23 ديسمبر، 2024 10:18 م

التقارب العراقي السعودي … سحابة صيف !

التقارب العراقي السعودي … سحابة صيف !

فجأة ومن دون سابق انذار حل ملاك الاعتدال والوسطية والمثالية على المملكة العربية السعودية وسياستها في منطقة الشرق الاوسط وهذا ما عبر عنه رئيس مجلس الوزراء المالكي في لقاءه الصحفي مع رئيس تحرير صحيفة الشرق الاوسط عادل الطريفي اثناء مؤتمر القمة الاسلامي المنعقد في الفترة الاخيرة في القاهرة. وما يزال هذا التحول المفاجيء في سياسة المالكي تجاه السعودية مبعث استغراب للمتابعين والمحللين وهو الذي طالما انتقد وهاجم سياسة المملكة واتهمها بدعم تنظيم القاعدة والمجاهدين المقاومين في العراق ولم يتوانى هو او تحالفه الوطني الشيعي في كيل الاتهامات لحكام مملكة آل سعود بانهم يحاولون تخريب العملية السياسية في العراق الجديد خوفا من ان تؤدي امتداداتها الى احداث تغيير في شكل الحكم في العربية السعودية.
 
من الجدير بالذكر ان السعودية وملكها عبدالله بن عبد العزيز آل سعود كان قد استقبل المالكي فور توليه رئاسة الحكومة العراقية في عام 2006 واكد له ان المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين وان المملكة تدعم العراقيين في سبيل اعادة الامن والاستقرار الى بلدهم وايضا سبق ذلك جهود المملكة في عقد اتفاق مكة بين علماء السنة والشيعة في العراق والذي تم نقضه قبل ان يجف حبره الذي كتب به.
 
ان التقارب العراقي السعودي ما هو الا سحابة صيف سيجني من خلالها الطرفين مصالح انية متبادلة تتمثل بالنسبة للطرف العراقي في استخدام التأثير السعودي على سنة العراق من اجل انهاء مظاهراتهم واعتصاماتهم التي وصلت مديات بعيدة ما كانت في حسبان التحالف الوطني او اعضائه كونها اصبحت اكثر تنظيما وانضباطا وتحمل من الحقوق والمطالبات المشروعة في بلد وسلطة حاولت وتحاول اقصائهم وتهميشهم، واضف الى ذلك استخدام التأثير السعودي لضمان احتواء تاثير السنة في سوريا والعراق معا بعد سقوط نظام بشار الاسد الذي ما زال ينازع سكراته الاخيرة قبيل الرحيل الفعلي بعد ان رحل من حسابات الدول والعالم وفقد الشرعية الدولية، وعودة العراق الى حاضنته العربية من بوابة المملكة بما تملك من تأثير في الاوساط العربية، وفي الجانب الاقتصادي استخدام الانبوب النفطي العراقي الممتد من الاراضي العراقية الى ميناء ينبع على البحر الاحمر وهذه الخطوة لو تمت فانها جدا ذكية ستجنب العراق تبعات اي ضربة عسكرية مفاجئة لايران واغلاقها لمضيق هرمز وبالتالي تعثر صادرات النفط العراقي واضافة منفذ اخر الى منافذ تصدير النفط العراقي. اما الطرف السعودي فليس هنالك له من المصالح الواضحة الان عدا ربما تبادل المعتقلين بين البلدين والسبب الترقب والانتظار الذي سيطرأ على المنطقة بعد سقوط نظام بشار وعلى العموم فان مصالح السعودية مع العراق في كل الاحوال يتقدمها احداث التوازن الاقليمي مع ايران من خلال علاقات جيدة مع شيعة العراق وبما يمتلكونه ربما من تأثير لدى ساسة ايران وحثهم على اتباع سياسة الاعتدال في المنطقة.
 
ان من يتولى ملف التقارب مع العراق واحد اسبابه هو ولي العهد سلمان بن عبد العزيز والذي يحاول منذ الان صنع بصمة خاصة به في السياسة العربية والدولية وهذا ما دأب عليه ملوك العربية السعودية (رغم افتقاده للكاريزما التي توفرت لدى المرحوم فهد والملك الحالي عبدالله والتي من شأنها ان تفعل الكثير احيانا)  لذلك فانه بدأ منذ الان تحريك المياه الراكدة في علاقات المملكة مع العراق ضنا منه ان السعودية والعراق مجتمعان قد يلعبا دورا كبيرا في المنطقة وفعلا هم قادرين على ذلك بما يملكانه من قدرات واوراق وان البرود الذي ساد العلاقات سابقا لم يكن في مصلحة الطرفين.
 
لقد تعودنا مع ساسة العراق ان التخبط والارتجال والمزاجية هو من يسود مواقفهم في علاقاتهم وسياساتهم الخارجية واصبحنا لا نتفاجأ في اي موقف متغير يصدر عنهم تجاه هذ الدولة او تلك والامثلة كثيرة ومؤلمة ليس اخرها ما اقبل عليه المالكي فورا بعد نهاية القمة العربية في العراق من تغيير في المواقف ومهاجمة للدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية رغم انه قبل ساعات كان العراق يحتضن القمة العربية وماكلفته من اموال مصروفة عليها العراقيين في حاجة امس الحاجة لها، والمشكلة الاخرى ان ساسة العراق وبالاخص السياسيين الشيعة ما زالوا اسيروا النظرة المذهبية في علاقاتهم مع العرب ولم يصلوا الى ذلك المستوى من التفكير الذي يميز بين المصالح في السياسة وبين التقاطع في المذهب لذلك نعتقد ان التقارب السعودي العراقي الجديد هذا ما هو الا سحابة صيف ستمطر مطرها وتمر مرور الكرام.
 
ان العراق في حاجة ماسة الى مجلس اعلى للسياسات الخارجية  او للشؤون الخارجية ينظم سياسة العراق الخارجية مع المحيط الاقليمي والدولي عبر خبراء واختصاصيين في العلاقات الدولية يقدمون النصائح الى ساسته المتصفين بقلة الخبرة وانعدام النهج الاستراتيجي لديهم في علاقاتهم مع الدول الاخرى فالعراق الان بلد متنوع التأثير في المنطقة بحكم ما يضمه من تنوع عرقي وديني مذهبي وما تملك هذه المكونات من علاقات و اوراق مع العالم الخارجي والتي لو تم استغلالها بالشكل الامثل والعلمي وخضعت للعقلية المدروسة البعيدة والمتجردة عن التعصب سوى خدمة العراق وتفعيل دوره لاصبح العراق اليوم محورا ولاعبا من اقوى لاعبي المنطقة واكثرها تاثيرا ونفوذا.
 
كاتب مستقل