلى تقديس افراد معينيين خاصة من رجال الدين وتعمل على التصديق الأعمى لكل ما يقروا به من دون ان يخضعون كلام أولئك (المقدسين) إلى سلطان العقل او ان يعملوا المنطق فيه ! وكم من شعب جره حاكم مقدس إلى ويلات ومصائب لا تعد ولا تحصى فقط لأن هذا الحاكم قدسه الكثير من ابناء شعبه .
أن العرب هم من أكثر الأمم ميلا إلى تقديس بعض الافراد لا سيما أولئك الذين ارتبطوا بالدين في الماضي ونسبت إليهم بعض الكرامات او المعجزات، وفي هذا الامر خطورة إذ يساعد على نمو التفكير الخرافي، لكن الاشد خطورة هو تقديس أشخاص احياء، حيث يمكن ان يؤدي هذا الأمر إلى ان تقع الجماهير ضحية تحكم أفراد معينين بمصيرهم وقيادتهم إلى طرق الرجعية والتخلف وربما الانقراض !
أن أبعاد هالة التقديس عن كل الافراد مهما كانت منزلتهم العلمية او الدينية ومهما كانت سلطاتهم السياسية والعسكرية والنظر لهم بعين مجردة تبع عنهم صفات القدسية والعظمة هو أمر ضروري من أجل إصلاح أحوال العرب، فالحاكم ورجل الدين والبطل الثوري وغيرهم هم أشخاص مثلنا يمكن ان يقعوا في الزلل ويمكن أن يخطأوا ولا يمكن تقويم خطأ المقدس بأي حال من الأحوال.

أحدث المقالات