23 ديسمبر، 2024 10:47 ص

التفكير العاطفي و التفكير المجرّد .. وتأثيرهما على المواقف الوطنية !!!

التفكير العاطفي و التفكير المجرّد .. وتأثيرهما على المواقف الوطنية !!!

هو مجمل الأشكال والعمليات الذهنية التي يؤديها عقل الإنسان، والتي تمكنه من نمذجة العالم الذي يعيش فيه، وبالتالي تمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته وغاياته. والنمذجة هي عملية صنع نموذج ، وهناك النمذجة العلمية Scientific modeling التي هي عملية إنشاء وتوليد نماذج مجردة أو اصطلاحية.

تعرض العلوم بمجملها مجموعة متضخمة باستمرار من المناهج و التقنيات والنظريات حول كل نوع من أنواع النماذج العلمية المتخصصة , وبعض النظريات العامة حول النمذجة العلمية يتم عرضها في فلسفة العلوم ونظرية الأنظمة أو حقول جديدة .. مثل التمثيل المرئي للمعرفة knowledge visualization ، والنموذج العقلي Mental model الذي يتمثل بإدراك الشخص لمعلومة معينة أو لعملية التفكير.

التفكير:

فهو إعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلِّها , من خلال إجراء عمليّة عقليّة في المعلومات الحاضرة لأجل الوصول إلى المطلوب، وحركة العقل بين المعلوم و المجهول. وهناك العديد من المصطلحات المرتبطة بمفهوم التفكير: أهمها الإدراك، الوعي، شدة الإحساس، الفكر، الخيال.

إنَّ عملية التفكير تتضمن أيضا التعامل مع المعلومات، كما في حالة صياغتنا للمصطلحات، والإسهام في عملية حل المشكلات، والاستنتاج واتخاذ القرارات. إذ يعتبر التفكير أعلى الوظائف الإدراكية التي يندرج تحليلها وتحليل العمليات التي تسهم في التفكير ضمن إطار علم النفس الإدراكي . فالفكر اتجاه يرتبط به الإنسان بعد تفكير لاختيار توجه يقيم على أساسه نهج حياته والقيم الإنسانية التي يسير عليها ، والاتجاهات الفكرية تتقاطع فيما بينها بشكل كبير، كما أنه يمكن لأيِّ إنسان اتخاذ مجموعة من المبادئ التي لا تنتمي لتوجه فكري معين , واعتبارها توجها فكرياً خاصاً ، ومن أشهر التوجهات الفكرية التي أثـَّرت في الناس هي : الفكر الليبرالي والماركسي واللينيني الماركسي والشيوعي والديني والإسلامي والإلحادي والرأسمالي والميكافيلي والعلماني والقومي والوطني . ويُحدِثُ التفكيرُ الفهمَ والاستيعاب واتخاذ القرار والتخطيط لحل المشكلات والحكم على الأشياء والإحساس بالبهجة والاستمتاع والتخيّل والانغماس في أحلام اليقظة . وهو عملية واعية يقوم بها الفرد عن وعي وإدراك، ولا تتم بمعزل عن البيئة المحيطة، أي أن عملية التفكير تتأثر بالسياق الاجتماعي والسياق الثقافي الذي تتم فيه.

التفكير العاطفي:

هو أدنى درجات التفكير ؛ إن لم يكن أوّلَ درجات الانزلاق من التفكر إلى التهوّر، وهو بلا شك سبيل يفضي إلى التفكير السلبي الذي يختزن التشاؤم والريبة وسوء الظن بالنفس , وهو الغالب على سوسيولوجية الحياة الاجتماعية المعاصرة وأمراضها النفسية، مثل الفوبيا والبارنويا وانقسام الشخصية «الشيزوفرنيا». وهذا في أدنى أحواله ؛ وأما إذا لم يبلغ ذلك الدرك فهو يورث الكبرياء المزيفة والتعصب والعجب بالنفس والرضاء بالحال، وليس ثمة عدو للتقدم مثل أن يقال «ليس في الإمكان أبدع مما كان». وأحياناً يُطلق عليه التفكير الوجداني أو

الهوائي، ويقصد به فهم أو تفسير الأمور أو اتخاذ القرارات وفقاً لما يفضلّه الفردُ أو يرتاح إليه أو يرغبه أو يألفه.

التفكير المجرّد:

تفكير يتميز بالقدرة على استيعاب المفاهيم والتعميمات واستخدامها ، وهي المرحلة الأكثر تعقيداً , والنهائية في نَمَاء التفكير المعرفي ، التي تتسم فيها الأفكار بالتكيّف والمرونة، وباستخدام المفاهيم والتعميمات، مثل الخصائص أو الأنماط التي تشترك في مجموعة متنوعة من العناصر أو الأحداث، بحيث أنَّ حلَّ المشاكل أو التعامل معها يتم إنجازه عن طريق استخلاص النتائج المنطقية من مجموعة من الملاحظات ، ومن وضع الفرضيات واختبارها.

