23 ديسمبر، 2024 12:08 م

التقارير الرهيبة

التقارير الرهيبة

-1-
الملاحظ ان رفع التقارير السرية عما يدور في البلاد ، وعمّا يفعله العباد ، تُسقط الايجابيات وتسلط الضوء على السلبيات ..!!

انها اذن تكتب بروحٍ بعيدة عن الانصاف ، ذلك انّ الانصاف يقتضي تثبيت المحاسن والمساوئ لا التركيز على المساوئ وحدها .

-2-

ان من يمتهن رفع تقارير – في الغالب – يحرص على التقرب للسلطويين وارضائهم، ومن هنا فهو يحرص على إخبارهم بمن تناولهم بالقدح لا بالمدح ، وبمن ينتقدهم ويسجّل عليهم المواخذات ، وإنْ يمتدحهم في مواضع اخرى ..!!

-3-

وقد حاول (القائد الضرورة) المقبورأنْ يُشغل الناس بكتابة التقارير الى الاجهزة الامنية حتى عن أقرب الناس اليهم كأن يكتب الأخ عن اخيه،

والزوجة عن زوجها ،

والطالب عن أساتذته ،

والموظف عن رئيسه وزملائه ،

وهكذا أشاع مسخ القيم الأخلاقية في المجتمع ..

انّ العدوانية والتقارير الرهيبة هي من مؤشرات الولاء السياسي للدكتاتورية الظالمة وعلى ضوئها تُوّزعُ المناصب والمكاسب ..!!

ومن يتعذر مثلا عن ان يكون عضوا في (محكمة) ليس لها من صلاحيّة إلاّ التوقيع على “الاعدام” بعد تنفيذه – طبعا – لن يكون مصيره الاّ الى العزل والإبعاد ثم التصفية الجسدية لاحقا .

وهذا ما عانى منه (فليح حسن الجاسم) فقد أعيد من (الوزارة) الى (التعليم)، ثم كان من أمره ما كان ..!! لانه رفض ان يعاقب زوّار الحسين في الاربعين عام 1387 هجرية / 1977 .

-4-

وبعد سقوط الصنم ابتلى المواطنون العراقيون بما يسمىّ (بالمخبر السري) الذي كتب الكثير من تقاريره بدافع الكيد الشخصي، وسيق الالاف الى المعتقلات والزنازين بسبب تقاريره الكيدية ..!!

وحتى كتابة هذه السطور لم يتم الافراج عن جميع الأبرياء ..!!

-5-

ومن الجميل هنا ان نورد قصة أحد اللؤماء – وكان شيخاً – رفع كتابا الى الوزير فخر الملك – محمد بن علي بن خلف – وزير بهاء الدولة الذي قال فيه (ابن نباته) :

لكل فتى قرينٌ حين يسمو

وفخر الملك ليس له قرينُ

أنخْ بجنابِهِ واحكمْ عليه

بما أمّلتَه فأنا الضمينُ

ان الكتاب كان عبارة عن قضية سعى فيها الى هلاك شخص …

فلما وقف فخر الملك على الرقعة قلبها وكتب في ظهرها :

السعاية قبيحة وإنْ كانت صحيحة ، فان كنت أجريتَها مجرى النصح فخسرانك فيها اكثر من الربح ، ومعاذ الله ان نقبل من مهتوكٍ في مستور، ولولا أنّك في خفارة من شيبك لقابلناك بما يشبه مقالك ، ونردعُ به أمثالك ، فاكتم العيب ،

واتقِ مَنْ يعلم الغيب ،

والسلام “

بمثل هذا الجواب الرائع كان الردّ على المسعى اللئيم لمن أطلق العنان لنفسه الامارّة بالسوء فكتب ما كتب تحريضا للوزير على (رجل مستور).

وأين مّنْ ينتهج منهج فخر الملك في ما يُرفع اليه من تقارير مغموسة بالكيد والحقد والكذب والبهتان وباطل الاتهامات …؟!

-6-

ان شياطين الانس لايكفوّن عن اللجوء الى شتى الاساليب المحمومة للايقاع بمن يعتبرونه عائقا أمام رغباتهم في الوصول الى ما يريدون .

فلا يتورع أحدهم عن السعي الحثيث للقضاء على المنافس مهما كان الثمن .

-7-

انّ عمليات التسقيط السياسي هي تقارير ترفع الى الرأي العام لتشويه سمعة المنافسين من الاخوة – الاعداء ..!!

وهي لا تعتمد الاّ على الأكاذيب والأوهام، وتنأى عن التسليم بالحقائق والثابت من الأرقام ..

-8-

وأذكر هنا موقفاً رائعاً لأحد الاصدقاء الاعزاء في لندن والذي أخبرني أنه تلّقى بالبريد “منشورات” محمومة تستهدفني شخصيا بشتى الاتهامات والطعون ، فما كان منه الاّ ان أهملها ولم يُعرها اية عناية …

انّ الانسان الواعي لا يسوغ له إلغاء ما يملك من معلومات استقاها بنفسه بعد المعايشة الطويلة والوقوف التفصيلي على الكثير من الممارسات والمفردات ، بمجرد الاطلاع على منشور مسموم أو الاستماع الى خَبر مُغرض يُسرّبه الى الاعلام أحد الخبثاء الماجورين …

-9-

ولا ينبغي لأحد ان يتوهم اننا ندعو الى التستر على الفاسدين واخوانهم بالرضاعة ..!!

اننا ندعو الى الحفاظ على سمعة ومكانة رجال العراق الوطنيين المخلصين بعيداً عن التأثر بما يُحاك ضدّهم من الزمر المسعورة .

-10-

وليس عدلاً ان نشطب على اسماء الرموز والمتصدين للشأن العام جميعاً بجريرة بعض المستغلين لمناصبهم او المستحلين لنهب المال العام .

فلا بُدَّ من التمييز بين (المحسن) و(المسيء) و(الطيب)و(الخبيث) وما زال العراق غنيّاً بالرجال البعيدين عن القيل والقال ..!!

 

[email protected]