18 ديسمبر، 2024 5:46 م

تبدو المسافات شاسعة بين الكثير من الأشخاص والأفكار والمواضيع للوهلة الأولى لكنها في الحقيقة عكس ذلك تماماً، وقد تنشأ بعض المعتقدات الهامة عن طريق الصدفة أو عبر بعض الأسئلة التي تكبر ككرة الثلج داخل أيٍ منا وتدفعه في عدة اتجاهات للبحث عنها، فنلحظ سنوياً على امتداد بلادنا من كافة الأعراق والثقافات ورغم الأوضاع الخاصة التي يعيشها عدد منها ازدياد نسبة الخريجين والمتعلمين واقبالهم على التعليم، والذين أصبح هدف الكثير منهم بشكلٍ مباشر هو الهجرة إلى الخارج في الدول الغربية، والذين لا يتجسد طموحهم فقط في هذه الناحية بل لوحظ إقبال الكثيرين منهم على تعلم العديد من اللغات والسلوكيات الإجتماعية والهوايات التي لم تكن تقبل عليها عادةً خاصةً من أبناء (الطبقات) الوسطى، وكأننا بصدد رؤية مشهد جديد تخلع فيه الكثير من العائلات جلدها لتستبدله بآخر، كما نلحظ ذلك الفرق الهائل بين سلوك الأهل والأبناء حيث ينشغل الأهل بتأمين النفقات التي تفوق قدرتهم وتثقل كاهلهم عدا عن الرحلة المتعلقة بتقديم الأوراق الرسمية ومتابعتها على مدار سنوات في السفارات..

ومع ذلك (التغير والتقدم والتمدن والترقي) نلحظ من ناحية أخرى حالةً من النقمة والهشاشة والغرور والتعالي من قبل الكثير من الفئات المذكورة على مجتمعاتها، وكأنها تريد تذكيرنا دوماً بأننا (محظوظون) للقاء أمثالهم ولأنهم (ما زالوا) يعيشون بيننا دون أن ينسوا أن يذكرونا (بإمكاناتهم الإستثنائية) حتى دون داعي لذكر ذلك، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن هذه النوعية من (المواطنين) التي لا تتردد في إعلان ولائها (سلفاً) لأرضٍ لم تطأها أقدامهم واحتقارها للأرض التي عاشوا عليها والناس الذين خرجوا من بينهم، وربطهم لقيمتهم كأشخاص بجواز سفر (قد) يحصلون عليه حيث (سيشعرون بذاتهم) وهم طيلة الوقت يحدثوننا عن (إنجازات وهمية) تتلخص جميعها في قدرتهم على (إثبات تميزهم) عن باقي فئات (الشعب) الذي لا يستحق (وجودهم)، فماذا استفدنا من كثرة الشهادات التي تخرج لنا نسخاً مشابهة لهذه العقليات والنفسيات المشوهة ؟ ولماذا زاد التعليم وانتشر الجهل والفساد والكسل؟ ولماذا اختفت الأصوات المتميزة والخارجة عن المعتاد لصالح النمطية والتكرار والزيف؟ هل يفهم أغلبنا (معنى ومغزى) التعليم أم أنها فرصة لإستعراض النقص والتباهي والعقد النفسية والإجتماعية ؟ ولماذا لم نتطور رغم وجود كل (هؤلاء) بيننا ؟ وهل يفهم بعضهم أن العلم يزيد أصحابه تواضعاً (بشكلٍ فعلي) بعيداً عن الخطابات التي يكررونها في مؤتمراتهم التي لا تأثير لها ولا حضور على أرض الواقع ؟ وهل هناك مشكلة في العلاقة بين الإنتماء والنجاح؟ فهذه الأسئلة رغم مرارتها وصعوبة إجاباتها تلخص ما نعيشه ومن نعيش معهم، ولربما قد يصبح الجهل أفضل وأجمل إذا خيرنا بين (تقدم) يزيد من وعينا لكنه يجردنا من مشاعرنا وأخلاقنا، وبين (تقهقر) قد يزيد من بؤسنا مادياً وتقنياً لكنه سيترك لنا بعضاً من إنسانيتنا وطبيعتنا وفطرتنا واحساسنا بما حولنا ومن حولنا..