التفكير المجرّد هو مفهوم يقارن في كثير من الأحيان مع التفكير العملي ، أو التفكير الذي يقتصر على ما هو أمام الوجه ، وهنا والآن . في المقابل ؛ يمكن للمفكر التجريدي التصوّر أو التعميم ، وفهم أن كل مفهوم يمكن أن يكون له معانٍ متعددة ، وهكذا مفكرون قد يرون أنماطاً ما وراء الأنماط الواضحة , ويكونون قادرين على استخدام أنماط متنوعة أو أفكار محددة أو أدلة لحلِّ مشاكل أكبر. ومثال على هذا التناقض يكون رد فعل المفكر العملي والتجريدي على لوحة نفسها للمرأة التي تحمل مشعلاً . فإن المفكر العملي يفسر هذه اللوحة بطريقة حرفية، ولكن المفكر التجريدي قد يفسر هذه اللوحة بمثابة تمثيل لتمثال الحرية ويستنتج أن الرَّسامَ أراد الاحتفال بالحرية. وهناك العديد من الطرق التي يكون فيها التفكير التجريدي ذو فائدة للناس , فهو يساعد على حلِّ المشاكل بطرق أكثر إبداعا ، ولديه ميل للسَّـماح للناس للتفكير خارج منطقة التفكير المسموح به. كما يسمح أيضا لفهم أكثر ثراء للمفاهيم . وهناك بعض الأطباء النفسيين الذين يعتقدون أنَّ التفكير ليس فقط جزء مبكـِّر من المعرفة المجرّدة , وقد عرَّفَ (كارل يونغ) ـ عالم نفس سويسري ومؤسس علم النفس التحليلي ( 1875ـ1961 ) ـ بعض أنواع الشخصية باعتبار أنَّ لديها القدرة على الشعور التجريدي ، أو يستشعر أو يحسّ ، بالإضافة إلى وجود القدرة على التفكير.

في التجمّعات البشريّة العاديّة يعرض الناسُ مجموعةً من قدرات التفكير المجرّد ، والتي تكون واضحة عند تطوّر البشر . معظم الأطفال الصغار لا يستطيعون بمصطلحات مجرّدة .. وليس كلّ الناس قادرين على تطوير التفكير المجرّد ، وبعض الناس الذين كانوا في السابق أقوياء في هذا المجال قد يفقد هذه الإمكانية . يمكن للأشخاص الذين يعانون من صعوبات تعلم معينة، وبعض أنواع التخلف العقلي أن يجدوا صعوبة كبيرة في تصوّر أبعد من نقطة معينة أو لديهم مشكلة مع الكلمات التي تمثل الأفكار وليس الأشياء ، ومنها أسباب فسيولوجية تؤثر على قدرة الشخص السيكولوجية على التفكير المجرد ، وهذا قد يسبب صعوبات عند الناس بحاجة إلى اتخاذ قرارات مفاهيمية، ويجعلون الأحكام الأخلاقية أو حلّ المشاكل بطرق معقدة . وهناك مجموعة عادية من قدرة التفكير مجرّدة ، وبعض الناس يكونون أكثر عمليين منهم تجريديين ,على الرغم من ارتفاع العجز في التفكير المجرّد .. قد تدلُّ على بعض صعوبات التعلم ؛ وهذا ما يتنبأ بنجاح أقل في الحياة الاجتماعية .

والحالة هذه ؛

فموقف المواطن اليوم يخضع لتأثيرين فكريين اثنين .. هما التأثير الفكري العاطفي في اتخاذ قراره حيال الوطن ، وتأثير التفكير المتجرّد عن العاطفة حيال اتخاذه الموقف الوطني الذي يجب أن يقف عنده أو يكون عليه . سيّما وأنَّ مجتمعنا العراقي اليوم ؛ يعيش تبايناً هائلاً من

حالات الشحن الفكري .. كحالة الشحن الديني أو القومي أو المذهبي أو العشائري ، إضافة إلى حالات الشحن الوافدة بتأثيرات العولمة و العلمانية والإرث السياسي للتيارات والأحزاب العراقية اليسارية وغيرها .. كالتأثيرات البراكماتية والديموغرافية والتعنت لمخلفات البعث البائد وتأثيرات الأجندات الإقليمية والدولية على سوسيولوجية الشعب عامة ، ما يجعل المواطن متحيّراً إزاء حالة التنافرات والتجاذبات التي سادت الوطن منذ عملية التغيير السياسي في نيسان2003، وتعرّض المجتمع إلى صعقة الديمقراطية المباغتة التي أحدثت عنده حالة الانفلات في معظم طرائق تفكيره وتعاطيه مع الوطنية ، بعد أنْ رزح قرابة أربعة عقود تحت نير الدكتاتورية التي قيّدتْ التفكير وحجّمت الفكر بالقوميّة العربيّة المشوّهة بالطغيان والتفرّد والتسلط والعنجهيات والشعارات الطنّانتة الرنّانة الهوجاء .. تلك التي زعزعت فيه روح المواطنة ، لدرجة أنه آثر الغربة على الوطن ، وأعوادَ المشانق على الحياة الذليلة .

عليه ؛ فعندما يتجرّد المواطن عن العاطفة ويفكرّ بالتفكير المتعقل المتجرّد عن العاطفة حتماً ستؤول به هكذا طريقة من التفكير إلى أن يتخذ موقفاً وطنياً واضحاً وصحيحاً يرسو بتخبطات الجماهير كافة على مرفأ السلام والأمن والازدهار والحياة الحُرّة الكريمة لهذا الشعب الجريح الذي عانى ويعاني من الأزمات التي تنزلق به إلى حضيض الانهيار وأتون الدَّمار إلى الأبد ، مالم ينتبه إلى الوعي الموضوعي وينتهج طريقة التفكير المتجرّد عن العاطفة التي لم يجنِ منها إلاّ خيبات السنوات العجاف.