مفهوم الانتهازية يحتاج الى غربلة جديدة وتعريف يتناسب مع ما يجري في المشهد الانتهازي العراقي . فظاهرة التفريخ السياسية لدينا سائدة ومستحكمة وفاعلة ، فلا غرابة أن ترى سياسياً او نائبا ينام على سياسة حزب ويستيقض صباحاً على سياسة حزب آخر أو كتلة سياسية تنبثق على حين غرّة من بين ركام وتناقضات العمل السياسي في بلادنا ، فلا يكاد المواطن يعرف توجه احدهم حتى يتفاجأ في اليوم التالي ان هذا السياسي في واد غير وادي الأمس !
والاغرب ان التحولات الانتهازية لدينا تحولت من الفردانية الى الجماعية فصارت تحولات كتلية وان كانت صغيرة عدديا وتأثيراً وتكراراً ، حتى فقدت بعدها الاخلاقي سياسياً، ولو عاد السيد ميكافيلي الى الحياة ثانية لاعتذر عن سوء فهمه للانتهازية وقدم طلبا لان يكون تلميذاً نجيباً ومطيعاً لسلوك المدرسة السياسية العراقية في تجلياتها الاكثر ، بل ربما والأرجح ان يكون طفلا مهملااً في روضة الانتهازية السياسية العراقية !
التحولات السياسية والفكرية للسياسي قضية حيوية وحق مشروع فالحياة لاتتوقف على فكر محدد او توجهات سياسية بعينها ، لكّن هذه التحولات تحتاج الى وقت حتى تتبلور وتنضج وتكون مقبولة حتى على المستوى الاخلاقي الشخصي ، وان لاتخضع للمساومات في سوق النخاسة السياسية سيء الصيت في البلاد .
الانتهازية في المدرسة العراقية لها مفهوماً مختلفاً عن مفهومها السياسي ، انها مدرسة تشتغل في البورصة المالية فغالباً مانسمع عن اسعار نواب وسياسيين بحسب سخونة اللحظة السياسية واحتياجاتها والتبريرات نفسها مصلحة المكون والمواطن والوطن ومن اجل الديمفراطية حتى تتطابق وتتحايث خطابات التحولات الانتهازية! !
الفكرة الأكثر غرابة إن هذه التحولات الغريبة في مدرستنا الانتهازية المتجددة دوماً يجري تسويقها كمواقف وطنية اخلاقية مبدئية لإنقاذ الوطن من محنته ، لتكتشف إن محنة الوطن مرّة يسارية واخرى يمينية وتارة داخل البلاد واخرى خارج حدود الوطن نفسه !
والأغرب أيضاً إن الانتهازيين من هذه المستويات يعيّرون بعضهم بعضا علناً وسراً فيحتار المواطن بين هذه الانتهازيات التي تجر الوطن والمواطن الى مساحات الازمات التي تتوالد وتتفرخ الواحدة من الأخرى ، حتى اطلقنا على الطبقة السياسية الحاكمة بانها طبقة تفريخ ازمات وصناعتها وليس مشاريع حلول واقعية !
باانتظار ميكافيلي اخلاقي سنبقى تحت رحمة مدرسة الانتهازية العراقية الخالية من اخلاق الفرسان والمنخرطة سوق النخاسة السياسية !!